الحياة داخل السجون خليط غريب من الحزن والفرح.. الندم والأمل.. البكاء والضحك.. فلحظات الحزن يتخللها أيضًا لحظات فرح عند استقبال النزلاء لأسرهم.. هكذا يعيش 927 سجينًا يبعدون آلاف الأميال عن أسرهم.. معظمهم نادمون على ما فعلوه... يشتاقون لذويهم، و«يحسبون» الأيام الباقية لهم فى السجن وينتظرون بشوق اليوم الذى يستعيدون فيه حريتهم... وداخل السجن قد ينكسر البعض، لكن آخرين يحولون محنة السجن إلى منحة ربانية، قد تكون مصدر فخر لكل من حولهم ومثالًا يحتذى به، وهذا ما حاول نزلاء سجن «المرج» القيام به من أجل محو وصمة العار التى وصمها بهم السجن... فى سجن المرج آلاف الحكايات والأسرار التى يحملها النزلاء منهم من يعيش حياته بشكل طبيعى داخل السجن ولم تؤثر فيه التجربة، ومنهم من يعيش فى جحيم لا يحتمل.. عذاب البعاد عن العائلة من ناحية، وعذاب الضمير والخوف من الله من ناحية أخرى ويتطلع الجميع إلى يوم جديد يفتح فيه صفحة جديدة مع الحياة.. صفحة بيضاء.. الخير يملأ سطورها.. والتوبة تزين حروفها..! الصورة داخل سجن المرج تختلف كثيراً عن صورة السجون الراسخة فى أذهان الكثيرين فمعظم النزلاء تأقلموا على الحياة فى السجن، ويعملون فى حرف مختلفة لتنمية مهارتهم حتى صاروا يأكلون من عرق جبينهم... هناك مشروعات الانتاج الزراعى التى تعد أحد أساليب تأهيل المسجونين وتعليمهم حرفة تساعدهم على مواجهة متطلبات المعيشة داخل السجن وعقب الإفراج عنهم... ويتنوع الانتاج الزراعى ليشمل «فاكهة، محاصيل، خضروات» تغطى بعضاً من احتياجات السجون... وقد اتضح لنا حرص قطاع مصلحة السجون على تطوير وتحديث المنتجات سواء من الأثاث الخشبى المصنع من أجود الأخشاب الطبيعية أو الأثاث المعدنى. وفى السجون مصانع، وتحديداً مصنع إنتاج الحلاوة الطحينية ويعمل فيه عدد كبير من السجناء الذين نجحوا فى استثمار طاقاتهم بما يعود عليهم بالخبرة والنفع المادى. ولقد امتد التطوير ليشمل عنابر الإيواء حيث بدا واضحا علامات التحديث فى قاعات الطعام وكذلك المخابز والمطابخ التى تعد وجبات الطعام.. أما بالنسبة للرعاية الاجتماعية فهى تمتد خارج نطاق النزلاء لتشمل أسرهم خارج الأسوار ما بين معاشات ومساعدات لأسرهم وكذلك معاشات لأبناء النزلاء حيث بلغ عدد الحالات المستحقة 19652 حالة. حكايات نسائية من خلف القضبان حكايات السجينات فى سجن المرج شديدة الإثارة، وجميعهن جئن من سجن القناطر لعرض بعض المشغولات اليدوية، استطعن بذكاء تنمية مهاراتهن فى السجن.. تميزت تلك النساء فى «شغل» المفروشات وأغطية السرائر التى تدر عليهن مبالغ وفيرة.. هذا ما أكدته لنا «بطة» أقدم نزيلة فى السجن، تم حبسها فى قضية أموال عامة منذ ما يقرب من 10 سنوات وهى تعد بمثابة أم لكل السجينات، كانت تقف بجوارها «عبير» وهى متهمة بالتحريض على القتل بغرض السرقة، تحكى لنا «عبير» عن مساعدة «أم السجينات» لها وتقديمها الدعم لها حتى تمكنت من أن تحصل على ماجستير فى المحاسبة من السجن حتى تثبت لنفسها أولاً وللجميع أنها ليست مجرمة بطبيعتها.. جاءت نزيلات سجن القناطر لعرض مشغولاتهن اليدوية التى سهرن ليالي طويلة فى صنعها.. كل أملهن هو تغيير نظرة المجتمع لهن وأن يتقبلهن من جديد. «فهمي»: دخلت السجن وكلي عار وسأخرج فخورًا بنفسي يقف «فهمي السعيد» في مصنع الحلاوة الطحينية، فخورًا بأنه تعلم صناعة الحلوى، ويقول: لقد جئت إلى هنا بسبب غيابي عن أداء الخدمة العسكرية، وقد تعلمت في السجن كيفية صنع الحلاوة الطحينية ولقد جئت إلى هنا وأنا أشعر بالخزي لما ارتكبته لكنني الآن فخور بتعلمي تلك الصنعة.. ويأتي أهلي لزيارتي باستمرار وأشتاق إليهم كثيرا وأريد أن أوجه رسالة إلى كل فرد أن يتقي الله ويفكر جيداً قبل أن يقوم بعمل يمكن أن يندم عليه لاحقاً. عبد الحليم: تعلمت «صنعة» للمستقبل تم سجنه منذ 3 سنوات فى قضية أموال عامة – متزوج ولديه 3 أطفال، تمكن خلال فترة سجنه من الحصول على شهادة تقدير بعد أن أدى بنجاح دورة تدريبية فى قسم «الكريتال».... يقول عبد الحليم أحمد: لقد تعلمت الصنعة فى السجن ومش ممكن أرجع للحرام تانى... لقد دفعت ثمن أخطائى غاليا وأصبحت مستعدا الآن الى أن أبدأ من جديد عند خروجى من السجن...