حذر اساتذة وخبراء الاعلام من حالة التخبط التي يمر بها الاعلام المصري بعد الثورة. مؤكدين أن الرأي العام يتعرض للتشتت بين ما ينفله الاعلام الخاص الموجه وبين الاعلام الرسمي الموالي للسلطة. محذرين من خطر الانقسام الذي يمكن ان يتعرض له المجتمع. كشفوا عن استغلال بعض وسائل الاعلام للثورة. وتفريغها من مضمونها والتركيز علي الاثارة. مؤكدين ان البحث عن اعلام موضوعي يلبي احتياجات مرحلة التحول الديمقراطي قد يصل الي حد المستحيل خاصة مع دخول اشخاص غير مؤهلين العمل الاعلامي. فاصبح كل من ¢ هب ودب ¢ يطلق علي نفسه محللاً او ناشطاً سياسياً فأصبحوا اما ضيوفا دائمين علي الصحف القنوات أو مقدمي برامج وكتابا في بعض الصحف. ناشدوا اعادة النظر في السياسات الاعلامية والعودة الي المهنية واحترام اخلاقيات المهنة. وان يقوم الاعلام بدوره الحقيقي نحو المجتمع للمساهمة في نهضته. لا تدميره. الدكتور جمال النجار عميد معهد الجزيرة لفنون الاعلام والاتصال يحدد اسباب ازمة الاعلام مشيرا الي ان هذا الاعلام جزء من المجتمع الذي يشهد حالة من الفوضي وانتشار الشائعات وعدم المصداقية. والانفلات الامني والاخلاقي. مما اثر سلبا علي اداء الاعلام باعتباره جزءاً من المجتمع. انفلات أخلاقي قال النجار : الاعلام بعد الثورة لم ينقسم الي مؤيد ومعارض فقط. بل انقسم حسب التيار الذي ينتمي اليه. وهنا تاهت الحقيقة واختفت الموضوعية من وسائل الاعلام. واصبح الناس مشتتين. لا يعرفون اين هي الحقيقة. ومن المخطئ ومن المصيب. وهنا تكون الكارثة. فينقسم المجتمع وتحدث الفوضي. اكد النجار ان هناك الكثير من وسائل الاعلام. ومنها بعض الفضائيات الخاصة التي تستغل الموقف.لتحقيق مكاسب مادية من خلال الاثارة. مؤكدا ان هناك من ينتمي الي مهنة الاعلام خان امانة الكلمة وباع ضميره. مقابل ما يحصل عليه من امول من جهات لها اجنداتها الخاصة. محذرا هذه الفئة التي تلوي عنق الحقيقة. لصالح التيار الذي تنتمي اليه. ضد الصالح العام. وقال النجاربعض وسائل الاعلام استغلت الثورة استغلالا سيئا لتحقيق مصالحها الشخصية. تحت مسمي حرية الاعلام. وهناك من استغل الاعلام لتصفية حساباته مع النظام السابق. ليظهر في دور البطولة رغم انه كان مواليا ومستفيدا من هذا النظام. فتحول الي النفاق للنظام الحالي. مؤكدا ان ما نشهده حاليا فتنة يحتار فيها العقلاء. اضاف النجار قائلا : ان وسائل الاعلام امتلأث بالثرثرة. فكل من استطاع ان يركب جملتين. اصبح يتحدث عبر وسائل الاعلام تحت مسمي متحدث إعلامي او ناشط سياسي. فاحدثوا الفوضي. والانقسام بين الرأي العام. داعيا الاعلاميين الشرفاء ان يوجهوا الرأي العام الوجهة الصحيحة لما فيه مصلحة البلاد. فوضي إعلامية يؤكد الدكتور عدلي رضا استاذ ورئيس قسم الاذاعة والتليفزين بكلية الاعلام جامعة القاهرة. اننا نعيش فوضي اعلامية. خاصة ان هناك الكثير من وسائل الاعلام خاصة القنوات الفضائية. لا تعمل للصالح العام. انما تسعي الي تحقيق مصالحها الذاتية الضيقة. حيث تسعي الي تنفيذ اجندات التيارات السياسية التي تنتمي اليها. منتقداً فتح الباب علي مصراعيه لكل من هب ودب ليتحدث عبر هذه البرامح سواء كان ضيفا او مقدما لبرنامج بها. اضاف رضا ان اغلب هذه القنوات الفضائية افتقدت