1٫5 تريليون جنيه حجم الاقتصاد غير الرسمى الدكتور صلاح فهمى: البطالة وفساد المحليات وراء انتشارها عجزت الحكومة على مدار سنوات طويلة مضت عن حل أزمة الأسواق العشوائية التى امتدت داخل التجمعات السكنية وشكلت خطورة كبيرة بعد أن خرجت على سيطرة الدولة، فامتدت كالأورام السرطانية فى كل مكان، ونظراً لافتقادها لأبسط وسائل الأمان، اشتعلت بها الحرائق ما بين الحين والآخر وخلفت خسائر بملايين الجنيهات، وعلى الرغم من عدم وجود حصر دقيق بحجم تلك الأسواق، إلا أن الأرقام تشير إلى أنها تخطت 1200 سوق بلغ حجم التعاملات فيها نحو 1٫5 تريليون جنيه، والمؤسف أن المسئولين أغفلوا أهمية هذا القطاع الحيوى فى وقت يعانى فيه الاقتصاد من أزمات طاحنة، هذا الأمر دعا خبراء الاقتصاد إلى المطالبة بضرورة دمج هذا الكيان فى الاقتصاد الرسمى، الذى يهدر على خزانة الدولة ما يقرب من 50٪ من الضرائب. تعددت الدراسات التى تم إعدادها بشأن الأسواق العشوائية وإيجاد بدائل لها. كشف تقرير صادر عن وزارة التنمية المحلية ومعهد التخطيط القومى، عن انتشار الأسواق العشوائية، وسط التجمعات السكنية بالمناطق العشوائية والشوارع وعلى الأرصفة، وفى المقابر، وحول مواقف السيارات حيث بلغ عدد الأسواق العشوائية نحو 1099 سوقاً عشوائية فى 230 مدينة بمختلف المحافظات، وأكد التقرير أن حجم الأسواق اليومية بلغ نحو 73٪ من إجمالى عدد الأسواق، وتفتقر أغلب الأسواق لخدمات المرافق وأرجع التقرير أسباب انتشار تلك الأسواق إلى عدة أسباب أهمها الفقر والبطالة والأمية، وغياب دور الدولة، والمشكلات العمرانية والتمويلية، ونقص الخدمات الصحية للباعة الجائلين، فضلاً عن غياب القوانين المنظمة لتلك الأسواق العشوائية، كما أشار التقرير إلى أن حجم التعاملات فى الاقتصاد غير الرسمى يتراوح ما بين 1٫2 و1٫5 تريليون جنيه، وأكد التقرير أن الاقتصاد غير الرسمى يهدر 50٪ من الضرائب، فضلاً عن أن تلك الأسواق توفر 73٪ من فرص العمل، ويستحوذ الباعة الجائلين على 40٪ منها، ويضم الاقتصاد غير الرسمى الأسواق العشوائية و18 مليون منشأة بينها 40 ألف مصنع، وكشف التقرير عن أن المهمشين من الطبقة الوسطى والفقيرة هم العاملون فى الأسواق العشوائية، ومنهم الباعة الجائلون، وعمال اليومية والحرفيون والمرأة، وأن تلك الفئات انضمت إلى الأسواق العشوائية بعد فقدانهم عملهم، وأشار التقرير إلى أن محافظة القاهرة تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات فى الأسواق العشوائية، بعدد 134 سوقاً، بنسبة 12٫2 من إجمالى الأسواق العشوائية، تليها محافظة الإسكندرية بنحو 83 سوقاً، وصنف التقرير الأسواق العشوائية إلى أسواق للمواد الغذائية وأسواق حرفية وأسواق تجارية، وجميعها مقامة على أملاك الدولة، واقترح التقرير ضرورة تقنين أوضاع الباعة الجائلين نظراً لأن تلك الأسواق تعد جزءاً رئيسياً من الاقتصاد غير الرسمى، وهى ظاهرة تزداد نتيجة لارتفاع معدلات الباطلة، وإهمال تنمية المحافظات، وتقصير الإدارة المحلية فى أداء مهامها، فى ظل انتشار الفساد، مما أدى لانتشارها بشكل عشوائى، وأوصى بضرورة تأسيس نقابة تدافع عن حقوقهم، وحمايتهم من البلطجة. ومن ناحية أخرى، كشفت دراسة صادرة عن مركز الإدارة المحلية للبحوث والتدريب التى أشرف عليها الدكتور حمدى عرفة، مدير المركز، عن إهمال المحافظين ورؤساء الإدارات المحلية مشاكل الباعة الجائلين والأسواق العشوائية، مؤكدة أن ذلك يأتى نتيجة سوء تعامل