يمر اليوم عام كامل على بدء الفصل الافتتاحى للثورة المصرية الشعبية «ثورة 25 يناير» وبالطبع فهذه أول ثورة شعبية مصرية فى العصر الحديث تنتفض وتشتعل من أجل الحرية والكرامة وحقوق الشعب الأساسية فى مواجهة حكامه.. فمعظم ثورات العصر الحديث من ثورة القاهرة الأولى والثانية فى مواجهة الحملة الفرنسية والاضطرابات التى عمت مصر منذ خروج الفرنسيين إلى تعيين محمد على ثم الثورة العرابية وحتى ثورة 19، كانت ثورات شعبية فى مواجهة الغزو أو الاستعمار الأجنبى وبالطبع كانت تحمل فى أجندتها مواجهة لحكامها ضد الاستبداد والقهر والنهب.. وبمتابعة توارد الأحداث نستطيع أن نتابع ملحمتنا الشعبية وقد مرت بفاصلين.. الأول: ممتد فى أعقاب هروب بن على الرئيس التونسى الذى خلعته الثورة التونسية المجيدة حتى 2/2 أما الفاصل الثانى فقد امتد من موقعة الجمال والحمير الشهيرة إلى يوم تنحى الرئيس المصرى المخلوع.. وبمتابعة «أهرام 21/1/2011» يتحدث أسامة سرايا عن أسبوع الأزمات العربية متطرقاً إلى أزمة العراق ثم السودان ثم يعود إلى مصر متحدثاً عن القوى السياسية التى منيت بهزيمة ساحقة فى الانتخابات النيابية (يقصد انتخابات 2010) وعن رغبتها فى إحداث فتن وقلاقل ومقارنة بما يحدث فى تونس مع ما يحدث فى مصر.. ثم يعطى مفهوماً غريباً وفريداً للثورة فيقول: إن المصريين يتغيرون كل يوم ويواجهون الفساد بالقانون ويتصدون للمتغيرات والأزمات بالإصلاحات ويدركون أن استخدام الشعب فى لعبة الثورات لعبة مكشوفة للجميع فالانقلابات لها أشكال متعددة أما الإصلاحات والتغيير الحقيقى فله شكل واحد»!! وهكذا لغو فى لغو وقدرات مريبة فى تزييف الواقع والحقائق والبديهيات، وكان العنوان الرئيسى ل«الأهرام» عن اكتشافات بترولية وغازية جديدة.. أما فى يوم الثلاثاء 25/1 فقد احتل حبيب العادلى صدارة الصفحة الرئيسية وصفحتين داخليتان خصصتا لحديث مطول عن التنظيم الإرهابى القادم من غزة لتفجير دور العبادة وتعهد بحماية أية تجمعات تلتزم بالتعبير السلمى.. وقد تصدرت صورته صدر «الأهرام» وهو يبتسم ابتسامة مستهجنة متعالية فضلاً عن ثقة مفرطة فى امتلاك اليوم والغد.. أما جريدة «الوفد» فقد خصصت عنوانها الرئيسى عن محاولات الانتحار الجديدة فى القاهرة والمحافظات.. موظف يقطع شريان يده.. عامل يشعل النار بجسده أمام مقر الحزب الوطنى.. وكانت قد انتشرت الظاهرة البوعزيزية الانتحارية فى أعقاب ثورة الياسمين فى مصر فى الأيام الأوائل لشهر يناير.. ولم تشر الصحف الحكومية إلى خروج تظاهرات فى ذلك اليوم أو الدعوة إليها من قريب أو بعيد. وأطلت «الأهرام» علينا فى 26/1 بعنوان رئيسى عن احتجاجات واضطرابات واسعة فى لبنان.. وجاء كخبر أقل كثيراً فى الأهمية مظاهرات فى القاهرة واستشهاد جندى بالأمن المركزى.. وتحدث مرسى عطاالله عن كفاءة جهاز الشرطة وأن نجاحه لم يأت من فراغ، وإنما من جهاز اكتسب صفات الانضباط المسئول والالتزام الصارم دفاعاً عن الحق والواجب وتأكيداً لهيبة الدولة.. وذلك