باتت حالات الانتحار منتشرة جدا، وأصبح العالم يستيقظ بين الحين والآخر على حالات انتحار لبعض الشباب صغير السن بعد أن انتابهم عدم الرغبة فى الحياة ويملونها ويرغبون فى التخلص منها باللجوء للانتحار، فالإنسان مهما عصفت به رياح الزمن ومهما عانى فى حياته فلابد أن يكون متأكدا أن هذا قدر وقضاء وعليه أن يعى أن روح الإنسان ليست ملكه بل هى ملك لخالقه.. وإن إلقاء نفسه للتهلكة فهو شئ محاسب عليه. فلسان حال المنتحر دائما ما يردد قبل انتحاره: "لا أدرى ما سأفعله بنفسى حيث يغمرنى اليأس وكل ما بين عينى ظلام فى ظلام ما من يوم يمر على إلا وأبكى حتى أنى لا أقدر على الرؤية بعدها، كل يوم يمر أفكر فيه بالانتحار عشرات المرات، لم تعد حياتى تهمنى أبدا، أتمنى الموت كل ساعة، ليتنى لم أولد ولم أعرف هذه الدنيا، ليتنى لم أخلق، ماذا أفعل أنا فى حيرة وكل شيء عندى أصبح بلا طعم ولا لون". بعد أن فشل عمر هارون (14عاما) فى النجاح بامتحانات الدور الثانى بالصف الثانى الاعدادي، حاول إسكات الخوف الذى يلاحقه ويجتاحه وهو مازال لا يفقه معناه. بعد أن سيطر غول الانتحار عليه وتحول إلى هوس لديه قام بالانتحار شنقًا داخل منزله بأوسيم، وتم نقله إلى مستشفى أوسيم المركزي، وتبين أنه مصاب بحاله اختناق من جراء محاولة الانتحار إلا أنه بعد لحظات قليلة توفى فور وصوله. تبين من خلال والد الطفل المنتحر أن عمر لقى مصرعه منتحرًا، وقرر والده أنه فى الصف الثانى الإعدادي، وكان قد رسب فى مادة وأدى الامتحان بالدور الثانى بها وتوجه إلى مدرسته ليعرف النتيجة، إلا أنه عاد ودخل حجرته وأغلق عليه الباب، وعندما تأخر حاول أشقاء الطفل عمر الطرق عليه أكثر من مرة، إلا أنه لم يجبهم مما اضطرهم لكسر الباب ليجدوه معلقًا فى سقف الحجرة، وعثر بجواره على النتيجه التى تبين منها أنه رسب فى الامتحان. مازالت والدة الطفل عمر ذى السنوات الأربع عشرة الذى لقى حتفه منتحرًا تعيش الصدمة عقب مشاهدتها وأشقاؤه له معلقًا من رقبته ومشنوقا أمامهم فقد شنق هذا المشهد أحلام الأم المكلومة التى طالما حلمت بأن ترى أبنها ناجحا ويتخرج من أفضل كليات الجامعة لتفيق من حلمها هذا على كابوس انتحار ابنها عمل، وما زاد من جراحها وآلامها مشاهدة ابنها لمشهد انتحار أخيهم لتعيش تلك الأم الثكلى خائفة من تكرار هذا المشهد التى لم يخطر ببالها أن تراه فى أحد ابنائها وفى بيتها كانت تظن أن مشاهدة تلك المشهد يقتصر على شاشة التلفاز عبر أحد مشاهد أفلام السينما أو المسلسلات الدرامية لا فى غرفة نوم نجلها الذى شنق بانتحاره كل لحظة أمل وفرحة تمنتها تلك الأم. خفق قلب الأم عندما شاهدت ابنها مشنوقا كما لم يخفق يوماً عندما أحسته انتزع من صدرها انتزاعاً كادت تجرى نحو ابنها لتمسك به و تمنعه من الانتحار أو تنقذ ما يمكن انقاذه ، لكن القدر كان أقوى منها.. وظلت تردد:" ليتك بقيت فى حضنى يومها .. ليتك لم تغادره.. ليتك بقيت بجوار صدري.. أعلم أنه لن يحميك من كل شيء.. لكنه سيبقينا معاً وهذا كل ما كنت أريد". ويبقى السؤال عندما نجد تلاميذ وتلميذات فى عمر الزهور لم تتفتح عطورهم بعد مازالوا يخطون الخطوات الأولى فى مسيرة الحياة، ما الذى يدفعهم إلى اختيار الموت وإنهاء حياتهم بهذه الطريقة المأساوية؟ هل هو إهمال المجتمع؟ أم هم ضحايا الاضطراب الذى شهدته البلاد طيلة الأعوام الماضية؟! لتظل علامات التعجب والاستفهام تحيط بالأشخاص المقدمين على الانتحار والتخلص من حياتهم، فالحياة أثمن شيء فى الوجود، الحياة أثمن شيء وهبه الله للإنسان. وتظل التساؤلات تدور فى مخيلتنا كيف تطرأ فكرة الانتحار على المنتحر، وما الذى يدور فى رأسه آنذاك، وما السبب القوى الذى يدفعه لذلك؟ تظل هذه التساؤلات فى طى الكتمان تحير المحيطين بالمنتحر دون تفسير حتى نستيقظ على واقعة انتحار جديدة، بطلها شاب أو فتاة أو رب أسرة فقدوا جميعا الأمل وتملكهم اليأس من الحياة.