الأهالى: نقضى ساعات الليل فى الجحور.. وطوارئ الحى لا مجيب! «نبوية»: خايفة أموت ومحدش يحس بيَّا «مروة»: المعاش 360 جنيهاً.. ومنين أجيب شقة؟! مأساة إنسانية تعيشها 20 أسرة هم ضحايا عقار رقم «5» بشارع حسن رمضان بمنطقة الدقى، فى الجيزة. الأسر العشرون فى انتظار مصير مجهول بعد غرق شققهم وامتدت مشكلاتهم إلى باطن الأرض، وتبدل حالهم بين ليلة وضحاها.. فلم يكن غرق عقارهم السكنى مشكلة عابرة، إنما أصابع الاتهام تشير إلى إهمال المسئولين فى حى الدقى، والنتيجة المتوقعة هى انهيار العقار فى أى لحظة فوق رؤوس السكان، فى ضوء اتهام حى الدقى بالإهمال والتقصير.. ومحافظة الجيزة بالسكوت عن تجاوزات الحى فى شأنه، وأصحاب العقار بالجشع – حسب روايات المتضررين. وهكذا تعيش الأسر تنام وتأكل وتتحمل البرد القارس والأمطار فى سبيل انتظار تنفيذ وعود المسئولين الوردية فى حى الدقى، وتحاصرها الأمراض والشيخوخة، وأكبر أحلام الأسر العشرين هى الحصول على شقق بديلة فى مكان آمن، تسترهم فى آخر أيامهم، وتنقذهم من شبح التشرد. لم تكن «نبوية» أسعد حظاً عن جيرانها، الذين يعيشون إجبارياً ولضرورات الحياة فى عقارات متهالكة.. ومستنقعات من المياه الجوفية والصرف الصحى التى تملأ جنبات المكان، وظلام دامس يستمر لساعات طويلة.. كلها ملامح الصورة القاتمة لعقارات شارع حسن رمضان المتهالكة بمنطقة الدقى الراقية، وهو مثال صارخ على تجاهل المسئولين لمشاكل المواطنين المتراكمة منذ عشرات السنين، وتفاقمها يوماً بعد الآخر.. فلا حياة كريمة.. ولا حماية إنسانية.. والجهات المسئولة تتفرج على ما يحدث لهؤلاء المشردين دون أن تحرك ساكناً، فسكان المنطقة استغاثوا مراراً وتكراراً برئيس حى الدقى وما كان يحدث تشكيل أو إيفاد لجان لمعاينة العقارات القديمة، والاطلاع على أسباب تسرب المياه الجوفية ورشح مواسير مياه الشرب بالمنطقة، أو إيجاد حلول ناجحة لها من قبل الحى الذى يتم تغذيته من محافظة الجيزة، لإنهاء الكوارث المتوقعة. عذاب يومى «الوفد» انتقلت إلى موقع العقار ورصدت مشكلة 20 أسرة داخل عقار يغرق فى المياه الجوفية والصرف الصحي.. بدأت المشكلة كما تحكيها مروة على محمود – البالغة من العمر «29 عاماً»، قائلة: فوجئنا بظهور مياه جوفية أسفل العقار منذ شهر فقط، والمياه تملأ بدروم العمارة على مساحة العقار بالكامل، حتى وصلت إلى ارتفاع متر، رغم أننا قمنا أكثر من مرة بنزح المياه، بالجهود الذاتية للسكان، لكنها تعود مرة أخرى، مما اضطرنا لإخطار حى الدقى 3 مرات، دون فائدة.. ونخشى على أساسات العقارات وأعمدتها تتآكل وتتشقق! وأوضاعنا المادية سيئة جداً.. ولا تسمح لنا بمغادرة المكان. وتضيف «مروة» وسط بكاء شديد: ذنبنا فى رقبة محافظة الجيزة، فقد إرسالنا شكاوى كثيرة لحى الدقى، إلا أنهم لم يهتموا أو يستجيبوا، فالجميع مقصر فى عمله، بجانب أصحاب العقار لعدم تعاونهم مع السكان، وهو ما شاهدته بعينى بعد التحدث إليهم بشأن تلك المشكلة.. فقالوا لنا: «بندعى ربنا العقار ينهار علشان نخلص من الأمر». وأضافت: هذا ما يريدونه هو انهيار العقار، لكى يمكنهم بناء إقامة برج سكنى على حساب الفقراء، ونحن الضحايا فى النهاية، حتى أصبحت هذه المياه خطراً يهدد المقيمين فى العقار المأهول بالسكان.. كما لا