الدولة ترفض المصالحة.. و«لجنة رد الأفكار» لا تعنى التسوية بين حين وآخر، تُلقى جماعة الإخوان الإرهابية بالونة اختبار، لجس نبض السلطة السياسية والشارع المصرى؛ لعقد مصالحة مع الجماعة والعودة إلى المشهد السياسى مرة أخرى. أعلنت جبهة محمد كمال الإخوانية عن مراجعات فكرية تحت عنوان «تقييمات ما قبل الرؤية.. إطلالة على الماضى» تتضمن أربعة محاور رئيسية، تتمثل فى غياب ترتيب الأولويات فى العمل العام، وأثر ذلك على الثورة، والعلاقة مع الثورة، والعلاقة مع الدولة، والممارسة الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين. هذه ليست المرة الأولى، التى تعلن فيها الإخوان عن رغبتها فى المصالحة مع الدولة، حيث دعت بعض قيادات الإخوان للتصالح مع النظام، كان آخرها لمحمد الحديدى، صهر خيرت الشاطر، الذى دشن مبادرة للتصالح مع النظام، بالإضافة إلى بث محمد ناصر، الإعلامى المتعاطف مع الإخوان حلقة كاملة فى برنامجه عن مصالحة الإخوان مع النظام؛ حتى يتم الإفراج عن أعضاء الجماعة. وتبقى عدة تساؤلات لا تزال عالقة دون إجابات منها: «هل الدولة ترغب فى عقد مصالحة مع الإخوان أسوةً بالمراجعات التى عقدتها فى التسعينيات مع الجماعة الإسلامية؟، وهل سيقبل المصريون بعودة الإخوان مرة للمشهد السياسى والاجتماعي؟ من سيكون المستفيد الدولة أم الجماعة؟ كشف نبيل نعيم، زعيم تنظيم الجهاد السابق، أن الدولة ليس لديها رغبة ولا نية لعقد مصالحة مع الإخوان، لأنها لا تثق بهم ولا بتصرفاتهم، مشيراً إلى أن الإخوان سيكونون المستفيد الوحيد حال حدوث المصالحة، لأن قياداتهم ستخرج من السجون، وسوف يعيدون ترتيب أوراقهم من جديد، كما أنهم سيزدادون قوة. وأشار إلى أن فكرة المراجعات لدى الجماعة نشأت بسبب انشقاق الإخوان داخل السجون، لذلك فكرت جبهة محمد كمال فى المراجعات نكاية فى جبهة محمود عزت، وبسبب امتناع الجماعة عن صرف الإعانات الاجتماعية لأسر المساجين. وأكد أنه لا صحة لما تناولته بعض المواقع الإخبارية بشأن تشكيل لجنة من قبل الدولة للنظر فى مراجعات الإخوان، بل إن ما تم هو تشكيل لجنة للرد على الأفكار التكفيرية الموجودة بالمواقع الإلكترونية؛ لمنع انجذاب الشباب لها، مشيراً إلى أن هذه اللجنة يسعى لتشكيلها اللواء أحمد جمال الدين، والدكتور أسامة الأزهرى، وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب، ومستشار رئيس الجمهورية للشئون الدنية، والدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق وقيادات أخرى من الأزهر والأوقاف. الدولة والإخوان رغم عدم وجود تصريح رسمى يكشف نية الحكومة فى عقد المصالحة من عدمه، فإنَّ هناك العديد من التصرفات تؤكد رغبة الدولة فى احتضان الإخوان مرة أخرى، وعودتهم للمشهد السياسى والاجتماعى، فصنفت وزارة الداخلية فى بيان لها، منذ أيام الجماعة على أساس التقسيم الذى نتج عن النزاع الذى حدث بين جبهتين داخل الجماعة، والذى أفرز جبهة العواجيز برئاسة محمود عزت، القائم بأعمال المرشد، وجبهة الشباب برئاسة محمد كمال، ما يعنى أن الدولة تعترف بوجود جبهتين داخل الجماعة، إحداهما تنتهج العنف، وهو ما يعنى أن الجبهة الأخرى قد يكون مرحباً بها فى أى خطوة فى إطار المصالحة أو التسوية. كما قامت لجنة العفو الرئاسى التى أمر الرئيس عبدالفتاح السيسى بتشكيلها بالإفراج عن 200 شخص بوصف «متعاطف» أى «المتعاطفين مع جماعة الإخوان»، رغم أن لجنة العفو كانت تأبى أن تفرج عن أى شخص تعاطف مع الإخوان فى السابق، وجاءت تصريحات المستشار مجدى العجاتى، وزير الشئون القانونية ومجلس النواب فى إطار تعليقه على قانون العدالة الانتقالية عن إمكانية التصالح مع الإخوان المسلمين فى إطار هذا القانون قائلاً: ممكن نتصالح مع الإخوانى إذا لم تلوث يداه بالدماء لأنه مواطن فى النهاية، ما دام لم ينسب إليه أى فعل إجرامى. وقال ماهر فرغلى، الخبير فى الحركات الإسلامية: «إنه يدور الآن فى أروقة الجماعة حديث