عرفت مصر الدعم السلعى للمرة الأولى فى أربعينات القرن الماضى إبان الأزمة الاقتصادية العالمية، ومن وقتها وحتى يومنا هذا والحكومات تعتبر هذا النوع من الدعم التزاما منها ناحية الشعب، فى حين يعتبره الشعب حقا أصيلا له، إلا أن هذه المنظومة ورغم التطور الكبير الذى حدث لها خلال السنوات الثلاث الماضية، أصبح الفساد هو العنوان المثالى لها، فمع تطور المنظومة تطور الفساد، ولم يعد الأمر قاصرا على سرقة جرامات من الزيت أو السكر أو الأرز كما كان يحدث من قبل، ولكنه أصبح فساداً بالمليارات تتحمله خزينة الدولة، بينما يعانى المواطن الفقير للحصول على حقه فى السلع التموينية، أو يقضى ساعات وأياماً أمام مكاتب التموين للحصول على بطاقة «الحياة» الذكية التى تمده ببعض احتياجاته من السلع التموينية والخبز، بينما التهم الفاسدون فى شركة البطاقات الذكية –قبل تحويل المنظومة لوزارة الإنتاج الحربى– بمشاركة بعض العاملين فى التموين ما يقرب من 500 مليون جنيه لإصدار بطاقات بأسماء وهمية وحصلوا على السلع التموينية بدلاً منهم، كل هذا الفساد أهدر حقوق الفقراء وأضاع على الدولة مليارات الجنيهات. منذ سنوات طويلة والفساد هو المسيطر على منظومة الدعم السلعى، بدءاً من السلع الرديئة التى كان التجار يوردونها للحكومة لتوزيعها على الشعب، حيث كان زيت التموين معروفاً برائحته الكريهة والسوس والحشرات أكثر من الأرز الموجود فى الأكياس، ولما تبنى وزير التموين الأسبق الدكتور باسم عودة مبادرة أفضل منتج لأكرم شعب، تحسنت نوعية المنتجات التى تقدم ضمن السلع التموينية إلى حد كبير، ولكن منظومة الفساد لم تنته، حيث كان المواطن يحصل على سلع محددة ويبيع ما زاد على احتياجاته منها فى السوق السوداء التى أصبحت منتشرة فى كل مكان، وبعد تغيير المنظومة وتعميم العمل بنظام البطاقات الذكية، التى صحبها استبدال كميات السلع بمبلغ ثابت بدأ ب15 جنيهاً لكل فرد ووصل إلى 18 جنيهاً هذا العام، ولكن هذا النظام شهد بداية لمرحلة أكبر من الفساد، فمنظومة السلع التموينية التى تكلف الدولة حوالى 38 مليار جنيها سنوياً، تبين أن الفساد يلتهم جزءاً كبيراً منها خاصة أن الإحصاءات تؤكد عدم وجود قاعدة بيانات حقيقية بمستحقى الدعم فى مصر، وبذلك تم إصدار ما يقرب من 20 مليون بطاقة ذكية يستفيد منها حوالى 70 مليون مواطن، وهو رقم أكبر بكثير من عدد الفقراء فى مصر الذى يقدره الجهاز المركزى للمحاسبات ب26.3 مليون مواطن فقط، هذا فى الوقت الذى أكدت فيه إحصاءات مجلس الوزراء ودعم اتخاذ القرار أنه فى حين يستفيد 75% من الفقراء فى مصر من الدعم السلعى، فإن هناك 48% من الأغنياء يشاركونهم فيه، وهو ما قدرته وزارة التموين بحوالى 25 مليون مواطن، ومع ذلك ونتيجة لعدم وجود قاعدة بيانات واضحة للمصريين لم يستطع أحد الاقتراب منهم، رغم الأحاديث المطولة عن تنقية البطاقات الذكية. جدير بالذكر أن الأمر لا يقتصر على الأغنياء فقط فالموتى أيضاً يشاركون الفقراء طعامهم، حيث تشير الإحصاءات إلى عدم تنقية البطاقات من حوالى 10 ملايين مواطن منهم من سافر خارج البلاد ومنهم من انتقل إلى رحمة الله، ومع ذلك يحصلون على المقررات التموينية. وأوجه الفساد متعددة منها ما كشفه اللواء حسنى زكى رئيس الإدارة