فيما اعتبر ضربة قوية لمزاعم نظام بشار الأسد حول تورط القاعدة في تفجيرى الموقعين الأمنيين في دمشق في 23 ديسمبر، خرج رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي على الملأ فى 28 ديسمبر ليؤكد عدم وجود أدلة حول وجود التنظيم فى بلدة عرسال الواقعة بمنطقة وادى البقاع شرقي البلاد والقريبة من الحدود مع سوريا. وأضاف ميقاتى فى تصريحات للصحفيين فى بيروت أن الجيش اللبناني كان دخل بلدة عرسال ليل 21 نوفمبر الماضي، بناء على معلومة عن وجود شخص فى البلدة ربما مرتبط بتنظيم "إرهابى" دولي. وأشار إلى عدم وجود معلومات عن وجود جماعات منظمة أو تنظيم معين، وأكد أيضا غياب أدلة ثابتة حول وجود تنظيم القاعدة في عرسال، قائلا إن الأجهزة الأمنية التي كلفت بالتدقيق في المعلومات ستحمل إلى اللبنانيين الخبر اليقين. وتابع ميقاتي "لقد باتت كلمة القاعدة توصيفا عاما يطلق بمناسبة أو من دونها، والحديث عن وجود معلومات لا يعني أنها باتت حقيقة قائمة"، واعتبر أنه "لا يجوز التعاطي مع هذا الموضوع الحساس والدقيق على نحو يضر بلبنان". وفيما اعتبر نفيا ضمنيا لتصريحات وزير الدفاع اللبناني فايز غصن حول تسلل عناصر من القاعدة من عرسال إلى سوريا، أضاف ميقاتي " غضن قال إن لديه بعض المعلومات حول وجود القاعدة في عرسال من دون وجود أدلة كاملة، وشرح لمجموعة من الضباط المعطيات التي لديه وطلب اتخاذ التدابير اللازمة لئلا يكون لبنان قاعدة لانطلاق أي عمليات مسلحة". واعتبر ميقاتي أن الموقف اللبناني حيال الأحداث التي تشهدها دول عربية شقيقة، هو الموقف السليم الذي يُبقي لبنان بعيدا عن تداعيات ما يحصل، مشيرا إلى أن بلاده دعت منذ البداية إلى نبذ العنف والاقتتال وسفك الدماء، من أي جهة كانت، واعتماد الحوار الوطني الشامل والمتكافئ والموضوعي، سبيلا للولوج إلى الإصلاح المنشود. ورغم أن تصريحات رئيس الحكومة اللبنانية السابقة تأتي في إطار السعي لامتصاص الغضب داخل بلاده على إثر تصريحات غصن، إلا أنها جاءت في توقيت مناسب تماما لإجهاض مزاعم نظام الأسد وحلفائه في الخارج حول أن الحكومة السورية تواجه حملة من مسلحين وجماعات تصفها ب "الإرهابية". وكان وزير الدفاع اللبناني فايز غصن أعلن في 26 ديسمبر عن تسلل عناصر من القاعدة من لبنان إلى سوريا عبر بلدة عرسال الحدودية، الأمر الذي رجح وجود مؤامرة جديدة لاجهاض مهمة بعثة المراقبين العرب وتجميل صورة نظام بشار الأسد عبر دعم مزاعمه بتورط القاعدة في تفجيري الموقعين الأمنيين في دمشق . ولعل ردود الأفعال الغاضبة على تصريحات غضن تدعم صحة ما سبق، حيث وصف عضو كتلة تيار المستقبل في البرلمان اللبناني خالد الضاهر تصريح وزير الدفاع بشأن وجود عناصر من تنظيم القاعدة في بلدة "عرسال" بمحافظة بسهل البقاع شمال شرق لبنان على الحدود مع سوريا بأنه يتلاقى مع مصلحة نظام الأسد. واعتبر الضاهر أن تصريحات غصن تفتقر إلى المصداقية والإثباتات وتعبر عن عدم مسئولية واستهانة بمصلحة البلاد ، متهما وزير الدفاع ومسئولين آخرين بأنهم يفضلون مصالح النظام السوري على حساب لبنان وأنهم يرغبون في زج الجيش اللبناني بأمور معينة، للإيقاع بينه وبين فريق من اللبنانيين من أجل مصلحة بشار الأسد. وفيما أكد الضاهر أن الأسلحة التي يتم تهريبها من لبنان إلى سوريا هي أسلحة إيرانية سبق لحزب الله أن سلمها إلى حلفائه في مدينة طرابلس بشمال لبنان ، سارع غصن للدفاع عن موقفه وقال إن ما سبق وأعلنه عن تسلل عناصر من القاعدة لم يكن من قبيل التكهن والاستنتاج وإنما نتيجة لمعلومات توافرت لديه، مشيرا إلى أنه رأى أن من المفيد إطلاع الرأي العام عليها في محاولة للتنبيه إلى خطورتها على لبنان وأمنه واستقراره ولوضع الجميع أمام مسئولياتهم الوطنية. واللافت للانتباه أن الأمر لم يقف عند تصريحات غصن، حيث حذرت تقارير صحفية روسية في 26 ديسمبر أيضا من احتمال قيام منشقين عن نظام الأسد بشن اعتداءات على أعضاء بعثة مراقبي الجامعة العربية بهدف إحراج دمشق إقليميا ودوليا وتشويه صورتها. وذكرت وكالة "نوفوستي" أن المخابرات الروسية وجهت تحذيرات إلى سوريا حول وجود اختراقات في الجيش وأجهزة الأمن التابعة لنظام الأسد، بالإضافة إلى وجود انشقاقات واسعة غير معلنة في صفوف الضباط والمسئولين السوريين. ونقلت الوكالة عن مصدر مطلع في موسكو قوله: "إن المخابرات الروسية سلمت تقريرا إلى دمشق يتضمن معلومات عن اختراقات أمنية وتحذيرات بشأن عمليات إرهابية ستقوم بها جهات أمنية سورية (مخترقة) ضد أعضاء بعثة