نملك حالياً سوى السكن فى بدروم العقار القديم أو الجحور كما نطلق عليها.. فأنا أتقاضى معاشاً لا يتجاوز مبلغ 360 جنيهاً من الضمان الاجتماعى.. وأعول 5 أشخاص والأعباء والديون تراكمت على أكتافى بعد خسارتنا شقتنا المتواضعة، الغارقة فى المياه الجوفية والصرف الصحى، ولم نجد من يقف بجانبنا من المسئولين فى محافظة الجيزة من خلال حى الدقى.. فحالتنا المالية تمكنا من امتلاك منازل أخرى، نظراً لإمكانياتنا المحدودة للغاية.. وما نطالب به هو سرعة انتداب لجنة هندسية من حى الدقى لفحص العقار والعقارات المجاورة، وما إذا كان بها خطورة من عدمه، وأيضاً النظر فى أوضاعنا السيئة وتعويضنا بشقة سكنية ولو غرفة واحدة فى أى مكان.. ولكن المهم هو عامل السرعة. الحكومة نسيتنا نبوية أحمد على، سيدة مسنة، وأم ل«3 أبناء»، حاولت الدخول إلى منزلها بصعوبة، ولفت نظرنا أنها تحاول الدخول فوق لوح خشبى، تم رفعه من الجانبين بواسطة قوالب الطوب.. وقالت بأسى: لا نعلم إذا كانت المياه التى تغمر منازل المنطقة مياه جوفية أو مياه صرف صحى تتدفق من باطن الأرض أسفل العقار خاصة أن هذه المشكلة فى أكثر من عقار ولا نملك أى حلول.. فمعاشى 300 جنيه، وهو لا يكفى، مضيفة: «بنأكل بالعافية»، فى ظل موجة الغلاء التى تتزايد كل يوم باستمرار.. ونأمل فى شقة سكنية ترحمنا من البرد والتشرد فى الشارع.. فأنا أعيش مع ابنتى المطلقة، وحفيدى عمره «3 سنوات» وأبنى بلا عمل، ونسكن غرفتين ببدروم العقار، والذى امتلأ بالمياه، وأثاثى عبارة عن كنبة دولاب قديمة، وأقوم بإعداد الطعام فوق هذه الكنبة، ثم أرفع الأوانى وأضعها على عدة قوالب من الطوب، نظراً لارتفاع منسوب المياه الجوفية بداخلها، وأيضاً الحمام المشترك غارق فى المياه، كما أننى أستخدم الكنبة أثناء نومى المتقطع، نظراً لتخوف أبنائى من ارتفاع المياه داخل الغرفتين.. وحالنا من سيئ إلى أسوأ.. مرضنا من البرد القارس وعذاب الانتظار بأمل عودة حقوقنا الضائعة.. ولأننا فقراء لم يتوافر لدينا مبالغ مالية للكشف عن مصدر الخطر الذى يطاردنا.. لذا فاضطررنا للرضاء بهذا الوضع المؤلم لعدم قدرتى على تكاليف الإصلاح المرتفعة، خاصة أن منسوب المياه الجوفية أسفل العقار يواصل الارتفاع.. ولا نعلم أسبابه، مما يؤثر بطبيعة الحال على الأعمدة الخرسانية. نستنجد بالمسئولين وتضيف «نبوية»: نحن نستغيث برئيس حى الدقى لنجدتنا وإرسال لجنة من مهندسى الحى لمعاينة العقار، والوقوف على أسباب تسرب هذه المياه الجوفية وكيفية معالجتها لمنع كارثة انهيار العقار، خاصة أن ارتفاع منسوب المياه الجوفية فى منطقة الدقى وصل إلى متر، حتى غرقت عتبات البيوت فى المياه الجوفية. مكان آمن وبمزيج من الغضب والمرارة يتحدث محمد على، أحد سكان العقار، والذى يعول 3 أولاد، قائلاً: إحنا لو حيوانات لن تتركنا المحافظة نعيش وسط المياه الجوفية وطفح مواسير مياه الشرب والصرف الصحى بهذا الشكل إذ لا يخلو عقار فى المنطقة من هذه المياه، ومخاوفنا تزداد من تلوث مياه الشرب نتيجة اختلاط مياه الصرف مع مياه الشرب، الأمر الذى يؤدى إلى انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة بين السكان، ما يتسبب فى إصابة أبنائنا بأمراض حساسية الصدر، ومع كل ذلك الحكومة «ودن من طين وأخرى من عجين».