الزميل المذيع ظل يكثر من قول سبحان مغير الأحوال وهو يتابع الساعة الأولى قبل الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب الجديد، برلمان الثورة، أو، أول برلمان بعد الثورة. المذيع كلما رأى مشهدا لم يره من قبل أيام البرلمانات السابقة في دولة الاستبداد كان يكرر سبحان مغير الأحوال، ويقول :إنها دولة غير الدولة، وبرلمان غير البرلمان. وأنا اقول أيضا سبحان مغير الأحوال لأن هذا المذيع يعمل في قناة رسمية هي "صوت الشعب" التي كانت قناة "النيل دراما 2" ، ذلك أن تليفزيون الدولة الآن غير تليفزيون دولة مبارك بدليل النقل المباشر الحر من داخل البرلمان، وإجراء لقاءات مع أصحاب اللحى من الإخوان والسلفيين والجماعة الاسلامية، وهؤلاء كان تليفزيون دولتهم الممول من جيوبهم وجيوب غيرهم محرم عليهم وحلال لغيرهم من نواب الحزب الوطني فقط ، وربما بعض المعارضين المستأنسين لتزيين خلفية الشاشة . كل شيء يتغير في مصر الآن حتي لوكان على غير الوتيرة الثورية. المهم أن التغيير يحصل. البرلمان الجديد أحد أكبر تلك التغييرات. أشكال ووجوه وأسماء وأفكار جديدة تدخله ، ومعظم من فيه لم يكن يحلم أن يمر بجوار المبنى وليس دخوله، ليس لصعوبة الفوز بثقة الناخبين إنما لأن التزوير كان الحائل الأكبر أمامهم .وتركيبة البرلمان الجديد والتيارات والأحزاب التي نجحت في دخوله كاشفة عن حجم التغيير في مصر بفضل الثورة ودماء الشهداء. هناك تغيير في طريقة الكلام وفي مضمونه، فالنواب يتحدثون بطلاقة وفهم ووعي ومعرفة لدورهم وماذا يريدون حتى لو كانوا من أصحاب الجلاليب والعمائم. قبل ذلك لم يكن يجيد الكلام إلا القليل لأن كثيرا من النواب كانوا دون المستوى وكانوا مجرد حشو أو كمالة عدد فلم يكن مطلوبا منهم سوى ملأ المقاعد في الجلسات البروتوكولية والأساسية وما دونها فهم في البهو الفرعوني أو في الوزارات لقضاء مصالحهم أو في بيوتهم وأعمالهم. إذا كانت الانتخابات النزيهة هي عرس الديمقراطية فإن انعقاد البرلمان المنتخب هو الاحتفال بهذا العرس، وهذه اللحظة التاريخية بثت الاطمئنان على مسار الثورة، وأهدافها، وعلى مصر والمستقبل . أين الآن مبارك الذي وقف في برلمان 2010 يتحدث عن نزاهة وشفافية الانتخابات رغم أنها كانت الأكثر تزويرا وتزييفا ثم يتهكم على المعارضين الذين تم اسقاطهم وشكلوا برلمانا موازيا بقوله " خليهم يتسلوا"؟. إنه في السجن، ومن كان يسجنهم هم في الحرية . وأين أحمد عز ونوابه المزيفين؟. إنهم إما في السجن، أو في بيوتهم يتحسرون، ومن كانوا خارج المجلس يتسلون هم من يجلسون في المقاعد الآن يراقبون ويشرعون . سبحان مغير الأحوال . مصر تتغير بالفعل، مصر لن تعود إلى الخلف، بل ستمضي إلى الأمام، فاليوم أصبح التشريع في أيدي نواب الشعب بدل المجلس العسكري، والسلطة التنفيذية هي في أيدي الحكومة إلا بعض الصلاحيات المحدودة مازالت في أيدي " العسكري "، أي أننا عمليا الآن أمام مجلس عسكري بلا سلطات وصلاحيات كالسابق، وهذا هو بداية انسحابه من المشهد وتسليمه للسلطة. أخيرا .. هناك مشهدان لم يكونا على المستوى المأمول من البرلمان الجديد. الأول: ذلك الذي حصل من بعض النواب بإضافة كلمات عن الشريعة أو الشهداء أو أهداف الثورة على القسم الرسمي مع احترامي لتلك الإضافات. الدكتور محمود السقا رئيس الجلسة حاول ضبط الإيقاع وفرض قراءة النص الرسمي فقط لكن حصلت خروقات ومزايدات لم تكن هذه الجلسة وقتها وكادت تفسدها لأنها جلسة إجرائية لها ضوابط محددة أما الجلسات القادمة فستكون مفتوحة للنقاش في كل شيء ليقول كل نائب ما يريد كما قال السقا. أرى أن ما حدث كان شيئا مؤسفا يشوش على ذلك المشهد التاريخي، وربما يكون بداية لاستقطابات وخلافات وانقسامات وابتعاد بالبرلمان عن مهماته الأساسية وهو التركيز على القضايا الكبرى لخدمة الشعب والوطن. المشهد الثاني: وهو الجدل الذي فجره النائب عصام سلطان ومعه عدد من النواب بشأن إعطاء كل مرشح لرئاسة المجلس عدة دقائق للتعريف بنفسه وما تبع ذلك من جلبة واحتجاجات كادت تصل لحد الاشتباك بالأيدي وهذا لم يكن سلوكا موفقا وهي بداية مقلقة لما يمكن أن تكون عليه الجلسات في هذا المجلس فالمسالة ليست برفع الصوت ولا باستعراض العضلات ولا بالصراخ ولا مرة أخرى بالمزايدات السخيفة من نواب مستجدين ليس لديهم خبرة ، هناك لائحة يجب الالتزام بها.