تعرض مجلس النواب خلال الفترة الماضية لانتقادات واسعة بسبب مناقشته وإصداره عددًا من القوانين دون الأخذ فى الاعتبار رأى الجهات المنوط بها القانون، أو مناقشتها فى بعض النصوص محل الخلاف، ما دفع بعض الأطراف إلى حد التشكيك فى عدم دستوريتها والمطالبة بتعديلها، علماً أن مواد الدستور حددت ثلاث جهات فقط لتقديم مقترحات القوانين لمجلس النواب وهى: رئيس الجمهورية، والحكومة، وأعضاء البرلمان. ومن أبرز تلك القوانين التى أصدرها البرلمان وانتقدها الرأى العام قانون «ضريبة القيمة المضافة، والخدمة المدنية، وزيادة معاشات العسكريين، الجمعيات الأهلية، وبناء الكنائس، والهيئات الإعلامية»، وشكل صدور تلك القوانين هجوماً حادًا على مجلس النواب، ولا سيما من بعض أعضائه، فضلاً عن قانون الهيئات القضائية المطروح حالياً، ويثير أزمة بين القضاة والبرلمان. وبحسب رؤية المعارضين لسياسة مجلس النواب: فهم يعتبرون أن المجلس يعمل لصالح السلطة التنفيذية ولا يكترث لمعاناة الفقراء من محدودى الدخل من خلال موافقته على مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة دون الالتفات إلى وجهة نظر الجهات الأخرى المستهدفة فى القانون ومعاناتهم، أو الأخذ فى الاعتبار لبعض مطالبهم. وتبنت وجهة نظر معارضى مجلس النواب، بأن يسعى البرلمان لتحقيق التوازن الاجتماعى وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، والالتزام بالشرعية الدستورية فى أداء مهامه تفادياً للضرر الذى يقع على الطبقة المتوسطة مباشرة، وهى السواد الأعظم من الشعب المصرى، وتجنباً للمواءمة السياسية وشبه عدم الدستورية. وأكد الدكتور صلاح فوزى، عضو لجنة الاصلاح التشريعى، أن الجهات المختصة دستورياً لتقديم مقترحات بمشروع قانون، هى: الرئاسة والحكومة والنواب، وأى جهة أخرى لها علاقة بالقانون تبدى فقط وجهة نظرها وليس إلزامياً الأخذ بها من جانب البرلمان، ولكن تتم مناقشته خلال جلسات الاستماع فى اللجان النوعية، حيث يتم وضعها تحت بصيرة البرلمان تحقيقًا للمصلحة العامة والتوافق المجتمعى. وأضاف «فوزي» أن بعض الأطروحات التى يتقدم بها المنوط بهم القانون، ترفض من جانب البرلمان لعدم المواءمة السياسية، ناهيك عن أن هناك بعض الآراء والأطروحات تأتى مخالفة لمواد الدستور، وعصياً على التصديق، وبعضها يحتاج إلى خمس سنوات أحياناً، وهذا يعطل القانون، فكيف يتم الأخذ به؟، مشيراً إلى أن مجلس النواب يصدر القانون بموافقة ثلث أعضائه عدا القوانين الخاصة بالحريات، فهى تتطلب موافقة الثلثين من الأعضاء، وهناك من يدفع بشبه عدم دستورية بعض مواد القانون، وعليه التقدم إلى المحكمة للطعن، والمحكمة تقضى وفقاً الدستور، ولا توجد فكرة الانحراف التشريعى التى يروج لها البعض. ورأى الدكتور شوقى السيد، الفقيه الدستورى: أن السلطة التشريعية ليست لها الحرية المطلقة فى اصدار القوانين، ويحتم عليها فى ممارسة مهامه الأخذ بالرأى والموازنة من أجل تحقيق المصلحة الجماعية، بما يعنى الأهم، فالأهم كما يجب أن تتفوق المصلحة العامة على المصلحة الخاص، وعلى مجلس النواب أن يتقيد بالنصوص الدستورية والتشريعية التى تلزمه أخذ رأى، وموافقة بعض الجهات قبل مناقشة القانون، كما يتعين عليه عرض القوانين على الجهة المنوط به القانون قبل المناقشة، وإلا يكون القانون غير دستورى حال اصداره. ولفت «السيد» إلى انه من واجبات السلطة التشريعية استهداف المصلحة العامة، وليس العمل عبثاً، وتحقيق مصلحة الجماعة الغالبة فى المجتمع، واذا خالف المجلس التوازن فى استخدام سلطته فى التشريع وقع فى «الانحراف التشريعي» على حسب وصفه، مستشهداً بوصف الفقيه الدستورى عبدالرازق السنهورى الذى أطلقه على السلطة التشريعية فى الخمسينات القرن الماضى. وقال شوقى السيد، إن هناك جزأين فى مناقشة أى مقترح بمشروع قانون يقدم من الحكومة أو من جهة بعينها إلى البرلمان، الجزء الأول يتعلق بأخذ رأى الجهة المنوط بها القانون فى بعض النصوص، والثانى العمل فى نطاق المشروعية الدستورية، وليس فى نطاق المواءمة السياسية. وقالت المستشارة تهانى الجبالى، إن هناك قوانين مكملة للدستور لا ينبغى أخذ الرأى، وبالنسبة للقوانين المنظمة لعمل بعض الجهات والهيئات يأخذ رأى الجهة فى أى تعديل يرد على القانون، علماً أن الرأى ليس الزامياً على السلطة التشريعية الأخذ به، ولكن يعرض للمشورة. وشددت «الجبالى» على أن سلطة المحكمة الدستورية العليا هى صاحبة القول الفصل فى شبه عدم دستورية وليس القول المرسل ومن يرى فى قانون شبه دستورية يتقدم بالطعن أمام المحكمة، مؤكدة أن القوانين قبل تصدر من جانب مجلس النواب يتم عرضها على قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعتها وصياغتها ودراسة مدى تطابق وصياغة هذا التشريع مع الدستور قبل أن يعرض على البرلمان ويصدر نهائياً. وطالبت نائب رئيس المحكمة الدستورية سابقاً بتوعية الفرد من خلال نشر الثقافة المجتمعية بشأن قراءة الدستور والقانون، فنحن فى مصر نفتقد تلك الثقافة ثقافة رد الاعتبار للدولة، وهذا عمل يجب أن تنظمه وسائل الإعلام.