«حكمت المحكمة حضوريا على محمد النوبى وحاتم محمود بالسجن المؤبد وعلى رائد محمد بالسجن المشدد خمس عشرة سنة - رفعت الجلسة»، بهذه الكلمات نطق رئيس محكمة جنايات سوهاج ما قضت به هيئة المحكمة على ثلاثة شبان صغار لم يتجاوز أى منهم العقد الثانى من عمره، فمن يكون هؤلاء الثلاثة وما هى جريمتهم؟ محمد «18 سنة» وحاتم «19 سنة» ورائد «17 سنة»، أصدقاء ثلاثة ورابعهم جارهم محمود 15 سنة، من قرية الأحايوة، تلك القرية الفقيرة التى تم استهدافها من طائرات العدو التى ألقت عليها صندوقاً مليئاً بالمتفجرات عام 1969 م راح ضحيته أكثر من سبعين شخصا من أبنائها، وعرفت هذه الواقعة بصندوق الأحايوة، كما أن رقعتها الزراعية صغيرة لا تكفى لاحتياجات السكان مما جعل أبناءها يتجهون للعمل خارج الوطن، بينما ظل من لا يجد عملا داخل قريته ينتظر فرجا قريبا، ولقد كان هؤلاء الأصدقاء الثلاثة من بين الذين يقيمون فى القرية بعد أن تسربوا من التعليم بسبب الجهل والمرض والتخلف فى شتى شئون الحياة. أما محمود جارهم فقد اشترى له والده البسيط مرزوق عربة «توك توك» يعمل عليها فى القرية والقرى المجاورة ليعينه فى الإنفاق على الأسرة، ولقد كان الثلاثة يحسدونه على هذا «التوك توك» الذى يدر عليه ربحا، بينما لا يجدون ثمن الشاى والشيشة على الغرزة التى يجلسون عليها فى مدخل القرية وكل آمالهم الحصول على مبلغ بسيط لشراء «توك توك» مثل محمود، وظل هذا التفكير لا يفارقهم، ولم يقطع تفكيرهم هذا سوى مرور محمود من أمام القهوة فعرض عليهم إبليس وجنوده فكرة سرقة «التوك توك» بحجة توصيلهم إلى قرية مجاورة لقريتهم ليلا نظير مبلغ عشرة جنيهات، ولكنه من أبناء قريتهم وسوف يتعرف عليهم، إذن يقتلونه فى الطريق ويلقونه فى الترعة خاصة أن جسمه نحيل ولن يستطيع الدفاع عن نفسه، ولكن ماذا سيحدث لو تم اكتشاف أمرهم؟ لن يتم ذلك وسوف يتأكدون من خلو الطريق من المارة وسوف يأخذون طريقاً فرعياً لا يمر عليه أحد إلا نهارا، ولم يكن محمود يساوره أدنى شك أنهم قرروا التخلص منه إلى الأبد، لأنه يرتبط معهم بجوار ومصاهرة، وفى الطريق طلبوا منه التوقف وانقض عليه محمد وقام بتوثيقه بينما قام حاتم بخنقه بحبل ولم يتركه إلا جثة هامدة يحملها رائد ويلقيها فى ترعة القرية، واستولوا على الجنيهات المعدودة التى كانت معه وتليفونه المحمول وأخذوا «التوك توك» ولاذوا بالفرار. انتصف الليل ولم يعد محمود إلى منزله، فخرج والده يقطع فى شوارع القرية ذهابا وإيابا يترقب عودته، ولكن هيهات هيهات أن يعود، فظل يبحث عنه فى كل مكان، وخاصة أن تليفونه المحمول أصبح مغلقا، فأسرع إلى اللواء مصطفى مقبل مدير أمن سوهاج يقدم بلاغا بغياب ابنه، فتم تشكيل فريق بحث بإشراف العميدين خالد الشاذلى مدير مباحث سوهاج ومنتصر عبدالنعيم مفتش الأمن العام وتوصلوا إلى مكان «التوك توك» المسروق قبل بيعه، وتمكن العميد ماجد مؤمن رئيس المباحث الجنائية من القبض على الأصدقاء الثلاثة اعترفوا بجريمتهم تفصيليا وبرروها بالفقر وأرشدوا عن مكان الجثة، وقاموا بتمثيل جريمتهم أمام النيابة العامة فأمرت بحبسهم على ذمة التحقيق وأحالهم المستشار أحمد عبدالباقى المحامى العام لنيابات جنوبسوهاج محبوسين إلى محكمة جنايات سوهاج فأصدرت حكمها المتقدم، برئاسة المستشار أحمد عزت وعضوية المستشارين أحمد زكى وأيمن محمود بأمانة سر محمد العادلى ومحمود السيد. دموع قليلة سالت على وجوهم ربما تكون دموع الندم على مستقبلهم الذى ضاع بلا ثمن أو حزنا على محمود الطفل الذى كان يسعى على رزق أشقائه ولكن عيونهم كانت شاردة فى سنوات السجن ال25 «المؤبد» التى سيقضونها وراء القضبان.. لوحوا بأيديهم لأسرهم ولكن بلا مبالاة ولا أمل فى الحياة.