وجوه تعسة تتبسم حزناً.. تجوب عيون الحاضرين بحثاً عن قلب يخفق لأنينهم ويشعر بأوجاعهم، يبعث فى قلوبهم نبض الحياة، هم.. الأطفال الأيتام الذين يحتفى العالم بيومهم هذه الأيام. همست الصغيرة بصوت متقطع «أنت ماما أنا أحبك خالص» ضممتها بين ذراعى وبكيت، وبرقة أصابعها مسحت دموعى، ولكنها لم تستطع مسح دموع قلبى، وأمسكت بيدى «مش تعيطى ماما كنت ألعب معاكى». وفى آخر الشرفة شاهدت زميلة لها كانت خائفة وتجلس بمفردها على أريكة بيدها قلم وورقة، اقتربت أكثر منها فوجدتها ترسم مركباً، سألتها اسمك إيه؟.. فلم ترد.. طيب بترسمى إيه؟.. أجابت مركب كبير وفيه لعب كتير من عند بابا.. علشان ماما قالت بابا مسافر وهيجيب لعب كتير علشانى لوحدى.. قبلت جبينها وقلت لها إن شاء الله يا حبيبتى بابا هيجيب لك كل اللعب اللى بتحبيها، وطبعاً هى تقصد بماما «الأم البديلة الموجودة بالدار». كدت أغادر المكان فاستوقفتنى وسألت: هتيجى الحفلة الكبيرة علشان تلعبى معانا ولا مش هتيجى تانى؟ وعند توديعى لهم وجدت طفلة تمسك بى منهمرة فى البكاء «ماتسيبناش يا ماما علشان خاطرى خدينى معاك» قبلت يديها وهدأت من روعها، وتركتها باكية والحزن يسيطر عليها وعلى كل أخواتها بالمكان. تلك كانت مقتطفات من جولة «الوفد» وهى ترصد حال الأيتام بمصر بأكثر من مؤسسة ودار بعضها يختص بالمعاقين. والغريب أننى وجدت بين الأيتام المقبلين على الزواج شاباً أنهى مرحلة التعليم الجامعى يريد أن يتزوج.. وللأسف وجدت المؤسسة صعوبة شديدة جداً فى زواجه، فلا يوجد أحد يتقبله نظراً لأنه يتيم. واستوقفتنى حالة محمد أشرف الذى كان ضحية لحوادث الطرق فهو «قعيد وكفيف» صدمته سيارة وجلس بمستشفى قصر العينى لفترة كبيرة، ولم يتوصلوا لأحد من أهله ليتسلمه، وهو الآن يبلغ من العمر 18 عاماً، وجاء إلى دار الأيتام منذ أكثر من 3 سنوات. أما محمود رضوان، فيبلغ من العمر 21 عاماً، جاء إلى دار الأيتام منذ عام 2009 أصيب بضعف شديد جداً في البصر جراء حادث سيارة توفى فيه الأب ونجت الأم بأعجوبة ولكنها مرضت، وأصبح محمود يتيم الأبوين قبل أن يتجه إلى الدار التى تتكفل برعايته منذ عام 2009. سحر حسين، مدير مؤسسة التثقيف الفكرى للأيتام المعاقين ذهنياً، قالت: إن اليتيم المعاق يحتاج إلى رعاية خاصة، ونحن نحاول جاهدين أن نوفر له كل جوانب الرعاية والاهتمام، ويساعدنا فى هذا بعض منظمات المجتمع المدنى ووزارة التضامن الاجتماعى ولكن الكفالة كاملة تتحمل أعباءها المؤسسة. وشددت سحر على ضرورة الاهتمام باليتيم المعاق، لأنه يعانى من مشكلة مزدوجة وهى اليتم والإعاقة معاً، لذا لابد من مشاركتهم يوماً بيوم وليس فقط يوماً واحداً فى السنة. وأشارت سحر إلى أن الدار تهتم باليتيم المعاق مدى الحياة، خاصة البنات الأيتام، فأغلبهن يجدن صعوبة شديدة فى الزواج ويبقين تحت رعاية كفالة الدار إلى أن يتوفاهن الله. وأشارت سحر إلى أن لديهم فى الدار يتيماً معاقاً فاقد الأبوين، وآخرين أيتام