وقفت طالبة الثانوى تنظر بهدوء إلى مياه البحر الراكدة كأنها تراه لأول مرة فى حياتها.. تعجبت والدتها حاولت لفت انتباهها وطلبت منها الانصراف بسبب برودة الجو.. نظرت الابنة إلى وجه أمها بتمعن شديد كانت تتفحص كل وجهها.. تحدثت إليها: هتوحشينى يا ماما صدقينى.. ماقصدتش التاب بتاعى يبوظ.. لم تدرك الأم معنى كلام ابنتها.. ولم تتوقع ما ستقدم عليه ابنتها.. فى لمح البصر قفزت البنت فى مياه البحر لتنهى حياتها بيدها بعد أن أغضبت والدتها.. صرخت الأم بأعلى صوتها «بنتى» تجمهر الأهالى حولها.. طلبت منهم إنقاذ ابنتها من الغرق وأخبرتهم أنها لا تجيد السباحة وستغرق.. قفز بعض شباب القرية فى المياه محاولين البحث عن الفتاة.. المشهد كان قاسياً.. أم تنادى على ابنتها وشباب يحاولون البحث عن الفتاة وسيدات ورجال القرية يدعون للفتاة بالنجاة.. الوقت كان يمر ببطء شديد جداً.. بدأ الشباب فى الخروج من المياه والحزن قد تملكهم بعد أن فقدوا أثر الفتاة.. لطمت الأم خديها وظلت تصرخ، حاولت القفز وراء ابنتها لكن الأهالي منعوها وتم إخبار رجال الإنقاذ وبمرور الوقت ظهرت جثة الفتاة طافية لتعلن للجميع أنها تخلصت من حياتها بسبب تعنيف والدتها لها لحدوث عطل بالتاب الخاص بها. عاش الجميع يوماً قاسياً وهم يودعون جثمان الفتاة البريئة، وبالرغم من قساوة المشهد تساءل العديد: كيف تقدم فتاة لم تتخط عامها السابع عشر على الانتحار؟.. علامات استفهام بدأت تحوم فى أذهان الأهالى.. وفى النهاية بدأت الأم فى سرد تفاصيل انتحار ابنتها حتى لا تقفز إلى رؤوسهم أفكار دنيئة وأن ابنتها انتحرت بسبب قصة حب أو علاقة غير شرعية وهذا من أهم أسباب الانتحار فى الريف المصرى، قائلة: أنا السبب بس ماكنتش أقصد إنى أوصلها للحالة دى.. الكل كان فى حالة صمت، كيف يدفع قلب الأم الحنون إلى الانتحار.. ما هى الأسباب التى تجعل فتاة فى عمر الزهور تقدم على الانتحار؟.. الكل جلس فى صمت محاولين معرفه الأسباب الحقيقية.. تنهدت الأم وبعد أن تمالكت نفسها من هول الصدمة بدأت فى سرد حكاية ابنتها التى بدأت منذ عدة أشهر عندما طلبت من والدها شراء تاب مثل صديقتها، أقنعها والدها بشرائه بعد الحصول على تقدير عال فى نهاية السنة الدراسية بالفعل تمكنت من الحصول على الدرجات النهائية وفور إحضارها الشهادة الخاصة بها قام والدها بتنفيذ وعده لها وحددوا يوماً لشراء التاب.. مهما حاولت أن أصف شعورها بالسعادة لن يستطيع أبرع كاتب فى وصف شعور ابنتى بالسعادة وهى عائدة إلى بيتنا الصغير بالتاب الذى حلمت به كثيراً.. تنهدت الأم المكلومة ثم بدأت كلامها قائلة: فور عودتها إلى المدرسة طلبت منها عدم اصطحاب التاب الخاص بها إلى المدرسة حتى لا يصاب بأى أذى، رفضت طلبى فى بادئ الأمر ثم استسلمت إلى كلامى بعد أن قمت بتهديدها بسحبه منها وحرمانها منه نهائياً وقبل الحادث بعدة أيام طلبت منى اصطحاب التاب الخاص بها إلى المدرسة لمساعدتها فى تلقى بعض الدروس الخاصة بها وبعد حديث طويل وافقتها على طلبها.. وما كنت أخشاه وقع فقد عادت ابنتى من المدرسة والحزن قد تملكها حاولت معرفة السبب وبعد ضغط شديد أخبرتنى بوقوع التاب الخاص بها على الأرض وحدوث عطل به، لم أتمالك نفسى وقمت بتعنيفها بشدة لدرجة أننى فوجئت بها تتبول على نفسها، الأمر الذى جعلنى أتوقف عن الصراخ فى وجهها.. حاولت ابنتى كثيراً استعطافى والتودد إلى لأسامحها لكنى رفضت مسامحتها، وظللت هكذا عدة أيام.. لكنى لم أتوقع أن تكره ابنتى حياتها لهذه الدرجة.. فتقرر التخلص من حياتها بسببى.. كل ما قصدته هو أن أعلمها الحفاظ على أشيائها حتى لو كانت بسيطة، ليتنى لم أعنفها ليتنى لم أتمادى فى عقابها.. فقد عاقبتنى ابنتى أشد العقاب بتركها الدنيا وما فيها وتركت لى حصرة لا تنتهى كما تركت لى هذا التاب الملعون الذى تسبب فى انتحارها.