للحرفية الاعلامية. فهي تلعب دائما علي وتر الاثارة. وتأليب الرأي العام. ولا يهمها علي الاقل تراب الوطن في سبيل اجندتها الخاصة. ودع الدكتور رضا الي انشاء مجلس قومي للفضائيات يتولي امره اشخاص محايدون لا ينتمون الي تيار سياسي مشهود بنزاهتهم من يتولي يهذا المجلس مهمة اصادر التراخيص لهذه القنوات. ويحدد اهدافها وجدواها. كما يراقب مصادر تمويلها. ويعمل علي ضبط الرسالة الاعلامية ومحاسبة كل من يخالف مواثيق الشرف الاعلامي. حول تقييمه لاداء الاعلام الحكومي اكد رضا أنه هو الاخر يتخبط واصبحت لا تحكمه استراتيجية واضحة. فقد ترك الجميع يقدم ما يشاء وانساق حول نفاق الثوار خاصة بعد حالة الهجوم الذي تعرض لها. من هنا حدث تشويه للمضمون الاعلامي. بعد ان ضاعت المهنية الاعلامية مع دخول عدد كبير من غير المتخصصين في العمل الاعلامي. مع تأكيده علي حرية الاعلام وعدم فرض الرقابة علي الاعلام الا انه يري ضرورة وضع ضوابط لوسائل الاعلام ليكون العمل الاعلامي وفق المهنية المجردة. خاصة ان ما نشهده حاليا لا يمت بصلة الي الحرية او الحراك السياسي. انما هو فوضي وثرثرة. أكد رضا أن بعض وسائل الاعلام تشعل الفتنة وتسببت في انقسام الرأي العام. مما يؤدي الي تفكيك المجتمع. وبالتالي انهياره. وهذا ما يسعي اليه كل من يتربص بمصر. خطاب متأرجح ويشير الدكتور محمود خليل استاذ الصحافة بكلية الاعلام جامعة القاهرة. الي ان السلطة في التجربة الاعلامية لها شكلان. هناك سلطة السياسة الحاكمة التي تتمثل حاليا في المجلس العسكري حيث يستفرد بقنوات التليفزيون الرسمي وبمنظومة الصحف القومية. ويحولها الي ابواق للدعاية له ولتبرير سياساته والتأثير في الرأي العام المصري بحيث يتبني مواقف المجلس ويدافع عنها. وهي نفس المعادلة التي كانت تحكم الاعلام ايام مبارك واودت في النهاية الي هلاكه. وهي تعمد ان يكون الاعلام حذاء في قدم السلطة. اضاف : هناك السلطة الثانية. وهي سلطة المال وهي تتجلي في الاعلام الخاص حيث يسيطر علي هذه النوافذ الاعلامية رجال الاعمال. بعضهم من يعمل لحساب السلطة والبعض الاخر يعمل ضدها. ومن هنا نجد الخطاب الاعلامي الخاص متأرجح بين ثنائية الدفاع والهجوم علي السلطة القائمة. لذلك لا حل لتعقيدات المشهد الاعلامي المصري الا بفصل الاعلام عن السلطة. والتأكيد علي استقلالية وسائل الاعلام. وهذا كان من اهم مطالب الثورة. فاذا فعلنا هذا المبدأ فلابد ان نتخلص من الارتباط بين الاعلام الرسمي والسلطة الحاكمة. وأن يكون هناك نوع من الاستقلالية بين الادارة وراس المال والخطاب الاعلامي في الاعلام الخاص. وطالب خليل بالتخلص من ظاهرة ما يسمي الاعلام الحزبي التي اعتبرها علي حد وصفه ¢ الظاهرة المتخلفة ¢ التي يجب ان تنتهي من الاعلام الرسمي. مشيرا إلي انه في اكثر الدول الديمقراطية وحرية في الاعلام لا يوجد اعلام حزبي تملكه وتديره الاحزاب. انما هناك ما يسمي بالاعلام المتحزب التي تتبني افكار احزاب معينة. لكنها ليست مملوكة لهذه الاحزاب. ويجدد تأكيده علي ضرورة استقلال الاعلام عن كل السلطات الضاغطة سواءأكانت حكومية أو احزاباً او رجال اعمال. مشيرا الي ان الفترة التي اعقبت الثورة ظهرت العديد من النوافذ الاعلامية. معتبرا اياها بالظاهرة الارتجاعية التي