الحكومة مع ملف الأسواق العشوائية، وأكدت الدراسة أن ملف الباعة الجائلين يعد اقتصاداً موازياً للدولة، لكنه يحتاج إلى تنظيم حيث يبلغ متوسط مبيعاتهم نحو 300 جنيه للفرد يومياً، بمعدل مليار و500 مليون جنيه شهرياً. كما بلغ عددهم نحو 5 ملايين و400 ألف بائع متجول فى مصر، وأكدت الدراسة أن عدم توفير أسواق للباعة الجائلين يضيع على الدولة سنوياً ما يقدر بنحو 62 مليار جنيه، وطالبت الدراسة جميع المحافظين بضرورة توفير أماكن للباعة الجائلين يضيع على الدولة سنوياً ما يقدر بنحو 62 مليار جنيه، وطالبت الدراسة جميع المحافظين بضرورة توفير أماكن للباعة الجائلين لمزاولة أعمالهم، وتوصيل الكهرباء لتلك المناطق، وتلبية مطالبهم. لجأت الحكومة فى السنوات الماضية للبحث عن حلول جادة لإنهاء أزمة الأسواق العشوائية بعد اشتعال الحرائق بها خلال فصل الصيف ما بين الحين والآخر، فتم إنشاء الأسواق البديلة فى العديد من المناطق لاحتواء هؤلاء الباعة، إلا أن تلك الأسواق لم تكن الحل الأمثل بالنسبة للباعة الذين رفض أغلبهم ترك أماكنهم، والذهاب إلى تلك الأسواق، لابتعادها عن المناطق الحيوية التى كانوا يفترشون فيها بضائعهم. كما تجاهلت الحكومة مشاكل هؤلاء الباعة بعد نقلهم إلى تلك الأسواق التى تكلفت ملايين الجنيهات، فبعد حرائق سوق التونسى المتكررة، لجأت محافظة القاهرة لإنشاء سوق بديل لنقل الباعة إليه وتم إنشائه بمدينة 15 مايو بتكلفة مالية تقدر ب100 مليون جنيه لاستيعاب ما يقرب من 979 محلاً، إلا أنه حتى الآن لم تتخذ الحكومة أى إجراء فعال لنقل هؤلاء الباعة إلى هناك، وحتى أسواق الترجمان وأحمد حلمى يعانى أصحابها من مشاكل عديدة أغفلها المسئولون، خاصة أن الحكومة أنفقت عليها ملايين الجنيهات، وافتقدت تلك الأسواق وسائل الأمان مما يجعلها عرضة لتكرار الحرائق بها، وهذا فضلاً عن ابتعادها عن الأماكن الحيوية، مما جعل هناك صعوبة فى وصول المواطنين إليها، وأضر بهؤلاء الباعة الذين لم يجدوا لشكواهم صدى لدى المسئولين الذين تركوهم يعانون بعد نقلهم، ولم يسعوا لحل مشاكلهم. وانتشرت فى الآونة الأخيرة حرائق الأسواق العشوائية التى باتت تهدد أمن وسلامة المواطنين، خاصة أن أغلب تلك الأسواق مقامة داخل أحياء سكنية وكان آخر تلك الحرائق ما حدث مؤخراً بسوق المنيرة بإمبابة، بعد أن اشتعلت الحرائق فى السوق وأحرقت ما يقرب من 70 باكية مخصصة لبيع الملابس والأحذية والخضراوات، واحتراق ما يقرب من 5 محال و4 شقق، وامتداد النيران لنقطة شرطة المنيرة الشرقية، ولم يكن حريق سوق إمبابة هو الأول ولن يكون الأخير، فقد التهمت النيران عدة أسواق عشوائية فى السنوات الماضية، بعضها أوقع ضحايا، والبعض الآخر مر دون خسائر بالأرواح، إلا أن الخسائر المالية بلغت ملايين الجنيهات، ففى نوفمبر الماضى اندلع حريق بسوق التونسى بعد بضعة أشهر من الحريق الأول الذى حدث في شهر يونيو الماضى، الذى أدى لاحتراق ما يقرب من 43 كشكاً واحتراق مخزن موبيليا وبلغت خسائر هذا الحريق نحو مليون و100 ألف جنيه، وبعدها استمرت الحرائق فى الاشتعال، حيث شهدت منطقة الرويعى بالعتبة أيضاً حريقاً أسفر عن مصرع 3 أشخاص وإصابة 91 شخصاً بالاختناق فضلاً عن احتراق أكثر من 230 محلاً ومخزناً للبضائع. تلك الأسواق العشوائية، أصبحت بمثابة قنابل موقوتة تهدد بالاشتعال فى أى وقت. أكد الدكتور صلاح الدين فهمى، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن البطالة والزيادة