المراقبين العرب بهدف توريط دمشق في اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وقمع المحتجين وارتكاب جرائم حرب". ولعل مزاعم الصحف السورية حول المجزرة التي ارتكبها النظام في حمص قبل ساعات من نشر فرق المراقبين العرب تكشف أيضا أبعاد المؤامرة الجديدة التي يخطط لها الأسد بدعم من حلفائه في الخارج، حيث ذكرت صحيفة "تشرين" الحكومية أن السلطات الأمنية المختصة مدعومة بعناصر من وحدات الجيش لاحقت المسلحين في أحياء بابا عمرو وبساتين السلطانية وجوبر وتل الشور من مدينة حمص ردا على إطلاق أهالى حماة دعوات إلى إضراب عام يستمر حتى ما بعد عطلة رأس السنة الميلادية،مشيرة إلى مقتل وإصابة أعداد كبيرة من المسلحين الذين أطلقوا على أنفسهم كتائب الفاروق. ويبدو أن نظام الأسد لم يستفد شيئا من درس العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، حيث رجح كثيرون أنه لجأ مجددا لفزاعة القاعدة لكسب مزيد من الوقت وإفشال مهمة بعثة المراقبين العرب قبل أن تبدأ. ففي تعليقها على الانفجارين اللذين استهدفا مبنى للمخابرات العامة وآخر للقيادة الأمنية في دمشق في 23 ديسمبر وأسفرا عن مقتل وإصابة العشرات، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن هذا التطور عزز الشكوك حول قدرة فريق المراقبة التابع لجامعة الدول العربية الذى وصل إلى دمشق على وقف مجازر نظام الأسد. وأضافت الصحيفة أن نظام الأسد أنحى باللائمة على تنظيم القاعدة وهو زعم شككت فيه المعارضة السورية والحكومات ووكالات المخابرات فى الغرب على حد سواء، قائلة :" بغض النظر عن الذى نفذ هذه الهجمات، غير أنها مثلت نهاية لأسبوع هو بالفعل الأكثر دموية منذ بداية الانتفاضة ضد الأسد في مارس الماضي، وفى نفس الوقت مثلت هذه الهجمات لطمة على وجه المراقبين من جامعة الدول العربية الذين وصلوا إلى دمشق للضغط على السلطات السورية لوقف الهجمات على قوات المعارضة. وانتهت إلى القول:"إن الأسد وجه اللوم فى الانتفاضة على المتشددين والأجانب والعصابات المسلحة وبعد هجمات الجمعة الموافق 23 ديسمبر، سارعت الحكومة السورية إلى مصاحبة فريق المراقبة العربي زاعمة أن الهجمات تؤيد ما قالته مسبقا وهى أنها المسألة كلها مسألة فوضى لا انتفاضة شعبية". ولعل مسارعة السلطات السورية إلى اتهام القاعدة قبل إجراء تحقيق ترجح صحة ما ذهبت إليه صحيفة "واشنطن بوست" حول المسرحية الجديدة التي استقبل بها الأسد بعثة المراقبين العرب، حيث حمل التليفزيون الرسمي السوري تنظيم القاعدة المسئولية عن مقتل أكثر من أربعين شخصا، وإصابة أكثر من 150 آخرين بهجوم مزدوج على موقعين أمنيين بالعاصمة دمشق في 23 ديسمبر. بل واتهم المجلس الوطني السوري المعارض نظام الأسد بتدبير هجمات 23 ديسمبر، وقال المجلس في بيان له :"إن النظام السوري وحده يتحمل المسئولية المباشرة عن التفجيرين الإرهابيين مع أجهزته الأمنية الدموية التي أرادت أن توجه رسالة تحذير للمراقبين العرب بعدم الاقتراب من المقرات الأمنية وأخرى للعالم بأن النظام يواجه خطرا خارجيا وليس ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة". وأضاف البيان " التفجيران اللذان حدثا في وقت متقارب تزامنا مع بدء وصول المراقبين العرب للكشف عن جرائم النظام وعمليات القتل التي يقوم بها بحق المدنيين والمتظاهرين السلميين في سوريا". كما أشار المجلس الوطني إلى أن ضحايا التفجيرين من المعتقلين الذين نقلهم نظام الأسد إلى مقرات عسكرية محصنة قبل وصول بعثة المراقبين العرب ، موضحا أن النظام قام أيضا بتحذير الأطباء والعاملين في المشافي من الإدلاء بأي تصريحات للمراقبين العرب،ومحاولة إخفاء أي آثار تدل على حدوث عمليات قتل أو تعذيب أو مقابر جماعية. وتابع البيان " الشهداء الذين سقطوا يوم الجمعة الموافق 23 ديسمبر هم جزء من ثمن الحرية الذي يدفعه السوريون للتخلص من نظام الاستبداد والجريمة، وسيحاسب الذين ارتكبوا تلك الأعمال أمام العدالة، ولن يجدي النظام نفعا أي محاولة للتغطية على جرائمه"، متهما نظام الأسد بالتخطيط لارتكاب مزيد من عمليات التفجير في سوريا بهدف إشاعة أجواء من الرعب والفوضى، ومنع المراقبين العرب من الوصول إلى الحقائق التي باتت معروفة لدى الجميع. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن وفد المراقبين العرب سيواجه الفشل تماما لأن نظام الأسد لن يسهل مهمته ووافق على البروتوكول فقط لكسب الوقت، ولذا لم يكن مستغربا أن يطلق عليه المحتجون السوريون "بروتوكول الموت".