فرحة رمضان.. الأضواء.. الزينة الملونة.. الفوانيس المعلقة كلها مظاهر اختفت تماماً في مناطق العشوائيات ليحل مكانها الحزن والصمت والعتمة.. مئات الأسر تعيش هنا حياة الفقر والحاجة في عشش لا آدمية وسط أزقة ضيقة تزاحمهم فيها القاذورات والكلاب الضالة والحشرات.. المشهد لا يختلف.. في الدويقة.. مثلث ماسبيرو رملة بولاق.. منشأة ناصر أسر لا تعرف طعم الياميش.. وتواصل الصيام بصيام.. انه صيام الفقر. «الوفد» بدأت الجولة في الدويقة.. عشرات الأطفال حفاة شبه عراة يصرخون وهم يلعبون وكأنهم يتدربون علي الحرب.. يقذفون علي بعضهم البعض الأحجار وإطارات السيارات التالفة.. حين شاهدونا التفوا حولنا في صخب وهم يمدون أيديهم طلباً للنقود.. اعتقاداً منهم اننا جئنا لنوزع المال وشنط رمضان.. بيوتهم عشش صغيرة من الخشب والصفيح وقد تناثرت فوق مدرجات الجبل في تحد لصعوبة الحياة.. بل في استسلام للحظات الانهيار.. المربع السكني رقم 4 وفقاً لهم يضم بضعة منازل وفرتها الدولة لبعض سكان الدويقة، بينما بقيت العشش الأخري تجاورها في يأس انتظاراً لدورها.. لتستبدلها الدولة ببنايات جديدة.. العشش ليست إلا مأوي للمجرمين ولكل الموبقات الأخري.. فالحياة هنا مفتوحة لا احترام فيها لحرمات ولا حدود تفصل عشة عن أخري أو تحمي الأسرة من عيون المتلصصين الشباب يجلسون في جماعات يلوكون القصص والأحلام عيونهم شاردة وقد اختفت بها أي نظرة أمل للغد.. فيما يتحايل الأطفال علي عدم قدرتهم علي شراء زينة رمضان بصناعة بعض الزينة من أكياس المخلفات. محمد أحمد.. شاب عشريني.. كان يسير بلا هدف بإحدى الحواري.. نستوقفه ليحكي لنا عن احتفالاتهم هنا.. فيقول: كما ترون نعاني من الفقر ولا نملك رفاهية شراء الزينة ولا رفاهية شراء احتياجات رمضان فنصنع الزينة من الأكياس القديمة ونصنع فانوسا من مخلفات البلاستيك ونعلقه علي جدار احدي العشش بمنطقة مرتفعة ليراه الجميع جلباً للفرحة. ونغادره إلي شاب آخر فرج رمضان كان يتخذ من ظل الحائط مأوي ليحميه من الشمس الملتهبة ويؤكد «فرج» ان شهر رمضان في المنطقة مثل باقي أشهر السنة ويتابع «إحنا مش لاقيين نصرف علي نفسنا أسر كتير بتقعد في أوضة واحدة ومش لاقيين شغل والأسعار نار طيب نستعد إزاي لرمضان»، نفسنا نعيش زي باقي البشر في مصر والحكومة توفر لنا شقق تحمينا وتحمي حرماتنا. تكدس البشر زينة وننتقل إلي منشأة ناصر، حيث يستقبلنا صخب وضجيج وكتلة سكانية رهيبة تسير في شوارع المنطقة، الشوارع تأخذ شكل منحدرات ومنحنيات بسبب البناء علي الجبل.. فئات مختلفة من البشر تضمهم المنطقة شباب يعملون لبناء مستقبلهم وآخرون يتخذون النواصي مأوي لهم وبعضهم اتخذ من تجارة المخدرات والتعاطي أسلوباً لحياتهم انهم يعيشون بمنطق «عيش اللحظة».. الأطفال منتشرون في الشوارع