للأم فقط أو للأب فقط. وبداخل مؤسسة ثروت للأيتام وجدت أطفالاً بمختلف الأعمار، سعداء فرحين بكل من يقبل على زيارتهم ليتبادلوا معهم الحب والحنان والعطف والضحكات، وجدت براءة لم تلوثها الحياة العصرية، وكأنهم فعلاً يعيشون داخل أسرة سوية ترعاهم أم بديلة تسهر دائماً على راحتهم لتشعرهم بحنان الأمومة المفقود. فلكل أم بالدار 4 أطفال أيتام تقدم لهم كافة أنواع الرعاية والاهتمام وتسهر على راحتهم.. وشاهدت الفنان محمد ثروت والملقب هنا ب«بابا ثروت» يعطف على الجميع، مؤكداً ل«الوفد» أن الدار هى الوحيدة التى لا تقبل لأسر بديلة أن تكفل أطفالاً فى منازلهم. متمنياً أن يكون الاحتفال بالأيتام كل يوم وليس كل عام، قائلاً: الاهتمام باليتيم ليس مجرد منحه لعبة أو فستاناً وإنما ينبغى أن يتجاوز ذلك لتوجيهه وصناعة مستقبل أفضل له. وأضاف ثروت: الرعاية حتى المرحلة الإعدادية تأتى بنتيجة جيدة، ولكن بعد ذلك خاصة فى سن المراهقة يكون لغيابها تبعات كثيرة جداً، لذا لابد أن يكون هناك إخصائى نفسى دارس يتواجد مع الأولاد فى كل دار للأيتام. وأشار ثروت إلى أن الدار يوجد بها فئات عمرية بدءاً من سن 3 سنوات حتى 18 عاماً، موضحاً أن القانون ينص على أن تكون رعاية الدار حتى سن ال18، والإنسانية تقول حتى الانتهاء من فترة الدراسة، ونحن بالدار نعمل من منطق الإنسانية. وبيّن ثروت أن المراحل التعليمية التى وصلوا لها أيتام الدار وصلت إلى البكالوريوس والليسانس بمختلف التخصصات، إضافة إلى الدبلومات، مؤكداً الدور الغائب للإعلام فى دغدغة المشاعر والأحاسيس.. مضيفاً أن بالدار مطعماً ومكتبة و"جيم" رياضياً، ولدينا أيضاً مصيف تابع للدار فى رأس البر. وأوضح ثروت أن أبرز المعوقات التى تواجه الشباب اليتيم هى مشكلة الزواج ومشكلة العمل، ولتجاوز هذه المشكلة بشكل مؤقت أقام مزرعة ثروت للأيتام فى سيناء على ترعة السلام. وأضاف: للأسف الولد اليتيم متصور أنه عندما ينتهى من دراسته ويخرج لسوق العمل سيجد عملاً فيصطدم بالواقع المرير، فربما تسهم هذه المزرعة فى حل جزء من مشكلة أيتام الدار، لافتاً إلى أن الدار قامت بتزويج بعد نزلائها وأقامت لهم بيوتاً ووفرت لهم فرص عمل بالمزرعة. وأوضح عبدالرؤوف رمضان، مدير مؤسسة الأحداث الضالين، أن الدار تقبل أيتام الأحداث الضالين الصادر ضدهم أحكام بالإيداع من سن 8 سنوات حتى 18 سنة عند القبول، ووفقاً للائحة الأحداث لا يجلس فى الدار أكثر من سن 12 سنة. وأضاف: لهذا نقوم بإنشاء مؤسسة لكبار السن فى المطرية تحت إشراف القوات المسلحة.. وسوف يتم الانتهاء من بناء المؤسسة فى سبتمبر 2018. مبيناً أنهم يتبعون للمؤسسة القومية لتنمية الأسرة والمجتمع، ويقومون برعاية 600 طفل وصبى معاق ذهنياً. وبحسب الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية الأسبق، فإن رعاية اليتيم هى قمة الإنسانية، ويجب علينا جميعاً أن نعطى اليتيم جميع أشكال الرعاية والحماية سواء معنوية أو مادية.