عمال مصر يدفعون ثمن الفشل الحكومى 4 ملايين عاملة يطلبن الإنصاف فى المجتمع.. هى النصف الحلو، وفى سوق العمل هى النصف المضطهد، مقهورة، مظلومة، ومع ذلك تقوم بدور ألف رجل وتضحى فى العمل والبيت، عاملة ومسئولة، زوجة وأرملة وأم أيضاً. 4 ملايين سيدة عاملة ينافسن الرجال فى أقسى وأهم الأعمال، ورغم تفوقها فى الكثير من الأحيان إلا أن القوانين العقيمة ما زالت تقف ضدها تعيق انطلاقها وتدفع المجتمع لأن يتعامل معها على أنها «عورة». 8 ساعات تقضيها المرأة العاملة يومياً بين الماكينات وعلى المكاتب، فى المدارس والجامعات والمؤسسات والوزارات، تقوم بأشغال شاقة.. تعانى الكثير ومع ذلك تستمر فى العطاء. ومع أن الرئيس السيسى سبق أن أعلن أن عام 2017 سيكون عام المرأة المصرية إلا أن عيد العمال جاء هذا العام ولم يقدم جديداً للمرأة المصرية العاملة ولم ينصفها أحد ضد قوانين ساوت بينها وبين الرجل فى الواجبات لكن أغفلتها فى الحقوق. هنا جولة مع العاملة المصرية؛ موظفة ونقابية وأم وجدة ومربية أجيال.. نرصد فيها آمال وطموحات المصرية الشقيانة بين شياطين الرجال الذين يتولون معظم المناصب القيادية ويتركون لها الفتات.. هذا حالها فى القطاع الحكومى فما بالك بالقطاع الخاص، حيث تعمل بدون تأمينات ومعرضة فى أى وقت للتشرد والضياع. هانم كامل، ممرضة فى قسم الكلى بأحد المستشفيات الحكومية تقول: إن الممرضة لم تأخذ حقوقها ودائماً مظلومة بشكل كبير سواء من نظرة المجتمع لها أو من داخل مجال العمل، مشيرة إلى أن البعض ينظر إلى الممرضة بصورة سلبية وداخل العمل دائماً ما تكون مضطهدة من البعض، وقالت: من تريد الحصول على تحسين مستوى دراستها وعملها تتعب كثيراً وتذاكر سنوات وتجتهد وبعد ذلك لا يعطون لها حق التسوية أو تغيير الكادر الوظيفى حتى إذا حصلت على الماجستير أو الدكتوراه، يقولون لها أنت ممرضة والعمل محتاج للممرضة، مشيرة إلى أنها أكملت دراستها وحصلت على ليسانس الحقوق وأخريات حصلن على الماجستير وعندما أردن التسوية واجهتهن صعوبات من إدارة المستشفى والمديرية والوزارة علماً بأن القانون كفل لهن هذا الحق، مشيرة إلى أن الواسطة والمحسوبية هى التى تتحكم فى هذا الموضوع. وداخل عربات مترو الأنفاق نجد صورة مختلفة للمرأة العاملة والكادحة والمطحونة الشقيانة والراضية بالمقسوم، فجأة دخلت سيدة من إحدى المحطات تردد «الفطير المشلتت الطازة.. السخن قوى يا أبلوات.. ماحدش عايز فطير»، التفت إليها وجدت وجهها أصفر يتصبب عرقاً وعيون حائرة تجوب أرجاء العربة بحثاً عمن يشترى منها.. اقتربت منها: كم ثمن الفطيرة؟، قالت: 6 جنيه للواحدة لكن عشان أروح بدرى خديها ب5 جنيه.. عايزة كام واحدة؟.. ولكى أتحدث معها وتطمئن اشتريت منها وأخذت تقبل الأموال قائلة «ربنا يسترها معاكى دنيا وآخرة»، وعن اسمها قالت: سيدة.. من الفيوم.. فى رقبتى 5 من الأولاد وزوجى عامل يومية، تمسك بطرف عباءتها وتمسح عرق وجهها وبتنهيدة عميقة «أنا بعجن الفطير وأنزل أبيعه فى الشارع بدل ما أشحت يا ناس». وقالت سيدة أخرى، رفضت ذكر اسمها: نحن فى غُلب