متواصل عن مراجعة شاملة أولاً تتبنى فك الارتباط مع الجماعات الإرهابية المسلحة، والإفصاح عن كل المعلومات بخصوصهم، وممارسة العمل السياسى من خلال «حزب» وإعادة هيكلة التنظيم بمكاتبه الإدارية كافة بحيث يصبح جماعة دعوية وخيرية فقط، فضلاً عن فك ارتباط الجماعة فى مصر بالتنظيم الدولى. وتابع: «عملية اندماج الإخوان لازمة ولكننى لا أعلم نية الدولة تجاهها، مشيراً إلى أن استراتيجية الدولة مع أعضاء الإخوان تتمثل فى مراقبة أعضاء المكاتب الإدارية، ومتابعتهم متابعة لصيقة، ثم القبض على المتورطين منهم، فى أى أعمال عنف وشغب وإحالة العناصر القريبة منهم التى تورطت فى تحالفات مع الدواعش إلى القضاء العسكرى أو المدنى لإصدار أحكام بحقهم وعزلهم وتحييدهم وإبعادهم عن الإسلاميين الآخرين المعارضين وعن باقى الشعب». وأوضح أن الجهات الأمنية فى بعض الأحيان تصرف النظر أحياناً عن أعضاء الإخوان من المكاتب الإدارية، وتتركهم يعملون ما داموا لا يمثلون خطراً، أو لا يمارسون عنفاً، كما يتم فى السجون، حيث يصنف المسجونون التابعون للإخوان المسلمين رسمياً إلى محكومين (صدرت بحقهم أحكام قضائية)، وغير محكومين ومتعاطفين (لم تصدر بحقهم أحكام قضائية ولا ينتمون إلى التنظيم، بل يتعاطفون معه). انقسام.. حاد بعد ثورة 30 يونيو شهدت جماعة الإخوان الإرهابية ارتباكاً تنظيمياً نتيجة الصراع المحتدم بين القيادات التاريخية فى الخارج بقيادة إبراهيم منير، الأمين العام للتنظيم الدولى، ومحمود عزت، القائم بأعمال المرشد، واللجنة الإدارية العليا والتى أسسها فى القاهرة القيادى محمد كمال، مسئول إدارة الأزمات بعد ثورة 30 يونيو 2013. واتفقت الجبهتان منذ ديسمبر 2015 على استخدام الموقع نفسه لنشر التصريحات والبيانات الرسمية لهما، وذلك فى أول محاولة لتخفيف حدة الخلافات بين الجناحين، بعد الاجتماع الذى عقد فى إسطنبول بمشاركة أعضاء من التنظيم الدولى، والذى انتهى إلى إبقاء الوضع كما هو عليه، بمعنى أن للجماعة متحدثين رسميين، وقيادتين. وبعد إعلان جبهة محمد كمال عن المراجعات والتى تتضمن خلاصات لدراسات وأبحاث وورش عمل قام بها عدد من المتخصصين فى علوم الاجتماع والسياسة والقانون والشريعة، بمشاركة بعض قيادات وكوادر الإخوان بالداخل والخارج أبدت «جبهة الحرس القديم» داخل جماعة الإخوان المحسوبة على القائم بأعمال المرشد محمود عزت رفضها للتقييمات والمراجعات التى أعلنها تيار الشباب مؤخراً، نافية علاقتها بأى مراجعات فى هذا الإطار. وقال طلعت فهمى، المتحدث باسم الجماعة فى بيان، إن جماعة «الإخوان المسلمون» تؤكد أنه لم يصدر عن أى من مؤسساتها أى أوراق بشأن مراجعات أو تقييم لأحداث. وفى هذا الإطار قال سامح عيد، الخبير فى الحركات الإسلامية، إن الحديث عن أى مراجعات دون إدانة للعنف بشكل واضح وتصحيح موقف الجماعة من مؤسسات الدولة المصرية التى تعاديها ليس لها أى قيمة، مشيراً إلى أن جبهة محمد كمال التى أعلنت عن المراجعات يدها ملطخة بالدم، ولن تتراجع عن نهجها العنيف. وأشار «عيد» إلى أن التنظيم الدولى يضغط على الجماعة لتهدئة الأمور مع مصر، خاصة أن معادتها للدولة والسلطة السياسية خسرها كثيراً، كما تسببت فى توتر علاقتها مع الدول الخارجية. بينما قال منير أديب، الخبير فى الحركات الإسلامية، إن غياب المراجعات أفقد جماعة الإخوان المسلمين قيمة النقد الذاتى، فتاريخ التنظيم يخلو من أى أوراق يمكن أن نفهم منها أنها راجعت سياقات الفكرة التى طرحها المؤسس الأول حسن البنا، إلا بعض الهمسات التى صاغها العقل الجمعى للتنظيم، وأغلبها يرتبط بالممارسة السياسية. وأشار إلى أن المراجعات جاءت على استحياء فيما كتبه المرشد الثانى حسن الهضيبى فى كتابه «دعاة لا قضاة»، حيث خرجت مراجعة المرشد الثانى عندما كان فى السجن أما ما يطلق عليه مراجعة الإخوان الأخيرة فقد ولدت من خارجها ومن المجموعات المنشقة عن الجماعة كنوع من المناكفة مع صقور التنظيم.