شهر رمضان الفضيل .. ينتظره المسلمون كل عام لما يحمله من أجواء دينية وروحانية وأحيانا ينتظره الأشخاص من الديانات الأخرى لما يتميز به الشهر من مظاهر جميلة تعم شوارع المحروسة، ولكن غالبا ما أصبحنا نسمع جمل من قبيل "رمضان مبقاش زي زمان" .." زمان كان فيه بركة" .. "كان ليه بهجة وهلة" ..، ترحما على ايام رمضان منذ سنوات، لماذا أصبحنا نسمع تلك الجمل كثيرا ولماذا أصبحنا نعيشها واي ظروف إقتصادية وإجتماعية أدت لهذا الشعور بالنوستالجيا لأيام رمضان في السنوات السابقة. الكنافة حالة من المبالغة في الأسعار والمكونات إنتابت حلويات رمضان الأساسية مثل الكنافة، بدل أن تصنع ربة المنزل صينية الكنافة البسيطة والتي إذا أحبت أن تزينها رشت بعض المكسرات عليها، فأصبح عليها أن تشتري الكنافة بالقشطة والنوتيلا والريد فيلفيت والمانجو وأحيانا الجمبري لتواكب تطورات العصر الحديث في رمضان... حتى الكنافة لم تعد مثل سابق عهدها. سيل المسلسلات وطول الإعلانات بعد أن كنا نستمع إلى صوت فؤاد المهندس عبر الراديو ثم تتطور الأمر لننتظر فقط فزورة التلفزيون المصري إما للفنانة نيللي أو شيرهان وسمير غانم "فطوطة"، اصبحنا نتوه بين القنوات والمسلسلات وكثرة البرامج وما أستجد عليها خلال فترة الخمس سنوات السابقة بالمقالب السخيفة والمخيفة مع الفنانين والأشخاص العاديين وطول مدة الإعلانات التي تروج غالبا لمنتجات فوق مستوى القدرة الشرائية للمواطن من الطبقة المتوسطة، حيث تجد إعلانات عن الوحدات السكنية الفارهة ويلحقها مباشرة إعلانات للتبرع للمستشفيات الخيرية "ولو بجنيه" ..قمة التناقض!! إرتباك عام كان رمضان زمان يتميز بالبساطة والسعادة والجود مما هو موجود دون أي زيادات أو مبالغة، حيث كانت البيوت المصرية زمان تستعد بالإحتياجات الميسورة والمتوفرة لقضاء حاجات الشهر وكانت البيوت مفتوحة لكل زائر وضيف أو سائل والجيران كانت حقا كما يقال "لبعضيها" بتبادل الأطباق الرمضانية التي إعتاد ناس زمان أن لا يعيدوها لأصحابها إلا مملوءة بالخيرات. أما الأن أصبح رمضان يشهد حالة من "الهلع" و"الأفورة" في جميع أنحاء الحياة أثناء الشهر الكريم، فأصبح التلفزيون يستعد بعشرات المسلسلات والمطاعم تستعد بقائمة هائلة من "منيوهات" الطعام الطويلة المخصصة لرمضان ويغالي التجار في أسعار البضائع وتستعد الشركات بإعلانات عن منتجاتها، تضاهي في نسبة المشاهدات لدى الجمهور المسلسلات التلفزيونية وتهرول ربات البيوت لشراء المستلزمات الشهر بكميات مهولة من المتاجر الكبرى وأصبح من النادر جدا أن يتبادل الجيران أطباق المأكولات، فاصبح رمضان يتميز بأنه حالة طوارىء تستلزم من الجميع الإستعداد لها بدلا من الإستعداد له بأبسط الأشياء. الأمان إختفى من مظاهر رمضان حاليا لعب الأطفال بالفوانيس في الشارع قبل الأذان وإنتظار مدفع رمضان للتعبير عن فرحتهم بالصيام وحلوا وقت الإفطار وفي ظل حالات سرقة الأعضاء وخطف الأطفال والكبار، أصبح الأهل يفضلون بقاءهم بالمنزل بدلا من الخروج إلى الشوارع لمشاركة أصدقائهم في الإحتفال بالشهر الكريم. فانوس رمضان "ابو شمعة ..اصبح صوفينار والأسطورة" لم يكن علم الصناع الحرفيين في العصر الفاطمي أن شكل الفانوس الذي إبتكروه في ذلك العهد سيتحول للراقصة صوفينار والأسطكور "محمد رمضان" !!! في فترة ما من السنوات السابقة، كان إختفى فانوس رمضان البسيط والمصنوع من الحديد والزجاج، وأصبح العثور عليه شيء صعب ونادر، وحل مكانه شخصيات المسلسلات مثل أحمد مكي في مسلسل "الكبير أوي" وأحيانا كان على شكل شخصية ماما نونا، كريمة مختار في مسلسل "يتربى في عزو" ولكن تطور الأمر ليغزو سوق رمضان فوانيس على أشكال كارتونية غريبة على ثقافتنا مثل "باز يطير" و"المينيونز" و"السنافر" و"سبايدر مان" ويلحق بداخله جهاز يصدر صوت قبيح ومشوش لأي أغنية شهيرة من أغاني رمضان التراثية. ليس ذلك وحسب، بل أصبح هناك موضة خاصة للفوانيس تأثرا بالشخصيات التي تلاقي رواجا بين الجمهور، حيث إنتشر في رمضان الماضي شكل فانوس رمضان على هيئة شخصية دسوقي الرفاعي في مسلسل الأسطورة للفنان محمد رمضان، تيمنا بالمسلسل الذي لاقى أعلى نسبة مشاهدات في الوطن العربي رمضان الماضي، وإنتشر أيضا فانوس أطلق عليه التجار "فانوس صوفينار" على أساس الراقصة الشهيرة. غلاء الأسعار وإرتفاع سعر الدولار كانت "العزومات" والزيارات المتبادلة بين الأهل والأقارب أحد أبرز مظاهر رمضان في السنوات السابقة، حيث "لمة العائلة" والتجمع من أجل إفطار رمضان مهما كان بساطته وأنواع الأكل المقدمة على مائدته، أما الأن وبعد أن أصبحت الكنافة بالريد فيلفيت والنوتيلا، أصبح من الصعب تغطية نفقات العزومات الباهظة في ظل غلاء الأسعار بعد تعويم الجنيه، فاصبحت البيوت لا تحتمل إلا تكفية مصروفات اليوم الرمضاني العادي دون أي عزومات. التكنولوجيا ووسائل التواصل الإجتماعي أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي منافس اساسي لممارسة اجواء الروحانيات في رمضان، فأصبحت تجذب فئة كبيرة من الأشخاص الذين يجدون أنفسهم يقضون ساعات طويلة لمتابعتها وأحيانا تلهي البعض عن القيام بالأعمال الدينية مثل قراءة القرأن وصلاة التراويح بل لوحظ في الأعوام الأخيرة، جهار بعض الأشخاص عبر وسائل التواصل الإجتماعي بالإفطار في نهار رمضان والمفاخرة بعدم ممارسة فرض الصيام، مما يضعف عزيمة الإيمان لدى البعض.