النظام السوري يجيد لعبة استهلاك الوقت، والتفاوض العقيم لتمويت أي قضية، وإنهاك الطرف الآخر دون أن يقدم أي تنازل مفيد. هذا ما يفعله مع الجامعة العربية منذ بدأت تتدخل لحل الأزمة. لكن الأزمة لم تحل، وسفك الدماء مستمر، والضحايا في تزايد، وحتى بعد توقيع النظام على بروتوكول المراقبين، وذهاب المراقبين إلى سوريا فإن عدد القتلى يتزايد، كأنه يقول للعرب: مبادرتكم، ومراقبوكم لن يغيروا من نهج العنف شيئاً حتى يخضع الشعب. النظام وقع البروتوكول كمناورة جديدة لاستهلاك المزيد من الوقت، وإحباط تلويح الجامعة بنقل الملف إلى مجلس الأمن، وما أظن أن الجامعة كانت جادة في هذا التلويح، فهناك أطراف داخلها جاهزة لإفشال أي خطوة جادة لأنها متواطئة مع دمشق وتريد للربيع العربي أن ينكسر ولا يستكمل طريقه. ماذا فعلت الجامعة للشعب السوري على الأرض من مبادرتها ومراقبيها وعقوباتها؟ .لا شيء، بل إن النظام يزداد شراسة في قمع شعبه، فهو يضاعف العقاب ليقول للشعب الثائر ضده: لا العرب، أو العجم قادرون على فعل أي شيء لك، ولا مناص من الرضوخ، والشعب ليس بوارد الرضوخ. وهذا هو المدهش في الثورة السورية التي تجاوزت عشرة أشهر الآن وما زالت مشتعلة حيث تواجه نظاماً أمنياً شرساً وتقدم يومياً أعظم التضحيات من الأرواح البريئة. النظام لعب مع العرب لعبته التي يجيدها وهي الدخول في مفاوضات وتفاصيل جدلية مرهقة بشأن المبادرة والمراقبين، وقد استمر النقاش غير المفيد والأخذ والرد لأكثر من شهرين دون جدوى، ودون توقف آلة القتل الوحشية. وهذا البروتوكول لن يوقف نهر الدماء، فهو جزء من لعبة شراء، وهو يتأكد على الأرض اليوم. هل العرب جادون في حماية الشعب السوري ؟. إذا كانوا كذلك فلينقلوا الملف إلى مجلس الأمن، وهم لديهم غطاء من "منظمة التعاون الإسلامي" التي أيدت الجهود والقرارات العربية، وهنا سيكون المجلس في موقف ضاغط عليه أمام أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية تطلب حماية شعب عربي ومسلم من الذبح اليومي على أيدي كتائب الأسد. ندرك أن هناك عواصم عربية متواطئة مع النظام السوري وما زالت توفر الغطاء لمماطلاته، وتلتمس له الأعذار، وتعيق أي محاولات لخطوات جادة لإنقاذ المدنيين، مثل بغداد وبيروت، وهما ضمن المحور الإيراني السوري، وكذلك الجزائر التي قمع عسكرها الديمقراطية وتخشى من وصول الربيع العربي إليها، ونظامها لا يعمل على تلافي رياح التغيير بإطلاق مبادرة إصلاحية حقيقية على غرار ما فعله الجار المغربي الذي قدم لشعبه حزمة إصلاحات مهمة جنبته الثورة وتداعياتها، ومع هؤلاء عسكر السودان. ومن المؤسف أن مواقف أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي تبدو غير مفهومة، فالعقوبات ومهما كانت مشددة لن تسقط نظاماً محمياً ومدعوماً جيداً من حلفائه. الغرب تراه يوماً جاداً في الإقدام على خطوات لإضعاف ذلك النظام، وفي اليوم التالي تجده متراجعاً محبطاً، وتحزن لأنه غير قادر على إقناع روسيا والصين بعدم تكرار استخدام الفيتو بمجلس الأمن. أمريكا أوباما باتت ضعيفة وهي اعترفت على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأنها غير قادرة على التأثير على النظام السوري، كما أنها فشلت حتى اليوم في إقناع روسيا بالانضمام للجهد الدولي للضغط على دمشق لإيقاف آلة القتل. هل فعلاً القوى العالمية الكبرى وعلى رأسها أمريكا عاجزة أمام ذلك النظام المتخلف وحلفائه من الطغاة ؟، أم أنها لا تريد إسقاطه، إنما إضعافه لفرض شروطها عليه، أم إطالة أمد الأزمة لاستنزافه حتى يتهاوى ؟. الأمر محير، لكن ماذا عن شعب أعزل يواجه آلة عسكرية ضخمة كما حصل في ليبيا في لعبة الحسابات الدولية المعقدة الانتهازية؟. نظام الأسد يدخل العرب في متاهات الخطة العربية والعقوبات غير الفاعلة، ولنتذكر أن العقوبات الدولية المشددة على نظام صدام لم تضعفه، إنما أضعفت الشعب العراقي، ولم يسقط النظام في النهاية إلا بالقوة العسكرية المباشرة، وما حصل في ليبيا أيضا منذ أشهر قليلة كان هو الحل الوحيد لإسقاط نظام يرتكب مجازر ضد شعبه. هذه الأنظمة الاستبدادية لا تزول بسهولة، ولا تتخلى عن الحكم احتراماً لإرادة شعوبها، فالشعوب لا قيمة لها عندها، والحرية تستحق الدماء التي تبذل فيها كما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن والآن في سوريا. التوقيع على بروتوكول المراقبين مجرد عملية شكلية لا تعني أن النظام سينفذ بنود الخطة كاملة بسحب الجيش من المدن وإيقاف القتل وإطلاق المعتقلين والسماح بدخول الإعلام المستقل وإلى آخر البنود. واضح أن العرب والغرب لن يقدموا الكثير للشعب السوري الذي لم يعد أمامه إلا مواصلة ثورته بنفسه، ونجاحها في تحقيق هدفها الفترة المقبلة هو بتوحد المعارضة كلها في الداخل والخارج على هدف واحد، واتساع الثورة أفقياً ورأسياً في كل المدن السورية وعلى رأسها دمشق وحلب. لا يجب التعويل كثيراً على الخارج فالغرب يتحدث أكثر مما يفعل بينما يسقط الشهداء كل يوم برصاص كتائب الأسد وبالتعذيب في المعتقلات وبالتشريد والتجويع والتخويف والقمع الفاشي. هذا النظام غير أمين على شعبه حيث يقتله بدل أن يحميه، وقضيته عادلة وهي الحرية والديمقراطية، وقد أصبحت العملية صراع إرادات بين هذا النظام ومعه حلفاؤه إيران والعراق وحزب الله وروسيا والصين، والطرف الآخر وهو الشعب ومن يتعاطف معه من العرب والأتراك والغرب لكنهم ليسوا بنفس قدرة الدعم والإسناد للسوريين بقدر ما يفعل حلفاء النظام له. الطغاة أكثر إخلاصاً لبعضهم بعضاً.