ومرار بننزل من صباحية ربنا بحثاً عن لقمة العيش من أجل العيشة الشريفة.. والناس مش سايبانة فى حالنا فاكرين إن الست المطلقة ولا الأرملة اللى بتجرى على لقمة عيشها إنها سهلة مالهاش حاكم. وتنهمر فى البكاء وتستكمل: أنا بجرى على أيتام، توفى والدهم وتركهم، ولدان وبنت, وتمسك بيدى: اسمعينى بقلبك يا بنتى مش بالقلم والورقة. وتضيف: أكثر من عشرين عاماً وأنا أعمل من أجل العيشة الشريفة وعلمت أولادى أحسن تعليم كما كان يريد لهم المرحوم والدهم، وأشارت إلى أن الأبناء الثلاثة فى المرحلة الجامعية والبنت تقدم لها عريس، مدرس ثانوى خطوبتها ستكون فى العيد بعد الامتحانات. وعن مطالب «أم محمد» فى عيد العمال كونها امرأة مكافحة.. تتمنى تغيير نظرة المجتمع للمرأة المطلقة والأرملة خاصة العاملة لأنها تعمل من أجل أن تعيش حياة كريمة بالشرف والعفة. وفى وحشة الليل وجدتها تبكى، جالسة بجوار إحدى محطات مترو الأنفاق، تبيع أكياس مناديل، وبجوارها طفل يمسك بيده كتاباً وكراسة وقلم رصاص، يجد ويجتهد تحت مصباح عمود الإنارة أملاً فى النجاح وتغيير الواقع المرير. اقتربت منهم وجدتها تمسك بمسبحة تستغفر وتستنجد بالله، وكان صوت أذان صلاة العشاء يملأ المكان قائلة: يا رب انت الكبير الرزاق ارزقنا يا كريم.. سبحانك يا رب وبحمدك نعيش.. ألقيت عليها السلام.. ردت وعلى المؤمنين السلام، المناديل بجنيه يا بنتى عايزة واحد ولا أكثر.. أخذت باكيت مناديل رأيت دموع عينيها تملأ وجهها الحزين نوراً وكأنها لؤلؤ منثور يضىء الليل الحزين. سألتها: لماذا تبكين؟ قالت طول اليوم وأنا على هذا الحال ممسكة ب7 جنيهات.. هذا ما تحصلت عليه طوال اليوم، يرضي مين وأنا بجرى على كوم لحم؟ الحاجة «أم أيمن» تعول 6 من الأبناء من بينهم 4 فى مراحل التعليم الابتدائي والإعدادى وبنتان حصلتا على دبلوم وتزوجتا، وحسب ما قالت إن الزوج توفى بالسكتة القلبية بعد معاناة وصراع طويل مع المرض.. وكان يعمل نقاشاً أجيراً لم يكن لديه دخل ثابت ولا معاش.. لكن لسه الدنيا بخير، مشيرة إلى أن بعض جيرانها وأقاربها يساعدونها فى مصاريف المدارس ودروس أولادها لأنهم يعرفون أن بيع المناديل مايأكلش عيش. أخذت بمنديل أمسح دموعها قولى يا رب... قالت: مالناش غيره يا بنى هو الواحد الأحد العالم بحالنا.. هو الرزاق يا ضناية. دلال فرج نائب رئيس النقابة العامة للعاملين بالصحافة والنشر، ترى أن المرأة العاملة فى مصر لم تأخذ بعد كل حقوقها، ومع أن القانون ساوى بينها وبين الرجل فى الواجبات والحقوق إلا أن التطبيق الواقعى يبعد كثيراً عن القانون، والدليل أنها ما زالت محرومة فى مواقع كثيرة من المناصب القيادية، وتؤيدها فى ذلك شيرين جابر الأمين العام لاتحاد المرأة بالجيزة.. وتضيف قائلة: رغم أن القانون يكفل للمرأة العاملة دور الحضانة فى كل المؤسسات الحكومية والعامة لكن للأسف نجد دور الحضانة منعدمة منذ أكثر من 15 عاماً فى القطاعين العام والخاص مشيرة إلى أن عدد ساعات العمل فى القطاع الخاص تكون كبيرة بالنسبة للأم العاملة بسبب عدم توافر دور الحضانة. وتطالب