كعادتهم لا أحد يشعر بقدوم الشهر الكريم بسبب الحالة الاقتصادية التي يعانون منها السعادة بالنسبة لهم تتلخص في حلمهم بحياة آدمية.. «رمضان زي أي شهر في السنة إحنا عايشين بالعافية بنكفي بيوتنا بكرم ربنا انها الجملة التي تتردد علي لسان سكان منشأة ناصر». في مثلث ماسبيرو يختلف الشكل قليلاً ولا يتغير المضمون عن باقي العشوائيات فهناك أبراج شاهقة ووجوه مميزة تتصدر المشهد بحكم موقع المنطقة بالقرب من كورنيش النيل ومجاورتها لمبني الخارجية والتليفزيون.. سكانها يقطنون في أماكنهم علي أمل أن تساعدهم الحكومة وتعمل علي تطوير مساكنهم بدلاً من طردهم وطرحها للاستثمار، هيمنت كل معاني الشقاء والتعب والاهمال عليهم منذ عشرات السنين منازل مهجورة وآيلة للسقوط وأكوام من القمامة تحيط بالسكان «ممنوع الاحتفال برمضان» شعار اتخذه أهالي منطقة ماسبيرو بسبب سعي الحكومة لنقلهم خارج المنطقة. حمدي عبدالعال أحد سكان المنطقة يبادرنا بقوله «كنا بخيرنا منذ سنوات السنة دي الاكتئاب يسيطر علي نفوس السكان الأمر الذي أجبر الجميع على العزوف عن الاحتفال بشهر رمضان أو الاستعداد له بشراء الزينة والفوانيس، إحنا علي وشك الرحيل هنحتفل ليه إذا كانت الحكومة هتطردنا برا بيوتنا» كلمات لخصت حالة كل من يعيشون في مثلث ماسبيرو. ويؤكد محمود الشريف، صاحب محل منظفات بالمنطقة، ان الاحتفالات اختفت من مثلث ماسبيرو بسبب اجراءات الحكومة التي تسعي لتطبيقها من خلال تعويض الأهالي ب3 آلاف جنيه سعر المتر الواحد وتهجير المواطنين ويقول: «الحكومة عايزة تطلعنا من أرضنا.. إحنا عايزين نرمم المباني الموجودة ونعيش في بيوت أجدادنا». كانت تجلس الفرقصاء وأمامها حلوي وكراتين شيبسي ابتسامتها تحجب الألم والحزن الذي تحاول اخفاءه عن أولادها المهددين بالطرد انها أم وحيد تبلغ من العمر 72 عاماً أم لخمسة أبناء 3 بنات و2 رجال تخشي تشردهم وعدم وجود مسكن يؤويهم في الأيام المقبلة.. وتلخص أم وحيد حال أهالي مثلث ماسبيرو بقولها «هنحتفل بالحزن اللي هنعيشه في الأيام اللي جاية.. إحنا مهددين بالموت في أي وقت هيطردونا»، الحكومة سرقت فرحتنا. حين وصلنا إلي منطقة العشوائيات في «رحلة بولاق» كان التناقض سيد المشهد.. فهناك أبراج النايل سيتي وأحد الفنادق الكبري بالقاهرة وخلفها يقبع أهالي منطقة «رملة بولاق» بكل مشاهد الفقر والاحتياج سكانها يتطلعون في حسرة إلي الثراء الذي يجاورهم دون أن يلمسوه. الشوارع وسكان هذه الشوارع لا يعرفون للبهجة معني ولا للاحتفال طريقاً.. حياة بائسة مع هذا الشهر الكريم فهم لا يملكون قوت يومهم مما أدي لغياب كل مظاهر الاحتفال باستقبال «رمضان» انهم يعتمدون علي أهالي الخير للحصول علي احتياجاتهم ولكن حتي هذه الأشياء البسيطة التي يحصلون عليها لا تعالج أبداً فقرهم.