غاب القانون فى الشارع.. وانتشرت البلطجة.. وانفلت النظام المرورى.. وأصبحت الفوضى سمة محافظات مصر.. فسائقو الميكروباص لا يزالون يرتعون ويعبثون فى الحارات والطرقات، رافعين شعار «أنا والفوضى»، يرتكبون آلاف المخالفات ليلاً ونهاراً، فوضى وانفلات واستغلال وزحام وتلاعب بالأرواح.. وفوضى التوك توك تتحدى القانون.. والابتزاز من سائقى التاكسيات والعبث بالعداد.. ومافيا الكارتة حولت الشوارع إلى «جراجات مفتوحة» يحكمها البلطجية، والجميع يعتبر المواطن «مقاولة»، إلى أن أصبحت الفوضى ظاهرة عامة فى كل المحافظات، وقانون المرور فى إجازة، والأجهزة الرقابية «تتفرج» على تلك التجاوزات المستمرة، ومن ثم زادت الفوضى على الأرصفة وفى الطرقات، وانتشار جميع أنواع المخالفات فى الشارع المصرى.. بل إنها تتم بحماية القانون وعلم المسئولين! «الوفد» رصدت بالكلمة والصورة حالة الإهمال والفوضى المنتشرة فى شوارع وأحياء القاهرةوالجيزة. ويحكى عزت طنطاوى، الرجل السبعينى، «مهندس»، أب ل4 أبناء، ومقيم فى منطقة فيصل – عن جشع أصحاب «السوزوكى» التى سببت زيادة تعريفة الركوب.. على حد قوله: «الميكروباص يسع ل7 ركاب، ولكن غالبية السائقين يستغلون احتياج الركاب لتلك الوسيلة العشوائية، ويفرضون عليهم أجرة مرتفعة، تصل إلى 2.50 جنيه، أو تقسيم مسافات خط السير، ولم نجد مسئولاً نشتكى إليه، حتى إننا عندما نعترض على هذا الابتزاز من قبل السائقين.. يقولون لنا: «إذا كان عاجبكم.. وأحنا هنعمل أيه»؟!.. ورغم أن معظم الركاب من كبار السن والسيدات، فإنهم يعبثون فى الطرقات سباقات وعدم مبالاة، ومع الأسف غابت الجهات المسئولة عن رقابة حركة المرور فى الشارع». أحمد شوقى، 25 عاماً، موظف، قابلناه فى منطقة فيصل، يقول: نحن نتخوف من وسائل التنقل العشوائية، على رأسها الميكروباصات، رغم أنها الأسرع.. لكن أخطارها كبيرة فهى «غير آمنة».. فأنا أركب يومياً من موقف فيصل الميكروباصات المتجهة إلى الدقى، لكنه يُحمِّل من فيصل إلى الجامعة أجرة، ويُحمِّل مرة أحرى من الجامعة للدقى بأجرة ثانية، فى حالة استغلال شديدة لظروف الركاب.. كما أن غالبية سائقى الميكروباصات مسجلون خطر، وكثيراً ما نشاهدهم يتعاطون المخدرات علناً أثناء القيادة، ويعملون بلا رخصة قيادة.. ولا يضعون حزام الأمان أثناء قيادة المركبة، بالإضافة إلى أن معظم مركبات الأجرة لوحاتها المعدنية «وهمية»، خاصة فى المناطق الشعبية البعيدة عن أعين الرقابة المرورية والمحرومة من المواصلات الحكومية. ويقول أحمد محمود، «طالب»، فى الجامعة العمالية، قابلناه فى ميدان الجيزة، أدفع الأجرة 4 مرات من مسكنى فى الجيزة، حتى أصل إلى جامعتى بشارع الطرابيشى فى الدراسة، حيث تصل الأجرة إلى 15 جنيهاً، وهى فى الأصل 7 جنيهات، والحكومة لم ترحم فقراء مصر ممن يصطفون على أرصفة المواقف فى انتظار أى سيارة أجرة، ويقعون فريسة السائقين الذين يسيرون على مزاجهم ويقسِّمون الطريق على أكثر من مكان لزيادة الأجرة، دون حسيب أو رقيب عليهم، وما نحتاجه من الدولة هو توفير وسائل مواصلات النقل الجماعى الآدمية، التى تسمح بوجود أماكن للجلوس لكل الأفراد المتواجدين داخلها، وذلك