دلال فرج -موظفة- بتغيير جدول الأمراض المهنية المعمول به حالياً نظر لدخول تكنولوجيا حديثة تسبب بعض الأمراض المهنية للعاملين والعاملات غير مدرجة فى جدول الأمراض المهنية. وأضافت: يجب على الدولة أن تعطى الأولوية لبناء دور الحضانة النموذجية فى التجمعات السكنية والمدن الجديدة وأوضحت أن ما تتقاضاه بعض العاملات من مرتبات هزيلة لا يتناسب مع ساعات العمل الطويلة، وأشارت دلال فرج إلى أن أغلب السيدات العاملات فى القطاع الخاص غير مؤمن عليهن ولا توجد لهن حماية اجتماعية أو تأمينية فى حال تعرضهن للإصابة بأى مرض، مطالبة بنظرة أشمل وأوسع للعمالة غير المنتظمة، وشددت على ضرورة تفعيل دور النقابات بشكل أكبر من خلال النزول إلى العشوائيات والمناطق الصناعية عبر التعاون مع الوزارات والجهات المعنية مثل وزارة القوى العاملة والتأمينات الاجتماعية. وقالت فردوس محمد عضو مجلس إدارة النقابة العامة للصناعات الهندسية: إن المرأة لم تأخذ حقها حتى الآن علما بأن الرئيس السيسى أطلق على عام 2017، عام المرأة لكن للأسف نظرة المجتمع «الذكورى» للمرأة ما زالت موجودة ودائماً ما يفضل أصحاب الأعمال الرجل عن المرأة. وطالبت بتطبيق القوانين التى تعطى للمرأة حقوقها فى الامتيازات، بعيداً عن الشعارات البراقة والتطبيق الفعلى على أرض الواقع. ونوهت بأن الحكومة الحالية هى أسوأ حكومة قائلة: حكومة «شريف إسماعيل» بتيجى على الغلبان وتدوس عليه بكل قوتها، وفى جميع الأحوال تدفع المرأة الثمن فى البيت والعمل. وقالت شيرين جابر، الأمين العام لاتحاد نقابات الجيزة إن المشاكل التى تواجه المرأة فى العمل لا تعد ولا تحصى، والرجال دائماً لا يريدون للمرأة أن تكون أعلى منهم منصباً فى العمل، وأنهم دائماً يقللون من قيمتها وقدرها، علماً بأن المرأة تقوم بدورها فى العمل وفى المنزل وفى الأعمال التطوعية والجمعيات والأعمال الخيرية، وأضافت: الشركات الخاصة تفضل الرجل فى العمل لأنهم يرون أن المرأة تأخذ إجازات زواج ووضع ورعاية طفل، وطالبت بضرورة أن تحصل المرأة العاملة على كافة حقوقها خاصة التأمين الصحى الشامل فى القطاعين العام والخاص، مشيرة إلى أن نادراً ما نجد شركة فى القطاع الخاص تعطى للمرأة العاملة التأمين الصحى الشامل، وإذا توفر فى بعض الأماكن نجد أنه يكون للعامل فقط دون أسرته. وطالبت بإلغاء استمارة 6 وإعطاء العاملة كافة حقوقها مع ضرورة تعريفها بكل واجباتها. وطالبت عزيزة عبداللطيف نائب رئيس النقابة العامة للسكة الحديد بإلغاء العقد الموسمى وتعيين من يستحق فى الوظائف وليس بنظام المحسوبية والتوريث ويجب عودة العقد المطلق المفتوح من أجل الاستقرار العائلى. وناشدت المرأة العاملة التى تتعرض فى مجال عملها للتحرش الجنسى ألا تخجل وتبادر بالإبلاغ عما تعرضت له. وتطالب النائبة البرلمانية مايسة عطوة بمزيد من التمكين الحقيقى للمرأة وانخراطها فى العمل النقابى والسياسى والمجتمعى أكثر من ذلك، وأن تعيش فى جو يسوده الأمن والأمان والعمل بموجب قانون الأحوال الشخصية أكثر أماناً واطمئناناً من أجل أطفال أسوياء.