لا تعبر بالضرورة بتطور المشهد الاعلامي. ما يمكن وصفه بالمنشورات السياسية. ولا تقدم عملا إعلامياً يلبي احتياجات الرأي العام.. بالتالي هذا النوع يعمس حالة من حالات التشويه في الاعلام المصري. رؤية استراتيجية ويؤكد الدكتور عادل صالح استاذ الاتصال السياسي بجامعة سوهاج ان الحديث عن اعلام موضوعي يكون وليد الصدفة في ظل الحالة التي نعيشها خيالاً لا يمكن ان يتحقق علي الاطلاق. مشيرا الي ان البحث عن اعلام موضوعي يلبي مرحلة التجول الديمقراطي الذي نتطلع اليه يحتاج الي اصلاح الإعلام المصري بمختلف اتجاهاته وهذا يتطلب رؤية استراتيجية تقوم علي تحرير الإعلام الحكومي وتحويله إلي هيئات عامة تقوم في تمويلها علي الاشتراكات والإعلانات ويديرها مجلس امناء. وينطبق هذا علي الوسائل المطبوعة والمرئية والمسموعة. أضاف صالح : يجب انشاء مجلس أعلي لمتابعة وتقييم الأداء الإعلامي للتأكد من الالتزام بالموضوعية وعدم الاعتداء علي حياة الافراد الخاصة والالتزام بمواثيق الشرف الاعلامية. مشددا علي اهمية وضع قواعد محددة واضحة وشفافة لانشاء شركات مساهمة لاصدار وسائل الاعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة علي المستويين القومي والمحلي. وطالب صالح بالغاء كل أشكال الإعلام الحزبي حتي تطبق القواعد العامة للاداء الإعلامي علي جميع الوسائل الاعلامية. ولان الإعلام الحزبي هو بطبعه منحاز فوجوده يخل بتطبيق القواعد. مع ضمان متابعة متوازنة لكل الفعاليات السياسية للاحزاب من خلال الوسائل العامة. مصلحة المجتمع يؤكد الدكتور عيسي عبد الباقي أستاذ الصحافة والإعلام بآداب بني سويف أن مصلحة المجتمع تتحقق بقيام وسائل الإعلام بدورها عبرثلاثة أسس رئيسية تتضمن: مهنية جيدة للإعلاميين. وبيئة تشريعية تضمن الحريات الإعلامية يعرف فيها الصحفي حقوقه وواجباته والمباح والمعاقب عليه. ثم الالتزام بأخلاقيات المهنة. وأن أي خلل في واحد أو أكثر من هذه الأسس يشكل انتهاكاً لحق المواطن في المعرفة. ويؤثر علي دورالصحافة كسلطة رابعة في الرقابة كحارس علي المصلحة العامة. فتحقيق العلاقة المتوازنة بين الصحافة ووسائل الاعلام والجمهور. وبين حرية الصحافة ومسئوليتها. وبين حقوق الصحافة والتزاماتها نحو المجتمع هو تحد يفرض نفسه بشدة الآن علي المشهد الصحفي والإعلامي المصري. ربما بشكل أكبر مما فرض نفسه خلال السنوات السابقة. فاختراق الخصوصية والاعتداء علي حقوق المواطنين كما يحدث من بعض وسائل الاعلام المقروءة والمرئية. ومحاولة اذكاء الفتنة الطائفية بين نسيج ابناء الشعب الواحد. يبرهن علي أن الصحافة المصرية والإعلام الفضائي بشكل عام يواجه أزمة مصداقية يصعب من قدرتها علي الصمود والتطور في ظل ثورة المعلومات وتطور وسائل الإعلام الحديثة. في ضوء ذلك فإن الجماعة المهنية تحتاج إلي وقفة مع النفس ومراجعة لكل ما اعتادت عليه من ممارسات مهنية حتي تعيد ربط نفسها بالمجتمع. وتستعيد ثقة الجماهير في ماتقدمه من معلومات وأفكار وآراء ومواد إعلامية بشكل يجعل المواطن يشعر بحاجته إليها. وبأنه يحصل منها علي مالا يمكن أن يحصل عليه من الوسائل الإعلامية الأخري. وبأنه يثق فيها ويصدقها. وبأن الجماعة الصحفية المهنية جماعة لها معاييرها وأخلاقياتها التي تلتزم بها.