فى الميادين العامة، حتى لا نضطر للركوب فى ميكروباصات «خردة».. كراسيها مكسرة.. وعمرها الافتراضى انتهى من زمن طويل. وتحدثت فاطمة مرسى، 43 عاماً، موظفة، عن معاناتها وعلامات الفقر والإعياء والأسى تكسو وجهها، قائلة: «نضطر للركوب يومياً فى ميكروباصات لا تصلح للاستخدام الآدمى، حتى لا نتأخر عن موعد عملنا.. فأنا يومياً أركب من موقف بولاق الدكرور الميكروباصات المتجهة إلى المنيب، لكنه يُقسِّم المسافة من بولاق إلى الجيزة، ومنها إلى المنيب، استغلالاً وابتزازاً للركاب، كما أن معظم المركبات العشوائية تعمل دون لوحات معدنية، والأجهزة الرقابية فى غيبوبة. وفى المقابل نفى السائقون الاتهامات الموجهة إليهم، ويقول محمد زكريا، «سائق ميكروباص»: «الجميع يعتقد أننا بلطجية وبلا رحمة، لكنهم نسوا عصابات «الكارتة» الذين يفرضون الإتاوات، حيث يقومون بتحصيل 5 جنيهات عن كل دور، ويجبروننا على دفعها لكى نحمل الركاب بعيداً عن المشاجرات والمضايقات، ولدينا مسئولية الإنفاق على أسرنا، بخلاف أقساط السيارة التى تصل إلى 1250 جنيهاً شهرياً.. هنعمل أيه؟! ويقول محمود محسن، «سائق»، نخشى العصابات الإجرامية الذين يفرضون سطوتهم على جميع السائقين بالترويع والتخويف وباستخدام الأسلحة البيضاء من المطاوى والسنج، بالإضافة إلى الشوم، والكثير منا يواجه مصيره السيئ عند الامتناع عن سداد المعلوم «الإجبارى»، كما أن هناك مشكلة أخرى وتتمثل فى أمناء الشرطة الذين يعوقون عملنا، ويرغموننا أيضاً على دفع ما فى جيوبنا، ولا يقل عن 50 جنيهاً، فى بداية تحميل الركاب فى الصباح، إما أن ندفع أو يسحبوا منا الرخص». فى ميدان الدقى، الذى يعتبر أحد أهم وأرقى أحياء الجيزة، وجدناه يزدحم بالعديد من الميكروباصات (السيرفيس) وسيارات الأجرة وجميعها يقف بطريقة عشوائية فى منتصف نهر الشارع لتحميل الركاب، ما يتسبب فى أزمات مرورية يومية ويعرقل حركة السير فى الشوارع، فمن ناحية الميكروباصات المتجهة إلى الطوابق وفيصل، أو المتجهة إلى كوبرى الجامعة والهرم، حيث لاحظنا عشوائية شديدة أثناء الوقوف، إضافة إلى تكدس الركاب، ما يعرض المواطنين للموت، وإثارة الفوضى والبلطجة، ناهيك عن السباب والألفاظ الخارجة لسائقى الميكروباص، ومشاجراتهم التى لا تتوقف مع الركاب، ومضاعفة الأجرة، وتغيير المسار فى الشوارع الجانبية، والتلاعب بالأرواح.. لا يحترمون مسناً أو صغيراً.. رجلاً أو سيدة. ولا يختلف المشهد الفوضوى عما شاهدناه بميدان الجيزة، السيارات المتجهة إلى مشعل الهرم وفيصل، أو المتجهة إلى أكتوبر وبولاق والفيوم، من إثارة الفوضى والبلطجة وعدم احترام القانون واللامبالاة ووقوف الميكروباصات فى منتصف الشارع لتحميل الركاب، كما لاحظنا غياب رجال المرور، ومن ثم احتل الميكروباص الشوارع وأرصفة المشاة. وتكررت نفس الصورة السيئة عندما توجهنا إلى نفق الهرم، وشاهدنا الميكروباصات التى تشبه علبة السردين المغلقة من تكدس المواطنين داخلها، والتى تعمها الفوضى والعشوائية والوقوف صفاً ثانياً وثالثاً لتحميل الركاب، وإن كان عدد الميكروباصات لا يكفى عشرات الركاب، الذين يقفون فى طوابير يتزاحمون على أبوابها، ويتفاوض