فى معرض حديثه عن كشف الشرطة للغز جريمة كنيسة القديسين!! أما جريدة الشروق فقد عبرت عن مصر الغاضبة وكانت هناك تغطية واسعة لأحداث القاهرةوالسويس بالإسكندرية ومدن بحرى وجاء «أهرام» الخميس 27/1 ليجعل تجدد الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن عنواناً رئيسياً وتحدث عن وفاة 4 وإصابة 18 مواطناً و162 شرطياً فى توجيه نحو تزايد ضحايا الشرطة عن ضحايا الشعب.. وتحدث إبراهيم نافع عن ضرورة تلبية مطالب الشباب فلا مجال للأخطاء ولا فرصة للتجاهل مشيراً من طرف آخر إلى محاولات قوى سياسية ركوب الموجة، أما مرسى عطا الله فقد استغرق فى الحديث عن التسوية الإسرائيلية الفلسطينية!! أما العنوان الرئيسى ل«الوفد» فقد كان التغيير هو الحل كان هناك متابعة واسعة لاشتباكات القاهرة وحوادث السويس وحرائقها، والحديث عن مسلسل تهريب الثروات واستعداد الطائرات الخاصة للهروب.. وتحليلات متعددة عن الثورة القادمة.. وفى «أهرام» الجمعة كان العنوان الرئيسى مبارك يتابع أحداث السويس.. ويطالب بوضع البطالة والفقر على رأس أولويات الحكومة، وأخيراً تحدث أحد المسئولين فينفى صفوت الشريف هروب قيادات الحزب، وقال إنه لا تعديل وزارياً مرتقباً وتحدث سرور عن بيان لرئيس الوزراء أمام مجلس الشعب الأحد المقبل، ومن الأحداث المسيئة المذكورة ب«أهرام» الجمعة انهيار عقار بالحرفيين واستشهاد عقيدى شرطة وخمسة مجندين بالإطفاء.. وفى تعليقه على 25 يناير المعنى والمغزى قال أسامة سرايا إن المصريين يعرفون جيداً أن الانزلاق إلى الفوضى والتخريب سيكلفهم ضياع الأرواح وتبديد الموارد.. وذكر أن محدودى الدخل والفقراء لم يخرجوا للتظاهر لأن إحساسهم ومشاعرهم مع الدولة ويقدرون سياستها!! ثم حذر قائلاً: «رسالة الشباب قالت مصر نضجت ويجب أن تفتح أبوابها للأجيال القادمة ولا تجعل الأحزاب الوهمية أو الجماعات المحظورة تقف فى طريقهم وتدفعهم للمسار الخطأ!!».. ولا تدرى ماذا يقول سرايا غداً بعد انفجار 28 يناير الذى شارك فيه المهمشون والعشوائيون وفقراء الوطن كلهم. انفجرت مصر كلها فى 28/1 وأعلنت الأحكام العرفية وبدأ نزول الجيش.. وأطل مبارك على شعب مصر فى الواحدة ليلاً بخطاب غريب للغاية.. لم ير الجموع الهاتفة بسقوط النظام وضرورة زواله.. بما يعنى اختفاءه هو شخصياً.. فقرر استبدال الحكومة ولم يتحدث من قريب أو بعيد عن مشروع التوريث ولا تزوير الانتخابات ولا حل مجلس الشعب.. تلك المطالب الرئيسة التى ارتفعت بها حناجر المصريين وواجهوا الرصاص المطاطى والقنابل المسيلة للدموع وحواجز الأمن وإرهاب السلطة والقوة المفرطة.. كل هذا تجاهله مبارك فى خطابه المدهش خارج السياق.. وجاءت عناوين «الأهرام» فى 29/1 تعلن إقالة الحكومة وكلمات مبارك الغريبة عن لا رجوع عن الإصلاح ولا ردة للوراء.. وجاءت «الوفد» بتغطية واسعة على صفحاتها لأحداث 28/1 فى مختلف المحافظات وجاءت عبارات سقوط النظام.. ويتلاحظ عدم وجود معلومات واضحة أو محددة عن ضحايا الثورة