هناك فئات ما زالت ترفض فكرة المواطنة ولو تظاهرت بالعكس تفجير الكنيسة فى نهاية الفيلم إشارة لتفجير «القديسين» الإرهاب تحول إلى سياج من الدم والنار يحيط ببلادنا.. والتنبيه بالإشارات لم يعد مجدياً مع توحش الظاهرة لا أعتبر الفيلم تغيير جلد.. والاختلاف فى الأسلوب يتناسب مع ما طرحه «مولانا» من أفكار يتصدر فيلم «مولانا»، للمخرج مجدى أحمد على، الموسم السينمائى الحالى على مستوى الإيرادات، وأيضاً على المستوى الإعلامى والنقدى، مع ما سببه من جدل منذ بدء عرضه تجارياً، حول مضمونه والأفكار التى يطرحها، وهو الجدل الذى ألقى حجراً فى بركة ماء راكدة، ليكشف عن جوف من الأزمات التى تهدد الهوية المصرية، ويسهم فى إثارة نقاش هادئ فى بعض الأحيان، ومحتدم فى أحيان أخرى، حول ماهية الإرهاب وجذوره الضاربة فى عمق المجتمع المصرى، ودور السياسة فى لعبة الدين، وأوجاع الفتنة الطائفية التى تملكت من جسد الوطن، وكلها قضايا رأينا أن نناقشها مع مخرج وكاتب سيناريو «مولانا» فى هذا الحوار. تعتبر تجربة «مولانا» الأكثر اختلافاً بين أفلام مجدى أحمد على من حيث الشكل والمضمون.. فهل يمكن أن نعتبر ذلك محاولة لتغيير جلدك كمخرج؟ - فى الواقع أن كل من شاهد أفلامى سيرى أننى كنت مهموماً بقضية التطرف الدينى منذ فيلمى الأول، وكل فيلم قدمته لم يكن يخلو من شخصية أو أكثر تتماس مع هذه القضية، ولكن فى تجربة «مولانا» الأمر مختلف، لأن إحساسى بتفاقم الظاهرة التى توحشت فى مختلف بلدان المنطقة، وتحولت إلى سياج من الدم والنار من حولنا، لهذا لم يعد التنبيه بإشارات مناسباً للوقت أو الظرف الذى نعيشه، فلم يكن هناك بد من أن نقول كل شيء بصراحة شديدة تقترب من المباشرة، وعندما وجدت الرواية أعجبت بالتركيب الدرامى، الذى يدفعنا لتقديم أفكارنا بشكل مباشر، وما جعلنى أكثر سعادة هو أن هذا الشكل لاقى قبولاً من الناس، ولم يتعاملوا مع الموضوع باعتبار أننى أقدم فيلماً تعليمياً، أو أوصل لهم رسائل مباشرة، ولكن الناس أحبت الشخصيات وشعرت بها وتفاعلت معها عاطفياً، أكثر من تفاعلها معها فكرياً، لهذا اعتبرها بكل المقاييس تجربة جديدة بالنسبة لى، ولكنى لا أعتبرها تغيير جلد، ولكنه تغيير أسلوب يتناسب مع ما طرحه الفيلم. وهل تعمدت التعامل مع الرواية المأخوذ عنها الفيلم بتجاهل أحداث واختصار خطوط درامية لصقل الشخصية الرئيسية وتقديم بطل من نوع خاص؟ - الرواية طويلة جداً، ولا يمكن أن تقدم كاملة فى ساعتين إلا إذا اختصرت، وفى الأدب يمكنك أن تقرأ ثم تعيد القراءة، لأنك تتعامل مع موضوع ذي طابع فكرى، وهناك روايات فى الوقت الحالى تحمل وثائق ضمن صفحاتها، لكن مع فيلم سينمائى يعرض فى قاعة مظلمة، لابد أن تكون أكثر حيوية فى الإيقاع، بالإضافة إلى حداثة فى التناول، دون التخلى عن روح الرواية، وإبراهيم عيسى ساعدنى كثيراً لأنه أطلق يدى فى الرواية للتصرف فيها كما أرى، لأن هوية العمل بصرية، حتى فى الحوار هناك الكثير من الجمل مأخوذة من الرواية، وكثير منها أيضاً أضفتها إلى الحوار، إضافة إلى جمل أضافها عمرو سعد وعدد من الممثلين، وهو ما جعل هناك براح كبير نظراً للاتفاق على الخط العام للعمل، وكانت هناك روح من الحرية والثقة، ولأننا نعمل فى نفس الاتجاه فكل ملحوظة واردة، وكل مساهمة هى أمر عظيم. وهل توقعت موجة الهجوم على الفيلم من قبل طرحه فى دور العرض حتى الآن مع الجدل والضجة التى أثارها موضوعه؟ - توقعت أن يثير الفيلم جدلاً أكبر، والحقيقة أن هذا الشعب أثبت لى أنه ما زال حياً، خاصة بعد التفاعل الكبير مع الفيلم وما حققه من إيرادات، ورصدى لتباين الفئات التى تقبل على مشاهدة العمل، والتى كانت مفاجأة بالنسبة لى، لأن هناك أذواقاً مختلفة ودرجات مختلفة وفئات عمرية وتعليمية مختلفة، وهو ما أسعدنى كثيراً بعيداً عن الهجوم الذى بدأ يتناقص جداً، وكل من شاهد الفيلم بدأ رأيه يتغير، لأن الهجوم الذى سبق عرض الفيلم، كان هجوماً على مجرد الفكرة، ثم هجوم على إبراهيم عيسى ومواقفه السياسية، ولكن كل هذا تقلص لأنى أرى أن الفيلم فرض نفسه وفرض وجوده، وكثير من علماء الأزهر أحبوه وأيدوه. ولكن موجة الهجوم ما زالت مستمرة خاصة مع تتابع تصريحات الشيخ منصور مندور كبير الأئمة بوزارة الأوقاف المناهضة للفيلم؟ - هذا الشخص هو من بدأ من أول دقيقة يهاجم الفيلم، ولا رد لدى عليه، لأن هناك الكثير من الناس طلبوا منه مشاهدة الفيلم، ولكنه رفض مشاهدة العمل، واكتفى بالتجول بين القنوات التليفزيونية لمهاجمته، لهذا ليس لدى أى رد عليه، فمن الواضح أن لديه عداء مطلق للسينما، ومشكلته تتمثل فى أن عمرو سعد مثّل أمام هيفاء وهبى، وكأن المفروض أن يكون الممثل هو الدور نفسه، فيرى أن من يجسد الداعية يجب أن يكون داعية، ومن يجسد المهندس يجب أن يكون مهندساً، وهو منظور قديم جداً للسينما، ولكن إصرار هذا الشخص على الهجوم وعدم مشاهدة الفيلم للحكم عليه بشكل موضوعى، يقابله شهادات من عدد كبير من الدعاة وشيوخ الأزهر، الذين أعجبهم الفيلم بشكل كبير، ومن بينهم الشيوخ خالد الجندى، وسعد الدين الهلالى، ومصطفى راشد، ومحمد رمضان، والشحات الجندى، وكل هذه القامات لم تر فى الفيلم أى إساءة أو تجاوز، وأعتقد الآن أن كل من يرى الفيلم يغير موقفه منه تماماً. فيلم «مولانا» انتهى تصويره قبل تفجير الكنيسة البطرسية الإرهابى.. فهل ترى أن مشهد نهاية الفيلم بتفجير كنيسة كان بمثابة نبوءة أكسبت الفيلم مصداقية أكبر رغم فظاعة الحادث الإرهابى؟ - للأسف ما نعيشه مستمر منذ كتابة الرواية، التى كانت تشير فيما يخص الحادث الإرهابى إلى كنيسة القديسين فى 2010، ولكن للأسف ما زال الأمر مستمراً حتى الآن فى 2017، لأن مقاومة الدولة والمجتمع غير مكتملة، فنحن نحارب الإرهابيين بعد أن يتكونوا فعلياً، ولكننا لا نحارب الفكر أثناء تكونه، فنحن كمن انتظر النازية حتى دمرت العالم، قبل أن نبدأ فى محاربتها، لهذا علينا أن نحارب الأفكار المتطرفة، وأن نرفض وندين مثل هذه الأفكار، التى تؤدى لتكون الفاشية الدينية المسئولة عن الحالة التى نعيشها الآن. وهل المسئولية هنا تقع على عاتق الدولة أم على المثقفين ودورهم التنويرى فى المجتمع؟ - هى مسئولية مشتركة بين الدولة والمثقفين، فالدولة عليها مسئولية كبيرة، منها عدم السماح بتأسيس الأحزاب الدينية، وعدم خلط الدين بالسياسة، والانتباه للسيطرة على المساجد من بعض الجماعات السلفية، وانتشار جمعيات تدعى البراءة ولكنها تكرس للتطرف، وميزانياتها غير مراقبة، وعددها بالآلاف، ودور المجتمع هو عدم التقليل من أهمية هذه النوعية، وأن يرفض فكرة المصالحة معهم ومع أفكارهم، وأن يكون حريصاً على التقدم للأمام وتجاوز ثلاثية المرض والفقر والجهل، التى تسمح بتفشى هذه الأفكار، فالتقدم والتنمية الحقيقية هى السبيل الوحيد ليخرج البلد من الكارثة التى نعيشها. وماذا عن ملف الفتنة الطائفية وطرق غلقه للأبد مع ما نعيشه من أزمات تمس فكرة المواطنة والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين والتى فضحها الفيلم ضمن أحداثه؟ - هناك فئات حتى الآن ترفض فكرة المواطنة، والوحدة الوطنية وإن تظاهروا بالعكس، وهناك أحزاب دينية حتى الآن فى أعماقها تحتقر المسيحيين وتعتبرهم كفاراً، وتزدرى دينهم فى كل وقت، وترفض الوقوف للسلام الوطنى، ورأيهم أن الوطنية هى الدين فقط، وليست للمواطنة، رافضين الفكرة التى استقرت عليها مصر منذ 1919 بأن الدين لله والوطن للجميع، ويرفضون حتى تحية وتهنئة المسيحيين بأعيادهم، وللأسف فهؤلاء موجودون بيننا، والدولة تسمح لهم بالتواجد، وهذه أفكار لا يمكن استمرارها فى مجتمع يسعى لأن تكون المواطنة والدستور أساس تقدمه، فالقضية تحتاج لمزيد من الحسم على مستوى الدولة والمجتمع، وهناك نص فى الدستور ينص على تأسيس مفوضية ضد التمييز، ولكنها لم تخرج للنور حتى الآن ولم يتحدث عنها أحد، وهى مؤسسة رسمية كاملة وظيفتها التقاط حالات التمييز فى المجتمع على أساس الدين أو العرق أو اللون، وتقديم من يخالف هذا للمحاكمة، حتى لو كان التمييز فى الوظائف والتعيينات، وكل هذا يجب أن ينتهى فوراً. وماذا عن التعامل مع الرقابة خاصة مع اندهاش الجمهور من تمرير الرقابة للعمل وهل واجهت مضايقات رقابية فى الفيلم؟ - فى الحقيقة لم أواجه أى مضايقات رقابية فيما يتعلق بالفيلم، ولكن فى السيناريو كانت هناك بعض الملحوظات وتم تجاوزها، ولكن الفيلم أجيز دون حذف أو إبداء أى ملاحظة، باستثناء تصنيفه عمرياً لأكثر من 12 سنة، وهو أمر الرقابة محقة فيه، لأنه فيلم غير موجه للأطفال، وأنا أحيى الرقابة، ويجب أن أقول أن هناك هامشاً ما من الحرية، الرقابة عملت من خلاله وأجازت العمل، ويجب أن نفتخر بأن لدينا مثل هذه الرقابة، خاصة وأن هناك الكثير من الناس فى العالم العربى، أذهلتهم فكرة أن الرقابة المصرية أجازت مثل هذا العمل، وهذه شهادة شرف للرقابة. هناك إشارات حملها الفيلم تدين تعاطى نظام «مبارك» مع ملف الفتنة الطائفية والتطرف الدينى هل كانت هذه وسيلتك لتمرير الفيلم رقابياً؟ - على العكس تماماً، فقد كنت مصراً على فكرة عدم كتابة أى تواريخ على الفيلم، لفتح المجال لتأويل العمل، والتأكيد على فكرة أن كثيراً من هذه الأحداث، التى طرحها الفيلم قابلة للاستمرار، سواء فى هذا العصر أو العصور السابقة أو حتى السنوات المقبلة، فى حالة استمرار هذه الملابسات أو الظروف، لأن استمرار هذه الأمراض قد يعيد تكرار هذه الأحداث تلقائياً. هناك عمق واضح فى الأداء التمثيلى خاصة فيما يتعلق بعمرو سعد فهل أجريتم تحضيرات خاصة نظراً لخصوصية الشخصية؟ وهل هناك ممثل أتعبك فى العمل؟ - علاقتى وعمرو سعد بهذه الفئة من الناس وطيدة، ولدينا مخزون كبير من الشخصيات والخبرة، والفيلم انطلق من حالة حب أجمع عليها كل المشاركين، وهناك إخلاص وصدق فى التعامل مع العمل من أول دقيقة، وكل العناصر مؤمنة برسالة الفيلم من تصوير وإنتاج وتمثيل، والجميع أخرج كل ما لديه، وهو ما ظهر على الشاشة بشكل واضح، وبالنسبة لسؤالك الآخر فلا يوجد ممثل أتعبنى فى العمل، لأن الممثل الذى يتعبنى «يمشى على طول». وكيف ترى عمرو سعد بعد هذا الفيلم مع النقلة التى حققها على مستوى الأداء التمثيلى والإشادة النقدية والجماهيرية بما قدمه فى «مولانا»؟ - خطوة عمرو سعد المقبلة مرهونة به، فالأمر بيده وحده، ولكنى أعتقد أنه مدرك أنه دخل منطقة مختلفة، وهو ما قد يجعله أكثر حرصاً وخوفاً على ألا يقدم دوراً أقل فى المصداقية والجرأة والحضور، وأعتقد أن عمرو سعد تغير بعد «مولانا»، حتى على المستوى النفسى، مع ما حققه الفيلم من نجاح تجارى انعكس على شباك الإيرادات.