بعد قيام الثورة التونسية وهروب الرئيس بن على كتبت هنا متوقعا استحالة قيام ثورة مماثلة فى مصر، وسبب تشاؤمى هذا لم يكن يعود إلى الشعب المصرى، بل بسبب عدم ثقتى فى قيادات الجيش المصرى وفى النخب المصرية، وأذكر يومها أننى أرجعت نجاح الثورة فى تونس إلى انحياز قيادات الجيش هناك إلى الشعب، ورفضهم مساندة الرئيس بن على، وانحياز الجنرالات فى الجيش التونسى إلى المطالب التى أعلنها الشعب الكادح، واستبعدت تماما فى مقالى هذا، وقد كتبته قبل أيام من قيام الثورة فى مصر، قيام ثورة فى مصر بمعنى ثورة، ولم استبعد خروج بعض المظاهرات، لكننى استبعدت تماما أن ترقى هذه المظاهرات وتصل بالبلاد إلى ثورة، لماذا؟، لأن هذه الثورة تحتاج إلى نخبة نظيفة غير فاسدة لكى تقود وتوجه الثوار، كما تحتاج إلى قيادات عسكرية مخلصة ووطنية تنحاز لمصالح الشعب، ونحن فى مصر آفتنا كانت فى النخب التى كانت ومازال أغلبها يتلون حسب المصلحة، والرئيس مبارك كان للحق ماهرا فى شراء وتدجين وصناعة هذه النخب، وكان نظامه الفاسد محاطا بالعشرات من الكتاب والإعلاميين والسياسيين والصحفيين والفنانين وأساتذة الجامعة وغيرهم من المنافقين، كما كانت أجهزته الأمنية، ومازالت، تقوم بدفع العديد من الأسماء إلى ساحة الضوء والفساد، ولكى لا نظلم نظام مبارك نؤكد أن العديد من الأسماء كانت تتنافس من أجل أن تنال شرف التقرب من المقربين إلى حاشية النظام، وأن العشرات من هذه الأسماء، مازال أغلبها موجودا على الساحة اليوم يعيش فى ثوب الثوار والأحرار، هذه الأسماء كانت تعرض نفسها كالسلع على الأجهزة الأمنية أملا فى رفعها إلى مصاف الحاشية، أرشيف التلفزيون المصرى والفضائيات العربية مليئة بمئات وآلاف التسجيلات التى تشهد بمن كانوا كالخدم للنظام من الإعلاميين والساسة وأساتذة الجامعة والفنانين، والصحف المصرية تحتفظ إلى اليوم بآلاف من النماذج للعشرات من الصحفيين الذين عملوا ومازالوا لصالح النظام أو وزاراته أو أجهزته الأمنية داخل الصحف، وبعض الزملاء بالصحف المصرية يرون بعض القصص عن مواد كانت ترفع من الصفحات قبل نشرها بسبب انتقالها من الجريدة نصا إلى الأجهزة الأمنية أو إلى المسئولين خلال فترة الإعداد، حتى أن بعض الصحفيين الذين تولوا مراكز قيادية كانوا يستشيرون الأجهزة الأمنية التى يتبعونها فى نشر بعض المواد، وقد مررت أنا وغيرى فى الصحف المصرية بتجارب مريرة مع هذه الشخصيات، وأذكر أن أحدهم ألح على فى عدم انتقاد الرئيس مبارك وابنه والسيدة حرمه، كما نبه على عدم انتقاد عمر سليمان وقيادات الجيش المصرى فى مقالاتي. وإذا كانت الصحافة والإعلام والنخب فى مصر على هذا الوضع فما هو المنتظر من قيادات الجيش، كنت على يقين أيامها ان طنطاوى وعنان ومن معهم سوف ينحازون إلى الرئيس مبارك، ويومها قلت هذا الرأى على استحياء، بأننا لا نتوقع قيام ثورة لأن قيادات الجيش لن تنحاز للشعب مثلما حدث فى تونس، فمن المستحيل ان يخرج الشعب بثورة ويخونه النخب وقيادات جيشه لاصطفافهم خلف الحاكم الفاسد، لكن للأسف قيادات الجيش وليس النخب خيبت ظنونى وتوقعى، وانحاز المشير طنطاوى واللواء سامى عنان ومن معهم بعد فترة إلى ثورة الشعب المصرى، لماذا؟، وهل كانوا يستطيعون خيانة الشعب والاصطفاف خلف مبارك؟، هل كانت قيادات الجيش الكبيرة والصغيرة ستسمح للمشير وعنان ومن معهما بمساندة النظام الفاسد؟، أظن أن جميع قيادات الجيش بمن فيهم طنطاوى وعنان كانوا يرغبون فى مساندة نظام مبارك، وأنهم كانوا يرفضون وبشدة فكرة التوريث، وأظن كذلك أنهم كانوا يرغبون فى التغيير تماما مثل الشعب المصرى، لهذا ساندوا الثورة ونجح الشعب فى فرض إرادته، لكن السؤال الذى يفرض نفسه، إذا كانت قيادات الجيش المصرى مع تغيير النظام فلماذا لم تغيره لليوم؟، إذا كانت ضد البطش والقهر وإراقة الدماء لماذا يستخدمون نفس أساليب النظام السابق؟، لماذا استرخصوا لحم بناتنا ونسائنا؟، لماذا استخفوا بدماء أولادنا؟، ما الذى يريده طنطاوى وعنان ومن معهما من مصر؟