غالبية سائقى التاكسيات مع الركاب على الأجرة المضاعفة دون رقابة، وهناك آخرون يعبثون بالعداد، فى ظل غياب رجال المرور عن دورهم فى ضبط حركة المرور فى الشوارع والميادين. وكذلك الحال فى شارع وزارة الزراعة، لاحظنا الميكروباصات المتجهة إلى مناطق بولاق والجيزة، وترك الشارع «سداح مداح» دون أمن أو رقابة. وفى ميدان رمسيس لاحظنا تجسيداً واضحاً يعبر عن الصورة السيئة للميكروباصات، التى ترتكب آلاف المخالفات يومياً، خاصة المتجهة إلى إمبابة وميدان عبدالمنعم رياض أو المتجهة إلى مناطق العباسية ومواقف العاشر ومدينة نصر، أو الأزهر والعتبة وباب الشعرية ومنشأة ناصر.. فالسائقون يعبثون فى الطرق بلطجة وفوضى واستغلالاً، وفى مقابل ذلك تتوقف حركة المرور هناك. وفى منطقة الدراسة، تظهر عشوائية الميكروباصات المتجهة إلى منشية ناصر.. والتى احتلت الشوارع وأرصفة المشاة. يقوده شباب وأطفال وخط سيره عكس الاتجاه.. «التوك توك».. كوارث بالجملة «التوك توك» مثال صارخ يدل على مدى الانفلات المرورى، فهو وسيلة نقل غير مشروعة لا تخضع لقانون المرور، ولا يمكن محاسبتها.. يقودها شباب وأطفال ذوو ال9 سنوات.. ويعملون تحت سمع وبصر رجال المرور، ويجوبون شوارع القاهرةوالجيزة فى كل وقت ليلاً ونهاراً، وينحرفون يميناً ويساراً فى نهر الطريق أشبه ب«الأكروبات»، ويسيرون عكس الاتجاه فى محاولة للهروب من الزحام المرورى، فى أحياء عديدة ومنها فيصل والعمرانية، دون مراعاة العواقب، ما ينتج عنه تكدس واختناق مستمر، فتحولت الكبارى والطرق الرئيسية والفرعية كشبكة عنكبوتية ليس لها مخرج. كما شاهدنا سيارات «نصف نقل» تسير دون لوحات.. يتزاحم داخلها الركاب سواء بالوقوف المؤلم، لحين أن يأتى موعد النزول بالجلوس على رفين خشبيين بطول المركبة، لكنها فى الحالتين وسيلة غير آدمية، تقوم بالتجول داخل شوارع الدويقة فى غيبة الرقابة والقانون. «عاوزين نشتغل.. ونعلم أولادنا وإخوتنا كويس.. ولا ضباط بلطجية.. ولا إتاوات ولا فساد».. بتلك العبارة انطلقت شرارة غضب عارمة، قالها محمد الصعيدى، «سائق»، البالغ من العمر 18 عاماً، والذى يقطن منطقة فيصل، ويعمل فى هذه المهنة للحصول على ما يكفى ثمن العيش الحاف لسد رمق أفواه خمسة إخوات ووالدته ووالده. وأضاف: فاض بنا الكيل وطفح من الوعود البراقة للمسئولين بتوفير فرصة عمل، فهم ينادون بالإصلاح ولا يفعلون شيئاً، ولا يوجد لدىَّ مصدر دخل آخر، بل علينا تحمل أعباء إضافية مثل إيجار السكن وفواتير الكهرباء والمياه، وسداد أقساط المركبة التى تصل إلى 1250 جنيهاً من إجمالى ثمنها 44 ألف جنيه.. بخلاف الإتاوات الذى يفرضها أمناء الشرطة علينا، وكل تفكيرى ينحصر حول كيفية توفير «لقمة العيش» لكى يمكننى الإنفاق على تلك الأعباء الإضافية، والدولة لم تهتم بمعاناتنا، بل تحاربنا فى مصدر أرزاقنا، ويقولون لنا: «هنعملكوا إية؟»، فلماذا نحلم بحياة كريمة.. والواقع آليم؟!