أقام نائب رئيس أحد الأحزاب السلفية دعوي ضد رجل الأعمال نجيب ساويرس يتهمه بازدراء الأديان بسبب ما نشره ساويرس علي صفحته بالفيس بوك من كاريكاتير اعتبره كثيرون مسيئاً للزي الإسلامي، وقال صاحب الدعوي بعد إحالة الدعوي للمحكمة إننا بدأنا بالفعل تطبيق سيادة القانون وتحقيق العدالة بمعناها الصحيح للكلمة. أنا أتفق مع كثيرين أن ساويرس قد أخطأ بما فعله، وهو نفسه اعترف بأنه لم يكن يقصد الإهانة علي الإطلاق وأن الرسم الكاريكاتيري منشور في كثير من المواقع واعتذر ساويرس عما فعله مرة واثنتين وثلاثا.. وهو بذلك كانت لديه شجاعة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه في وقت نسي الكثيرون أو تناسوا فضيلة الاعتذار والاعتراف بالخطأ. ولست أدري ما الذي جدد تلك القضية من جديد بعد شهور من حدوثها، وبعد أن نسي الجميع، فهل هي محاولة لصب الزيت علي النار من جديد؟.. ودعونا من ذلك.. ولنعد إلي قضية ازدراء الأديان وإثارة الفتنة الطائفية التي اتهم بها صاحب الدعوي ساويرس.. وأتساءل بدوري: بماذا يمكن أن نصنف اتهام غالبية السلفيين للأقباط المسيحيين بالكفر وأنه لا يجوز حتي تهنئتهم في الأعياد.. بماذا نسمي ذلك الأمر سوي أنه ازدراء صحيح وحقيقي للدين المسيحي ونعت أصحابه بالكفر؟.. أليس في ذلك الأمر إثارة للفتنة الطائفية، وأين العدل الذي يبحث عنه صاحب الدعوي في هذا الأمر؟ وقبلها من قالوا إنه لا يجوز انتخاب أي حزب ليبرالي ولا حتي انتخاب الإخوان المسلمين وأن من ينتخب غير الأحزاب السلفية هو خارج عن الدين وسيحاسبه الله يوم القيامة؟ أليست تلك الدعوي فيها ازدراء للأديان ونشر للفتنة الطائفية أيضاً، حتي بين المسلمين والمسلمين؟.. إضافة إلي تهمة التمييز التي يعاقب عليها القانون؟ فلماذا غاب ذلك عن الأحزاب السلفية.. أم أنهم يعتبرون ما قالوه نوعاً من العدل الذي يتحدثون عنه الآن؟ واتساءل: لماذا ساويرس بالذات الذي لا تتوقف حملات الهجوم عليه وتحميل تصريحاته ما لا تحتمل من أجل اصطياد أي خطأ له؟ قد يكون ذلك مفهوماً.. وإن كان ليس مقبولاً.. في لعبة السياسة من أجل كسب أصوات انتخابية وإسقاط قائمته وحزبه في الانتخابات.. ولكن ها هي الانتخابات قد انتهت باكتساح ساحق للإسلاميين فلماذا تجدد الاتهام في هذا الوقت بالذات؟ وقبلها نشرت إحدي الجرائد المستقلة اتهاماً لساويرس بالتجسس بتمرير مكالمات دولية لإسرائيل في حين أن المحكمة لم توجه له أي اتهام؟ ومرة أخري شنت بعض الصحف حملة ضد ساويرس واتهمته باستعداء الغرب علي مصر في تصريحاته لجريدة كندية، وقاموا بتحريف كلماته وإخراجها من سياقها علي طريقة لا تقربوا الصلاة! وقبل ذلك ومن بعده اتهم البعض ساويرس بأنه حصل علي رخصة شركة موبينيل بالتلاعب في حين أنه لم يثبت ذلك من خلال أي نوع من التحقيقات فهل هي حملة مدبرة من أجل تشويه ساويرس وإدانته أمام الرأي العام بأي شكل من الأشكال، أم هي محاولة لتحطيم رجل أعمال مصري قبطي.. لمجرد أنه قبطي؟ وهل هو اتجاه قادم بدأ بساويرس وسينتهي بآخرين لتحطيم أي رجل أعمال قبطي في محاولة لأسلمة المجتمع حيث لا مكان فيه لأي رجل أعمال قبطي في حجم ساويرس. واتساءل: هل في هذا الأمر مصلحة لهذا الوطن؟.. الذي يفخر بأبنائه من مسلمين ومسيحيين دون تمييز؟ ولست أكتب مقالي هذا دفاعاً عن ساويرس وأقسم بالله إنني لم أقابله في حياتي ولست أعرفه بشكل شخصي.. وإنما دفاعي هذا هو دفاع عن تماسك هذا الوطن ودفاع عن أحد أبنائه الذي أحب هذا الوطن وكشفت مواقفه الكثيرة عن هذا الحب والانتماء. فساويرس معروف عنه عدم تعصبه وشركاته يعمل بها عشرات الآلاف من المسلمين، وهو صاحب أكثر من مؤسسة خيرية تقدم العلاج والمساعدات المالية لكل أبناء هذا الوطن دون تمييز، وهو أيضاً صاحب مؤسسة ثقافية تقيم المسابقات الفنية وتمنح الجوائز للمبدعين دون تمييز، بالإضافة إلي استثماراته التي تتعدي المليارات لتعود بالنفع علي الاقتصاد المصري. ولم يثبت أبداً أن ساويرس كان ممن سرقوا المليارات من البنوك ولا من نهبوا الأراضي، ولم يوجه له أي اتهام في هذا الأمر، في حين أن غيره عشرات من رجال الأعمال ممن سرقوا ونهبوا وتم التحفظ علي أموالهم وإيداع أصاحبها سجن طرة. فهل المقصود بتلك الاتهامات أن يكفر ساويرس بهذا الوطن وأن يرحل عنه وإذا ما فعلها ساويرس - ولست أظن أنه سيفعلها - فهل نكون قد كسبنا أم خسرنا برحيل ساويرس بأصول أمواله وشركاته ليخسر هذا الوطن رجل أعمال وطنياً ناجحاً؟.. في الوقت الذي نسعي فيه لجلب الاستثمارات من الخارج، ويضع فيه صندوق النقد الدولي وصناديق الاستثمار العالمية شروطاً قاسية من أجل منحنا هذه القروض. ألا يمثل ما يحدث لساويرس إرهاباً لرأس المال الوطني لآلاف المهاجرين المصريين في الخارج ممن يرغبون في استثمار أموالهم في مصر؟ ألا يمثل ما يجري مع ساويرس إعلاناً صريحاً لرؤوس الأموال القبطية في مصر أن الدور قادم عليهم فيدفع الكثيرين منهم للهجرة ونقل أموالهم خارج الوطن؟.. فهل هذا ما قامت الثورة لأجله؟ اتساءل: من المستفيد في تلك اللحظة لو تم هذا الأمر كما يرغبون؟.. إننا بحاجة إلي وقفة مع النفس، وقفة مع الضمير، وقفة مع العدالة الحقيقية ومراجعة النفس في كل ما يجري.. بعيداً عن أي تعصب ديني أو تمييز.. فمصلحة مصر أبقي وأهم، ومصر كانت وستظل وطناً لكل المصريين ولن تكون أبداً وطناً لفصيل واحد ولا لدين واحد.. فمعجزة مصر التي وضعها الله فيها، إنها كانت أرضاً للسلام وللأديان كلها، ومن يريد التفرقة فهو الذي لم يعد له مكان في هذا الوطن.. الذي يحرسه الله ويحميه من كل سوء. -------- مجدي صابر