والشهداء لغياب المعلومات بالطبع وعدم المعرفة أو الملاحقة الكاملة للحدث، ثم كان تعيين عمر سليمان وشفيق وتحدثت «الشروق» عن الشعب يتقدم ومبارك يتراجع، أما عناوين «الوفد» فكانت أكثر تعبيراً عن الاختفاء المريب للشرطة واقتحام البلطجية للبيوت والمحال.. وفى «أهرام» الاثنين 31/1 كانت صورة اجتماع مبارك مع القيادة المركزية للجيش وصورته وبجوار عنان وعمر سليمان ذات إيحاء واضح.. والعنوان الرئيسى اجتماع للرئيس مبارك مع القيادات العسكرية وعنوان آخر شديد الغرابة «العادلى يتفقد معسكرات الأمن».. ومصر كلها أصبحت فى حماية العناية الإلهية وتشكيلات اللجان الشعبية، فكان عنوان «الوفد» معبراً بحق «مصر فى رعب» ثم كان عنوان سقوط شرعية الرئيس ومطالبته بترك منصبه، أما «الشروق» فقد تحدثت عن مقترحات سليمان لاحتواء انتفاضة الغضب.. إلغاء ملف التوريث تعديل الدستور محاسبة المقصرين تخلى مبارك عن رئاسة الوطنى.. وذلك كما نرى طلبات مخففة لتمرير الوضع وجاء الثلاثاء ليعلن «الأهرام» أن مبارك أعطى تكليفاً لعمر سليمان بإجراء حوار مع القوى السياسية وحكومة جديدة بلا رجال أعمال.. وجاء مليونية 1/2 الحاسمة.. قضى الأمر.. مبارك إلى أين!!.. فكان خطابه الثانى الذى جاء متأخراً كالعادة ليعلن أنه لن يترشح ثانية، وتحدث «الأهرام» عن حوارات «شفيق» و«سليمان» مع الشباب والقوى الثورية.. وهكذا أصبح هناك حديث لأول مرة عن قوى سياسية وقوى ثورية وحدوث تغير فى الشارع، وكانت وقائع 2/2 حداً فاصلاً لانتهاء أى أحلام لمبارك وورثته ورجاله للبقاء.. فكانت مظاهرات التحرش فى مصطفى محمود ثم الاعتداء على المتظاهرين بالتحرير وواقعة الجمال والحمير وتمكن قوى الثورة من مواجهة الاعتداءات، فكتبت «الحياة» اللندنية فى عنوانها الرئيسى يوم الخميس 3/2 «مئات الضحايا فى اشتباكات مؤيدى مبارك والمتظاهرين.. واشنطن تريد تغييراً فورياً بعد انفجار العنف فى ميدان التحرير» وكتبت «الوفد» «حرب أهلية.. ميليشيات الوطنى تقتحم ميدان التحرير والمحافظات بالشوم والقنابل» وكتبت «الشروق» 1500 جريح فى مجزرة ميدان التحرير، أما «الأهرام» فعادت لسيرتها الأولى فكتبت: الملايين يخرجون تأييداً لمبارك وعنوان جانبى حوار مؤسف بين المتظاهرين بالطوب ثم يوم الوفاء لمبارك.. وهكذا. أما «الأخبار» فقد كتبت ملايين الصامتين خرجوا لتأييد مبارك ثم حديث من أخطر مؤامرة أجنبية لضرب مصر.. وهكذا كانت بداية المرحلة الثانية لسقوط مبارك، وجرت الأيام التالية أسبوع كامل من صمود الثورة فى الميادين تطالب بالرحيل ومحاولات متعثرة لسليمان وشفيق لإجراء حوار وامتصاص الثورة وكانت صيحة سليمان الأخيرة قد كتبها «أهرام» الأربعاء 9/2 سليمان يقول: مصر بين خيارين الحوار أو الانقلاب، وكانت جمعة الانتصار تنحى المخلوع وانتصرت الثورة وها هى مصر اليوم حرة.. تقرر مستقبلها.. تلك كانت البشاير.. ومازلنا فى الفصول الأولى لثورتنا المجيدة.. عاشت مصر حرة وعاش المصريون صانعون لمستقبلهم وحاضرهم.