وسط غياب رد فعل رسمي عربي على إلغاء «عروبة» سوريا فى المقترح الذى طرحته روسيا للفصائل السورية للنقاش، انقسمت المعارضة السورية بين رافضين بشكل تام حتى لمناقشة وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف فى المسودة المطروحة بشكل عام، بينما اجتمع عدد آخر مع لافروف، معلنين نيتهم تشكيل فرق، لإطلاق العمل على صياغة دستور سورى جديد. أكدت موسكو أنه لا أساس لقلق المعارضة السورية من المسودة الروسية لمشروع الدستور، نافية أن يكون الحديث يدور عن تكرار تجربة بول بريمر فى العراق. وأشارت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، فى مؤتمرها الصحفى الأسبوعي، إلى تصريحات ليحيى العريضي، الذى حضر مفاوضات أستانا كمستشار سياسي لوفد المعارضة السورية المسلحة، مثل الهيئة العليا للمفاوضات، زعم فيها أن روسيا تحاول فرض دستور خاص بها على سوريا، وتسير فى طريق رئيس إدارة الاحتلال الأمريكى فى العراق، بول بريمر، في العامين 2003-2004. وعن إمكانية منح أكراد سوريا الحكم الذاتي، شددت زاخاروفا على أن ذلك أيضا لا يعد اقتراحًا، بل تساؤل تطرحه موسكو لبدء المناقشة حول الموضوع. وأكدت زاخاروفا الموقف الروسى المبدئى القائل بضرورة إشراك ممثلين عن أكراد سوريا فى عملية المفاوضات بجنيف. ودافع وزير الخارجية الروسي، سيرجى لافروف، عن مشروع الدستور، مضيفًا أنه «من غير الصحيح مقارنة مشروع الدستور الروسى لسوريا، بالدستور الأمريكى للعراق»، مؤكدا أن موسكو لا تحاول فرض اقتراحاتها على أحد. وأثار طرح روسيا لمشروع الدستور، الجدل حول دلالات الخطوة فى وقت يشهد شبه انفراجة سياسية للأزمة السورية، وتداعياتها على مستقبل الدولة خاصة وأن البنود التى يشملها يحيط بها الكثير من التحفظات والشكوك. وتتضمن بنود المقترح الروسى توسيع صلاحيات البرلمان على حساب الرئيس كتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا والبنك الوطني، وتحديد مدة الرئاسة بولايتين كل واحدة سبع سنوات، إلى جانب السماح بتغيير حدود الدولة عبر استفتاء عام مع مراعاة التمثيل النسبي لجميع الأطياف لسكان سوريا فى التعيينات الحكومية. كذلك تشمل بنود المسودة الروسية عدم اشتراط أن يكون الرئيس من أب وأم سوريين وإزالة تعابير تشير إلى عربية الجمهورية السورية. من جهته قال المحامى يوسف المهتم بالشأن السوري إن القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية لا تسمح لدولة أن تقدم مشروع دستور خاصًا بدولة أخرى. وأضاف «دول الاحتلال نفسها لا تجرؤ على فرض دساتير على الشعوب التى تحتلها وأقصى ما تفعله فرض أحكام عرفية»، موضحا أنه لا توجد مشتركات بين الشعبين السورى والروسى حتى يتم هذا الطرح من باب المساعدة. وأكد أن روسيا اخترقت بدورها داخل سوريا كل الثوابت الأخلاقية والقانونية والتاريخية، مشيرًا فى الوقت نفسه إلى أن موسكو قدمت مشروعها الدستورى لجزء بسيط من المعارضة السورية فى وقت يشهد انفراجًا على المستوى السياسى للأزمة. وتساءل مستنكرا:« كيف يمكن الحديث عن مشروع دستور فى ظل وجود معتقلين داخل سجون السلطة الحالية وبدون اتفاق على وقف إطلاق النار». وانتقد بعض بنود المسودة الروسية ومنها عدم ذكر عروبة سوريا وعدم اشتراط أن يكون رئيس سوريا من أب وأم سوريين. وقال المحلل السياسى المتخصص فى الشأن السورى تيسير النجار، إنه لا يوجد أى مبرر سياسى لطرح روسيا لمسودة مشروع دستور سوري، مشيرا إلى أن المراحل الانتقالية تفترض تشكيل لجنة من أعضاء منتخبين لوضع الدستور. وبرر النجار طرح المسودة الروسية لإدراك موسكو غرقها فى الوحل السورى ورغبتها فى خروج أمن يضمن لها تحقيق انتصار أو امتياز لها كدولة عظمى. وبدوره قال فراس الحاج، ناشط حقوقى سوري، إن طرح الاقتراح، أمر مرفوض تماما لأنه أمر داخلى لا يجوز لها التدخل فيه، مشيرًا إلى أن مجموعة من الحقوقيين والقانونيين السوريين يعملون على كتابة مذكرة تبين رفضهم المطلق للمقترح الروسى وسيتم إرسالها إلى الرئيس الروسى بوتين. وأضاف: القانونيون السوريون لن ينتظروا من أى دولة فى العالم أن تكتب لهم دستورهم الذى يعتبر حقًا أصيلًا للدولة، لافتًا إلى أن وفد المعارضة كان أغلبهم عسكريين ولم يقوموا بفتح المسودة أو حتى فتح باب النقاش بها. وأوضح «الحاج» أن إصدار الدستور أو طرح مسودته حق أصيل للشعب السورى مؤيدين ومعارضين لنظام بشار، ولا يحق لروسيا أن تتجاهل 22 مليون شخص إلا لو اعتبرت نفسها دولة محتلة، مؤكدًا أن السوريين قادرون على التفاهم مع بعضهم وطرح مسودة قانون تتناسب مع مختلف فئات الشعب .