ويكفى السنوات التى قضيتها بعيدا عن أطفالى... فقلبى يتمزق كلما جاءوا الى زيارتى ويروننى فى بدلة السجن...وان شاء الله أعوضهم عن كل هذا عند خروجى. وأكد «عبد الحليم»: ان ادارة السجن ساعدتنى على اتقان تلك الصنعة التى أحدثت تغييرا حقيقيا فى حياتى...ويضيف «عبد الحليم» أنه يضع شهادة التقدير التى حصل عليها بجوار فراشه وهو يفتخر بها كثيرا وينوى أن يستكمل العمل فى هذا المجال عند خروجه من السجن. «ناصر»: نادم على ما فعلت.. وعندما أخرج سأُقبِّل أقدام أولادى ناصر يوسف – سجيناً منذ 6 أشهر وكان يعمل كسائق فى هيئة النقل العام وبسبب تدخله فى إحدى المشاجرات قادته إلى السجن.. وهو لديه طفلان: ولد وبنت.. ويقول المرة الأولى التى أبعد فيها عن أطفالى ثم انهمرت الدموع من عينيه وهو يتذكر أطفاله ويقول: الألم يعتصر قلبى حزنًا على كل ليلة أقضيها بعيداً عن أطفالى.. وعند خروجى سوف أقبل أيديهم وأرجلهم حتى يغفروا لى بعدى عنهم طوال هذه المدة. ويؤكد «ناصر» لقد تعلمت الدرس ولن أخوض أية مشاجرات مجددًا حتى لا يدفع أطفالى الثمن. «نصر»: ابنتى لم تزرنى منذ 11 عاماً! كان يجلس مهموماً حزيناً «نصر بهنسى» سجيناً منذ 11 سنة فى قضية تزوير وأموال عامة، زوجته متوفية ولديه ابنة واحدة قام بتزويجها قبل دخوله السجن.. وقد حرم نفسه من كل شىء من أجل ابنته التى فقدت أمها منذ أن كان عمرها سنتين.. وبالرغم من ذلك لم تأت ابنته أبداً لزيارته منذ أن تم سجنه، كما أن لديه 10 إخوة ولا يسأل أي منهم عنه إلا مرة واحدة فى السنة وقد منعوا ابنته عن زيارته خوفًا على حياتها الزوجية.. ويقول «نصر» وكلماته تقطر ألمًا ومرارة: كل ما أتمناه أن أرى ابنتى وأحفادها الأربعة.. وربنا يصبرنى على فراقها.. نفسى أشوفها ولو مرة واحدة قبل أن أموت فهى كل ما تبقى لى فى الدنيا. «مصطفى»: تُبت عن الحرام ولفت نظرى رجل مسن، مصطفى كامل – سجينًا منذ 9 سنوات فى قضية مخدرات – يقول وعلامات الحزن تكسو ملامح وجهه: لقد تغيرت حياتى فى السجن وأصبحت أكثر تدينًا، وأشعر بالندم على ما فعلت.. كنت أعمل فى محطة بنزين ولكن الشيطان لعب برأسى وقد دفعت الثمن غاليًا من حريتى وحرمانى من أولادى الخمسة.. وهم يأتون من محافظة «الشرقية» لزيارتى ولكن فى فترات متباعدة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر.. وبالرغم من قيام مصلحة السجون بإرسال مبلغ 700 جنيه شهرياً إلا أن تكلفة الزيارة باهظة بالنسبة إليهم.. ويقول «مصطفى» والدموع فى عينيه: أنا عارف إن ولادى مش ممكن يتأخروا عن زيارتى ولكن غصب عنهم.. نفسى أشوفهم وأضمهم الى صدرى وأخذ مصطفى يردد قبل أن نتركه كلمات تقطر ألماً: أنا تبت خلاص عن الحرام ومش ممكن أرجع له تانى. محمود: أحسن من الحلال مافيش محمود عبد الله – يعمل حداداً – متزوج وعنده طفلتان يقول أشعر بالسعادة لأننى أكسب الآن من عرق جبينى وأحصل على يومية 7 جنيهات بما يعادل 210 جنيهات شهريا... ويتم وضعها لى فى الأمانات...ويضيف محمود: مافيش أحسن من الحلال...ولن أدخل بيتى «فلوس» حرام تانى بعد أن ذقت ثمن الحلال. ونفسى بناتى يسامحونى.....