السكانية وفساد المحليات أهم أسباب انتشار الأسواق العشوائية فى كل مكان، وهو ما يدق ناقوس الخطر فى وقت نعانى فيه من أزمات اقتصادية، وضعف بالموارد المتاحة، ومن ناحية أخرى نجد أن التعليم يعد عنصر مهم أيضاً، فنحن لدينا ما يقرب من 500 ألف خريج سنوياً بحاجة للانضمام إلى سوق العمل، وعند البحث عن فرص العمل يصطدمون بالواقع الأليم، حيث لا توجد مواءمة بين ما تمت دراسته، وما يحتاجه سوق العمل، ويرى أن هناك الكثير من الشباب هربوا من جحيم البطالة، وانضموا للأسواق العشوائية التى انتشرت فى كل مكان، ويقول: مع الأسف ما زلنا نعانى من فساد المحليات وإغفالها عن الرقابة على هؤلاء الباعة، مما يفتح الباب للإهمال وعدم الانضباط ويزيد الوضع سوءاً، هذا فضلاً عن غياب دور الدفاع المدنى فى محاسبة تلك الأسواق التى بلغ عددها نحو 1200 سوق تقريباً ومراقبتها، خاصة أن هؤلاء الباعة استغلوا غياب الرقابة وقاموا بسرقة الكهرباء من أعمدة الإنارة، هذا فضلاً عن التحكم فى أسعار السلع والخدمات، علماً بأن هؤلاء من شأنهم إدخال مليارات الجنيهات سنوياً، إذا تم تقنين أوضاعهم، وضمهم للاقتصاد الرسمى، خاصة أن السوق الموازية تعبر عن كيان اقتصادى ضخم لا يمكن إغفاله. ومن ناحية أخرى يرى الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، أستاذ الاقتصاد والإدارة بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن تلك الأسواق تعانى من سوء تخطيط، وتمثل قنابل موقوتة، خاصة بعد أن تكررت فيها الحرائق فى الآونة الأخيرة، ويعد الفقر والبطالة أهم أسباب انتشارها، بعد أن عجزت الدولة عن توفير فرص عمل للشباب لذا سعى هؤلاء لخلق فرص عمل لتلبية احتياجاتهم، فانتشروا فى الأماكن العشوائية، وكونوا أسواقاً فى ظل غياب الرقابة، رغم كون هؤلاء الباعة يشكلون اقتصاداً موازياً، يساهم فى تنشيط حركة التجارة، خاصة أن أعدادهم تجاوزت 6 ملايين بائع فى مصر، وطالب الدكتور عبدالمطلب بضرورة تطوير تلك الأسواق أو نقلها إلى أماكن آمنة، وإصدار التراخيص التى تسمح لهم بمزاولة النشاط والاستفادة من الاقتصاد غير الرسمى. يرى الدكتور على عبدالرحمن محافظ الجيزة الأسبق، أن الأسواق العشوائية تعد أحد المظاهر السلبية فى المجتمع، حيث تتسبب فى وقوع أزمات عديدة وكوارث، فهى أسواق غير مؤمنة تم إنشاؤها بدون تخطيط سليم، مما يؤدى لسهولة اشتعال الحرائق بها فى أى وقت، كما تحتوى تلك الأسواق على مواد وسلع وبضائع سريعة الاشتعال، خاصة أن المحلات بها تعتبر متلاصقة، ولا توجد بينهما مسافات كافية لمرور سيارات الإطفاء، أو التعامل السريع مع الحرائق، أما ما يلزم لمكافحة الحريق فهو غير موجود فى تلك الأسواق التى تخلو من وجود شبكة مياه لمواجهة أى حريق، مما يجعل الحرائق تمتد لكافة المكان خلال وقت قليل جداً، وهذا الأمر يشكل خطورة كبيرة على حياة المواطنين. ويؤكد أن انتشار الأسواق العشوائية يرجع لضعف الرقابة، وعدم وجود فرص عمل لدى الشباب هذا فضلاً عن كونها تشوه المظهر الحضارى للمدينة، لذا لابد من إبعادهم عن مناطق الكتل السكانية مع ضرورة إيجاد بدائل آمنة لهم، وعدم إبعادهم عن المناطق الحيوية، حتى يسهل التعامل معهم، والحرص على توفير أسواق بديلة مؤمنة، وتفى بمتطلبات واشتراطات مكافحة الحرائق، فالأسواق المنظمة، التى يتم إنشاؤها بتخطيط سليم، تعد أفضل من العشوائية، وعلى المسئولين حل مشاكل الباعة الجائلين فى الأسواق البديلة، حتى لا يعودوا للشارع مرة أخرى.