منذ أن بدأت مصر برنامج الخصخصة فى تسعينيات القرن الماضى، ونزيف شركات قطاع الأعمال العام مستمر، فرغم أن هذه الشركات كانت تعانى من مشكلة الخسائر فى سنوات ما قبل الخصخصة، إلا أن النظام الجديد لم يقض على خسائرها بل قضى على عمالها، حيث خرج أكثر من 500 ألف عامل إلى المعاش المبكر، وتم تدمير الاقتصاد المصرى بشكل عمدى لصالح القطاع الخاص، وخسرت مصر صناعات كبرى كانت تضبط ايقاع اقتصادها من ناحية، وتضم عددا كبيرا من العمال من ناحية أخرى، خاصة صناعتى الغزل والنسيج والحديد والصلب، واللتين كانتا عماد الاقتصاد المصرى فى مرحلة الستينيات، ولكن تم تدميرهما عمدا، ورغم علم الجميع بما تعرض له هذان القطاعان إلا أن أحدا لم يفكر فى انقاذهما، وكل ما حدث خلال السنوات الماضية مجرد مسكنات لا تعالج أمراضهما، وكأن الحكومة تفترض موتهما إكلينيكيا ولم يبق سوى إعلان الوفاة الحقيقى. منذ بداية النهضة الصناعية المصرية فى عهد محمد باشا وصناعة الغزل والنسيج والملابس، تعد واحدة من أهم الصناعات الرئيسية التى يعتمد عليها الاقتصاد المصرى، خاصة أنها من الصناعات الكثيفة العمال، التى تستوعب عددا كبيرا من الأيدى العاملة، حيث يعمل بها حوالى 950 ألف عامل يمثلون 30% من حجم القوى العاملة، موزعين على حوالى 4 آلاف مصنع تتنوع ملكيتها ما بين القطاع العام والخاص، إلا أن مشكلة سوء الادارة كانت لشركات القطاع العام بالمرصاد، فأصبحت معظم هذه الشركات تحقق خسائر كبيرة كانت سببا فى اتجاه الدولة إلى خصخصتها، إلا أن المستثمر الأجنبى لم يكن حريصا على الشركات التى تم بيعها، وتعرض العمال فى هذا القطاع لمجزرة المعاش المبكر، ومن بقى منهم ظل يعانى الأمرين، من مشكلات لا حصر لها بسبب توقف معظم المصانع، وتدنى الأجور واستمرار مسلسل الخسائر، رغم تحويل الشركات إلى قطاع الأعمال العام تحت مسمى الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والتى تتبعها 32 شركة، إلا أن احوالها لم تتحسن بل ازدادت الأوضاع سوءا. وأرجعت دراسة لجمعية صناع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى مشاكل صناعة الغزل والنسيج المصرى إلى زمن بعيد حيث كانت الشركات تعتمد على الدولة اعتمادا كليا فى تصريف منتجاتها فى ظل القطاع العام، أو من خلال تصدير السلع النسيجية لدول أوروبا الشرقية، من خلال اتفاقيات التبادل السلعى المتكافئة التى اعتادت مصر توقيعها مع هذه الدول، ثم اتبعت الدولة سياسة الدعم أو البيع بسعر التكلفة، فكان ذلك أبرز وأهم العوامل التى ساعدت على تعثر الصناعة فى ظل عدم وجود سيولة مالية لدى الشركات، بالإضافة إلى الإهمال الشديد فى إحلال وتجديد الآلات والمعدات، بالإضافة إلى عدم وجود إدارة علمية تطبق مبدأ الثواب والعقاب، وتضخم حجم العمالة، كل هذه الأسباب ادت إلى رفع سعر التكلفة وضربت الصناعة الوطنية فى الصميم، وترتب على ذلك تراكم المديونيات على الشركات، واختلال الهيكل التمويلى لشركات صناعة النسيج والملابس الجاهزة الحكومية، والتى لجأت للاقتراض من البنوك لتمويل عمليات الإحلال والتجديد بفائدة وصلت إلى 20٪ فى بعض الفترات، مما أدى فى النهاية إلى انهيار كثير من شركات النسيج المصرية العريقة على رأسها شركتا مصر حلوان للغزل والنسيج التى وصلت خسائرها إلى 200 مليون جنيه، والقاهرة للمنسوجات الحريرية التى تمت تصفيتها نهائيا بالإضافة إلى المشاكل المالية الطاحنة وندرة السيولة التى