تمر غدًا الذكرى ال86 على ميلاد شاعر المصريين، شاعر العامية الكبير صلاح جاهين، ذلك العبقرى المصرى، الذى قدم إبداعًا مصريًا خالصًا، حمل فى طياته الهوية المصرية فى أوضح صورها، متمثلة فى حالة الفكاهة فى لحظات الفرح، والسخرية فى لحظات الألم، فبكى المصريون معه عندما كتب «لموا الكراريس»؛ حزنًا على دماء أطفال مدرسة بحر البقر التى ضربتها اسرائيل، ورقصوا معه على كلماته مع سعاد حسنى فى «الدنيا ربيع والجو بديع»، ولذلك سيظل جاهين هو الأقرب للمصريين ؛ شعرًا ورسمًا. المستشار بهجت حلمى، لا يقبل بابنه رسامًا او شاعرًا، هو يريده قاضيًا مثله، لكن المولود الذى خرج للحياة فى 25 / 12 / 1930م، فى حى شبرا بشارع جميل باشا، لم يقبل إلا بالريشة و القلم حياة. محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمى، المعروف ب صلاح چاهين، والده المستشار بهجت حلمى، وجده الصحفى الكبير أحمد حلمى، والذى يحمل شارع «أحمد حلمى» بشبرا اسمه، أما أمه فهى السيدة أمينة حسن، والتى تخرجت فى مدرسة السنية، ثم عملت كمدرسة للغة الانجليزية، والتى استطاعت أن تحبب الصغير فى القراءة مبكرًا. لقد هيأت الحياة لشاعرنا منذ البداية حياة الطيور، فلم تساعده مهنة والده كقاض على الاستقرار كثيرًا، ففى مدرسة أسيوط تلقى تعليمه الابتدائى، والتوجيهى من محافظة الغربية، ونال شهادة الثقافة من مدينة المنصورة، لتأتى لحظة المواجهة بين الشاب الذى يهوى الشعر والرسم، ويرغب فى السفر إلى باريس، وبين الأب الذى أراد لابنه أن يدرس الحقوق، ويسير مسيرته ليصبح قاضيًا، و كنتيجة طبيعية لهذا الصراع، التحق جاهين بكلية الحقوق، لكنه تركها بعد فترة، ليلتحق بالفنون الجميلة، ولكنه لم يكملها أيضًا. استطاع «جاهين» مع كوكبة من المبدعين المصريين، أن يجسدوا العصر الذهبى للثقافة المصرية فى منتصف القرن العشرين، ومنهم الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، والذى زامل چاهين فى غرفة واحدة فى روز اليوسف عدة سنوات، فقال حجازى عن ذكرياته مع جاهين: «كان جاهين أكثرنا نشاطا ومرحا وحضورا، كان يرسم وينظم بالعربية، وكان احيانا يغنى بعض الأغنيات الاسبانية، وفى تلك الغرفة، سمعت من صلاح جاهين، معظم أغنياته التى نظمها، كان يدين للوركا وبول إيلوار، بقدر ما يدين لشوقى وبيرم التونسي». امتلك صلاح جاهين قلمًا حادًا وريشة لاذعة، مما قذف به فى معارك كثيرة، كان أشهرها معركته مع الشيخ الغزالى، أثناء مناقشة مشروع الميثاق فى عام 1962، حيث رسم الفنان الشيخ الغزالى، وهو يخطب فى الجماهير، وكتب على لسان الشيخ : «يجب أن نلغى من بلادنا كل القوانين الواردة من الخارج؛ كالقانون المدنى وقانون الجاذبية الأرضية «. فما كان من طلاب الأزهر إلا أن استباحوا دم الشاعر وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة الأهرام. وعلى الرغم من أهمية صلاح جاهين كشاعر، استطاع أن يوثق لألم و فرح المصريين ببراعة، إلا أن الكتابات النقدية التى تناولت أعماله تظل فقيرة، ويأتى فى مقدمتها كتاب"رباعيات ورباعيات « للدكتور يحيى الرخاوى عالم النفس الشهير، حيث أكد من خلال الكتاب أن رباعيات جاهين تحمل بين حروفها حالات نفسية عديدة، تسيدها الاكتئاب، خاصة الذى أصابه بعد نكسة 1967، والتى تعتبر الوجع الحقيقى فى حياة جاهين، فيقول الرخاوى : « فى رباعيات جاهين تكاد تظهر كل أعراض الاكتئاب بلا استثناء من أول عدم الاكتراث والملل، إلى الشعور بالضياع وفقدان المعنى، كل ذلك يتتابع فى صور - برغم مرارتها - جميلة، حتى تجعلنا نحب ما لا يحب». هذه الرباعيات التى تحدث عنها «الرخاوى»، هى جواز الخلود لجاهين بين شعراء مصر، حيث تجاوزت مبيعات إحدى طباعات الهيئة المصرية العامة للكتاب لها، أكثر من 125 ألف نسخة. أما عن آخر الدراسات التى تناولت إبداع صلاح چاهين، فهو ما قدمه الدكتور حسن يوسف طه، أستاذ علم الجمال، من خلال كتابه «جماليات الإبداع عند صلاح جاهين» ويطرح من خلاله، بانوراما لثراء الإنجاز الأدبى لدى جاهين فى الشعر. بدأ «جاهين» حياته العملية فى جريدة «بنت النيل»، ثم جريدة «التحرير»، وذاع صيته كرسام للكاريكاتير فى مجلة «روز اليوسف»، ثم فى مجلة «صباح الخير» التى شارك فى تأسيسها عام 1957، وحظيت شخصياته الكاريكاتيرية مثل «قيس وليلى» و"قهوة النشاط" و «الفهامة "بشهرة واسعة". ألف جاهين ما يزيد على 161 قصيدة، وكان ديوان كلمة سلام» هو ديوانه الأول، وصدر عام 1955، ويعد «موال عشان القنال» و «قصاقيص ورق» من أشهر دواوينه ، كما يعتبر أوبريت الليلة الكبيرة له أشهر أوبريت للعرائس فى مصر. مارس چاهين فى السينما، الإنتاج و التأليف و التمثيل، فأنتج عدة أفلام، منها «أميرة حبى أنا «و «عودة الابن الضال»، كما كتب سيناريو فيلم «خلى بالك من زوزو»، كذلك مارس جاهين التمثيل فى عدة أعمال اهمها «اللص والكلاب» 1962 . توفى جاهين فى ال21 من إبريل 1986، عن عمر ناهر ال 55، تاركًا من المؤلفات ما له نفس الآثر الذى اعتاد إحداثه فى النفوس.