قضية فساد الإعلام في مصر، مثلها مثل قطاعات كثيرة انحرفت عن أهدافها ومهامها الرئيسية بسبب دخولها اللعبة السياسية.. ولعل ما حدث لقطاع الأمن بعد ثورة 25 يناير يكشف بجلاء حجم الأزمة التي تواجه كثيراً من القطاعات بسبب قيام النظام السابق باستخدامها وقبضه على السلطة حتي الرمق الأخير وكان على رأسها الاعلام. لقد عانى الشعب المصري على مدار عقود طويلة من إعلام القائد الواحد والرأي الواحد والحزب الواحد.. وتحولت وسائل اعلام الدولة من ادوات للتثقيف وزيادة الوعي من خلال المصداقية والموضوعية والنزاهة والشرف في نقل الحدث وتوجيه الرأي العام إلى أدوات للتضليل وتزييف الحقائق والتسطيح لكل المبادرات والتحركات نحو المستقبل، إلى درجة جرف المجتمع نحو مزيد من التخلف والجهل والفوضى، وبات الاعلام يشكل دوراً سلبيا في المجتمع باستثناء القلة القليلة جداً حتى قامت ثورة يناير وشاهدنا منذ أيام مسيرة تنطلق من أمام جامع عمر مكرم تطالب بتطهير الاعلام المصري، باعتباره إحدى الوسائل المهمة في مسيرة الثورة المصرية. الظروف والأحداث التي مرت بها مصر على مدار ما يقرب من عام، ومنذ قيام الثورة كشفت عن كم هائل من الفساد الذي استشرى وتغلغل في شرايين هذا المجتمع، ومن بينها وسائل الاعلام التي احتكرها النظام السابق وسخرها لحسابه كإحدى الوسائل المهمة في توجيه الرأي العام وتسطيح أفكاره.. وهذا ما ظهر بوضوح بعد الثورة.. ففي الوقت الذي خرج فيه غالبية الشعب مؤيدة للثورة ومهللة لها، كانت التحركات على أرض الواقع ومطالب الشرائح التي تؤيد الثورة هي في حد ذاتها عائق للثورة وتهدد باستمرار استكمال أهدافها، دون وعي أو ادراك بأن ما يحدث هو خصم من الثورة، وبما يشير الى أن هناك أزمة حقيقية في ثقافة كثيرين من هذا الجيل، بعكس الأجيال السابقة التي قامت بثورات ناجحة ومنظمة ومستمرة كما حدث في ثورة 19 وفشل الاحتلال والقصر في مواجهتها حتي حققت أهدافها. أزمة الاعلام المصري تعود إلى ستة عقود مضت عندما أممت الدولة وسائل الاعلام واحتكرتها إلى أن ظهرت بعض صحف المعارضة وفتحت الطريق للصحف الخاصة، وجاءت بعدهما الفضائيات في نقلة جديدة لحرية الاعلام.. إلا أنها كانت حرية منقوصة في بعض النواحي بسبب تملك هذه الوسائل لمجموعة رجال أعمال لهم مصالح مشتركة مع النظام الحاكم، وبالتالي كانت هناك محاذير وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها بفعل تعليمات وزير الاعلام وجهاز أمن الدولة فيما يتعلق بقضية تداول الرئاسة ومسألة التوريث.. وكشفت الثورة أيضاً عن حجم الأزمة في الاعلام المصري عندما بدأت المظاهرات ووقفت كثير من وسائل الاعلام الخاصة في المنطقة الرمادية حتى نجت الثورة وفجأة انقلب كل أبواق وحنجورية السلطة والنظام السابق الى ثوار وحنجورية الثورة، الأمر الذي أفقد هذا الاعلام مصداقية، وتلا ذلك سباق محموم بين معظم وسائل الاعلام وصل الى حد الاثارة والتهييج على حساب الثورة من أجل تحقيق أكبر قدر من الربح على شتى المستويات. باختصار.. تطهير الإعلام المصري أصبح مطلباً ملحاً لن يتحقق بتفعيل ميثاق الشرف الصحفي والامانة المهنية فقط.. وإنما يحتاج إلى إنشاء جهاز قومي لتنظيم الإعلام على غرار كل الدول المتقدمة والمتحررة التي تنعم بإعلام حر وملتزم بالمهنية والاخلاق والأمانة والشرف.