تعانى منها حاليا مصانع النسيج التابعة للقطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تهالك الآلات والمعدات وعم تطويرها. القطاع الخاص يعانى ولكن مشكلة صناعة الغزل والنسيج لم تتوقف على شركات قطاع الأعمال فقط، بل امتدت أيضا إلى مصانع القطاع الخاص والتى يصل عددها وفقا للإحصاءات إلى حوالى 2600 مصنع، وذلك منذ عام 94 عقب إعلان الحكومة المصرية تحرير تجارة القطن، مما جعل القطن المصرى أعلى سعر موجود فى العالم مع انخفاض إنتاجية فدان القطن المصرى من 13 قنطارا إلى 3٫8 قنطار فقط، فتضاعفت خسائر الشركات. بالإضافة إلى مشكلة التهريب التى كانت سببا فى تكبيد الشركات المصرية خسائر فادحة على مدار الأعوام الماضية، كذلك تعانى صناعة الغزل والنسيج من مشكلات ارتفاع الضرائب التى تدفعها للحكومة. فهناك ضريبة مبيعات بنسبة 18٪ من قيمة الخامات و10٪ على الآلات المستوردة و30٪ رسوما جمركية و32٪ ضريبة أرباح صناعية وضريبة إيراد عام تبدأ من 8٪ وتصل إلى 47٪ وضريبة أجور تبدأ من 2٪ وتصل إلى 22٪ وضريبة دمغة تتراوح بين 6 فى الألف و1 فى المائة والتأمينات الاجتماعية على الأجور 40٪ منها 26٪ لصاحب العمل و14٪ للعامل و8٪ ضريبة عقارية بالإضافة إلى ذلك زادت أسعار الطاقة بنسبة 1100٪ منذ عام 84 وحتى الآن، وبعد تحرير سعر الصرف زادت المشكلات نتيجة لارتفاع أسعار الغزول المستوردة، وعدم توافرها وهو ما أدى إلى توقف العديد من المصانع عن العمل. 4 محاور كل هذه المشكلات كانت سببا فى انهيار واحدة من أكبر الصناعات الوطنية التى كان لها دور بارز فى نمو الاقتصاد المصرى على مر التاريخ، ولذلك يرى المهندس عبد الفتاح ابراهيم رئيس النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج أن هناك 4 محاور رئيسية لإصلاح هذه الصناعة، وهى التوسع فى زراعة القطن متوسط وقصير التيلة حيث إنهما يمثلان 98% من استهلاك المصانع فى مصر، وهذه النوعية من الأقطان تجود زراعتها فى تربة الوجه القبلى، وتعطى انتاجية عالية، مما يشجع الفلاح على زراعتها، كما أن تكلفته ستكون أقل على الصناع الذين سيتسلمونه من الفلاحين مباشرة . أما المحور الثانى فهو إعادة هيكلة الماكينات والآلات الموجودة فى شركات قطاع الأعمال العام، وهو ما قامت به الحكومة مؤخرا حينما أسندت هذا الملف لشركة «وارنر وصحارى» لتقديم دراسة - كان من المقرر الانتهاء منها بنهاية شهر أبريل - لتطوير 25 شركة بتكلفة 6 مليارات جنيه. والمحور الثالث هو رفع الرسوم الجمركية على الواردات من الغزول والأقمشة، ومنع التهريب لحماية المنتج المصرى، مشيرا إلى أن التهريب قل كثيرا عما قبل ولكن لا بد من توفير كافة وسائل الحماية للمنتج المحلى . أخيرا المحور الرابع وهو اعادة هيكلة العمالة الفنية فى شركات قطاع الأعمال العام والتى من المفترض أن تكون 85% للعمالة الفنية و15% للخدمات، إلا أن معظم الشركات تعانى من اختلال هذه النسب لتصل إلى 50% أو 60% للخدمات فى بعض الشركات، وهو ما يؤدى إلى نقص العمالة الفنية التى تدير الآلات، وهو أمر لا بد من معالجته حتى تعود الروح لصناعة الغزل والنسيج. وأوضح رئيس النقابة أن هذه المحاور تم تقديمها عام 2014 لرئيس الوزراء إبراهيم محلب ولوزراء الصناعة والاستثمار والقوى العاملة والتخطيط والأعمال العام والمالية، إلا أن أحدا لم يتحرك لإنقاذها وكأن هناك أشخاصا أصحاب مصلحة فى عدم إنقاذ هذه الصناعة وبقاء الوضع على ما هو عليه.