العامة لمباحث التموين فى شهر مايو الماضى حينما أشار إلى أنه تم تحرير 210 قضايا وصلت المبالغ المستولى عليها فيها إلى 22 مليوناً و738 ألف جنيه من خلال التلاعب فى نظام البطاقات لذكية، قبلها بأشهر قليلة كان قد تم الكشف عن واحدة من أكبر قضايا الفساد فى السلع التموينية حينما ضبطت مباحث التموين العضو المنتدب لشركة سمارت التى كانت مسئولة عن إصدار البطاقات الذكية ومديرى العمليات والشئون المالية بالشركة لقيامهم بالاستيلاء على 209 ملايين جنيه من أموال الدولة عن طريق إصدار 3 آلاف بطاقة ذكية بأسماء وهمية، بالتعاون مع بعض البقالين المحتالين وموظفى مكاتب التموين الفاسدين، وتكشف إحصاءات مباحث التموين أن حجم الفساد بسبب التلاعب فى البطاقات التموينية كلف الدولة حوالى 500 مليون جنيه خلال 6 أشهر فقط. ويكشف الدكتور نادر نورالدين الأستاذ بجامعة القاهرة ومستشار هيئة السلع التموينية الأسبق عن انتشار منظومة الفساد فى السلع التموينية منذ أسند الدكتور خالد حنفى وزير التموين السابق كروت المنظومة لشركة قطاع خاص حيث يعد هذا إخلالاً بالأمن القومى بحصول شركة خاصة على معلومات كاملة عن الشعب المصرى بدلاً من إسنادها لإحدى الوزارات المصرية كالإنتاج الحربى مثلما حدث بعد ذلك، أو أحد البنوك الوطنية، كما أن هذا الإجراء أدى لحدوث سرقات واتفاق بين بعض موظفى الشركة وأصحاب المخابز والبقالين لسرقة أموال الدولة، حتى إن الثلاثة موظفين العاملين بشركة الكروت الذين تم إلقاء القبض عليهم تبين زيادة أرصدتهم فى البنوك بمبلغ 12 مليون جنيه فى شهر واحد. وأضاف أن المنظومة شابها الكثير من الخلل حيث كانت كروت الخبز والسلع تباع ب100 جنيه للكارت بينما لا يستطيع المواطن الفقير الذى يستحق الدعم فعلاً استخراج الكارت الخاص به. كذلك فإن ما صحب المنظومة من استبدال لكمية السلع الأساسية بمبلغ 15 جنيهاً أولا، يشترى بها المواطن سلعاً غير أساسية مثل مساحيق الغسيل وحفاضات الأطفال والتونة، فالغرض من هذا كان تحقيق أرباح للتجار وتسويق البضائع الراكدة لديهم، هذا بالإضافة إلى قيام الوزارة بإضافة المواليد دون تنقية البطاقات حتى أصبح عدد المستفيدين من السلع التموينية 73 مليون مواطن أى حوالى 90%من الشعب المصرى، وهو أمر غير منطقى فإذا افترضنا أن من يستحقون الدعم فى مصر حوالى 50% من عدد السكان وهم الفقراء والطبقة المتوسطة، فبذلك يتراوح العدد بين 45 مليوناً إلى 50 مليون مواطن على الأكثر، وبذلك يكون هناك ما يقرب من 25 مليون مواطن يحصلون على الدعم بدون وجه حق وهذا إهدار للمال العام كان يجب محاسبة الوزير عليه، خاصة أنه ليس من المنطقى أن يحصل قضاة وضباط جيش وشرطة ودبلوماسيون وأساتذة جامعات على الدعم. ويطالب الدكتور نادر بضرورة العمل على إصلاح هذه المنظومة وذلك من خلال إعادة النظر فى أعداد المستفيدين منها بحيث لا يزيد عددهم على 50 مليون مواطن، على أن يوجه فارق الدعم الذى سيتم توفيره لتنمية القرى الأكثر فقراً فى الصعيد التى تصل نسبة الفقر فيها إلى 57%، مع ضرورة إعادة توجيه الدعم للسلع الأساسية فقط مثل الزيت والسكر والأرز والخبز، ويمكن إضافة المسلى وبعض المنتجات الأساسية دون السلع الأخرى التى لا يستفيد منها سوى التجار فقط.