، لكننا نقبل ونستسلم لهذه الأوضاع المعيشية السيئة، «فما باليد حيلة». ميادين مصر.. فى قبضة البلطجية فوضى.. بلطجة.. استغلال.. عدم احترام القانون.. كلها مفردات لما يجرى داخل عالم الكارتة، الذى تحول إلى مافيا أعلنت استقلالها، وفرضت سطوتها على الشارع المصرى.. فالحال أكثر سوءاً.. عصابات الكارتة تقوم بتحصيل إتاوات يومياً من 5 – 7 جنيهات من كل سيارة، حسب المنطقة، حتى أصبحت الشوارع والميادين تحت احتلال هؤلاء المستغلين، الذين حولوا العقارات الموجودة فى أحياء القاهرةوالجيزة، إلى «جراجات» تعمل بشكل غير قانونى، واختفت الأرصفة تماماً، وزادت الفوضى والبلطجة والزحام المرورى بوقوف السيارات صفاً ثانياً وثالثاً للانتظار لفترة طويلة، ورجال المرور «غائبون»، بل وأضافوا شرعية للبلطجية بعدما تركوا لهم الحبل على الغارب. فى شارع الموسكى، استغلت فئة حرمة الطريق العام، وحولت العقارات الموجودة فى الشارع، إلى أماكن مفتوحة للانتظار العشوائى، حيث يحصلون على إتاوات تحسب الساعة ب5 جنيهات من كل سيارة، وألغى السير على الرصيف تماماً، ولكم أن تتخيلوا ذلك من الفوضى والبلطجة والألفاظ البذيئة، فى ظل غيابة الرقابة والقانون. كما تحول ميدان العتبة التابع لحى الموسكى، إلى جراج مؤقت للسيارات الفارهة، وهو ما يجسد صورة الفوضى والزحام المرورى بوقوف السيارات صفاً ثانياً وثالثاً للانتظار لفترة طويلة بطول الشارع، ناهيك عن الشتائم وعدم احترام القانون. وكذلك انتشرت جميع أنواع التجاوزات أسفل كوبرى «غمرة» التابع لحى الوايلى، بسبب المواقف العشوائية التى احتلت حرمة الطريق العام، وشكلت ازدحاماً كبيراً، وتعطيل حركة السير فى الشارع، وعرقلة التحرك الآمن للمواطنين. لواء كامل ياسين : مطلوب رفع كفاءة العنصر البشرى ووسائل النقل وإدارات المرور يرى اللواء كامل ياسين، مساعد وزير الداخلية لقوات الأمن، مدير الإدارة العامة لمرور الجيزة سابقًا، أن المشكلة ناتجة عن المركبات العشوائية التى باتت تشكل خطورة فى الشوارع والميادين العامة، من عشوائية شديدة أثناء الوقوف، إضافة إلى تكدس الركاب، والسير دون لوحات، والسير عكس الاتجاه، وتقسيم خطوط السير إلى ثلاث أو أربع محطات، وتغيير المسار فى الشوارع الجانبية، ومضاعفة تعريفة الركوب، فضلاً عن إثارة الفوضى والبلطجة والتلاعب بالأرواح، والوقوف فى منتصف نهر الشارع لتحميل الركاب، ما يعرض المواطنين للموت، وبالتالى أصبحت بحاجة إلى إعادة تنظيم. وطالب– مساعد وزير الداخلية لقوات الأمن– بضرورة تطبيق قانون المرور بحزم وحسم على كل مستخدمى الطريق، لأن تلك المركبات العشوائية غير المخططة تزيد من الاختناقات المرورية، مطالباً بضرورة قيام شرطة المرور بإجراءات جدية لحل هذه المشكلة، وأهمها تنظيم جميع منظومة خدمات ومسارات النقل الجماعى، وإعادة تخصيص «التكاتك»، وتحديد خطوط السير، وأماكن توقفها، على أن تكون تحت أعين الدولة، وتتاح فى جميع الأوقات بالتشغيل الملائم، طبقاً لخطط حركة مرورية، مع حث أفراد الجمهور على الالتزام بالسلوكيات الصحيحة، وإجراء الكشف الطبى والنفسى على السائقين، والفحص الدورى للمركبات خاصة القديمة، لتكون بحالة جيدة وصديقة للبيئة، وتوفير الجراجات، حتى يتمكن مرتادو هذه المواقف الرسمية من ركن سيارتهم، وتغطى شتى محافظات مصر، بما يسمح بتحقيق الانضباط المرورى، والانتقال الآمن للمواطنين، ومواجهة الزحام والشغب.