«فى ملامحه يتبدى الكثير والكثير من الحزن والقلق، حاول أن يخفى مشاعره، وهمومه كمواطن عادى يعشق تراب وطنه.. تظاهر بالأمل والتفاؤل، ولكن فى نبرة صوته يشعرك بعدم الرضا، لغموض المشهد... يرفض تصدير مشاهد التشاؤم للغير، لأن لديه الثقة فى الخروج من عنق الزجاجة، والانطلاق نحو المستقبل» هكذا انطباعى عن الرجل. 37 دقيقة فقط لم تكن كافية للتفتيش فى تفاصيل الرجل، فلا يرجع الأمر لكونه يحمل خبرة متراكمة اكتسبها من مدارس مختلفة، بل لما يمتلكه من رؤية مدروسة ومنظمة قادرة على التغيير للأفضل. محمود عطا الله الرئيس التنفيذى لبنك الاستثمار «سى آى كابيتال» معروف بتواضعه وسماحته، لدية قدرة على الاستماع، ويسعى دائما لتحقيق المزيد من النجاح. «لم نعمل حساب مين اللى هيدفع العشا والفاتورة لازم تدفع الآن، والتكلفة باهظة، الكل يتحملها، علينا الاعتراف بوجود أزمة والشجاعة فى مواجهتها، فى ظل خطوات واضحة وسريعة».. هكذا المشهد بالنسبة للرجل، فهو لا يبنى تحليله على عشوائية، وانما دراسة متأنية، ليحدد العلاج.. يستقطع الرجل جزءا من وقته ليطلعك على المشهد عن قرب.. فى مكتبه الهادئ يبدو أكثر تركيزا ومراقبا لكل كبيرة وصغيرة للاقتصاد. بدا واقعيا، فالمشهد لديه يحتكم إلى حزمة عريضة من الإجراءات العنيفة، والمتناغمة، والسريعة.. فلا ننتظر علاجا، طالما نفتقر الإجراءات المحفزة للاستثمار المحلى والأجنبى، والبحث عن الأزمة والتعامل معها، بداية الانطلاق والأمل.. يستلهم خبرته الطويلة فى مجاله يقول: «نحتاج حسم مصير قانون الاستثمار الموحد، بشباك واحد للمستثمرين تكون لديه سلطة اتخاذ القرارات السريعة، ألا يتم تغييره لمدة 5 سنوات، وكذلك يجب أن يكون الدعم من وزارة المالية مباشرة، وعدم تحميل بعض الشركات الحكومة حتى تتم محاسبة كل شركة على أدائها، مع وجود سياسة واضحة للدعم، وأيضا يجب الفصل بين الشركات المقدمة للخدمة والمتلقية، وكذلك وضع خطة متوسطة وطويلة الأجل للتخلص من المعوقات الأساسية للاستثمار تتصدرها المحليات والعمل على جذب استثمارات لخلق مناطق صناعية، وتجارية، تخضع لوزارة التجارة والصناعة وبدون الدخول لمشاكل المحليات التى تجعل الاستثمار مستحيلا. وواصل حديثه متسائلا: «هل مقبول أن دول المنطقة تتنافس لإنهاء إجراءات للمستثمرين فى دقائق، بينما نمر نحن بمجموعة طويلة من الإجراءات، رغم أنه ليس لدينا رفاهية الوقت، فلماذا لا نقرأ ونشرع قانونا يجرم تعطيل مصالح المستثمرين، القانون الوحيد الذى يطبق معاقبة المخطئ ودائما الذى يعمل يتعرض للخطأ». للرجل تجاربه المتعددة مع أكثر من مدرسة للاستثمار، ومن وجهة نظره يجب أن تتم تهيئة المناخ للاستثمار المحلى قبل الأجنبى، الذى لن يكون فيه فرق شاسع بين سعرين للصرف، نظرى وواقعى هو المتداول فى السوق السوداء. هل السعر الحالى يعبر عن قيمة الجنيه؟، هكذا تساءل الرجل بصوت مسموع، قبل ان يرد مجيبا أنه لأول مرة نجد أن السياسات النقدية تقود إلى سعر يعبر عن قيمة أقل من القيمة الحقيقية للجنيه، والسياسات النقدية غير واقعية وأوصلتنا إلى مرحلة تحتاج لمجهود كبير لحلها، لابد أن تتضافر الجهود وليس البنك المركزى وحده لإصلاح وضع غير مقبول. أقاطع الرجل قائلا: من السبب؟ومن يدفع فاتورة ما وصلنا اليه هل بالفعل الفقراء دون غيرهم؟ يجيب قائلا: «الكل سوف يشارك فى سداد الفاتورة بصور متفاوتة، وهو أمر فى غاية الصعوبة، ولكن الحقيقة أن الحكومة هى التي وضعتنا فى هذا المأزق، باستخدام كل احتياطات الدولة ومواردها واستنزافها فى الدفاع غير المبرر عن العملة الوطنية». لا يزال الخبراء منقسمين على الأداء فى السياسة المالية، ولكن «عطاالله» له رؤية خاصة ويمنح الحق لأصحابه، ولديه رضاء عن الإصلاحات فى السياسات المالية، ولكن الأهم تطبيق السياسات وتنفيذها بصورة متكاملة، خاصة العمل على خفض الإنفاق الحكومى، والقيمة المضافة الذى يعد إجراء فى الطريق الصحيح، على أن يعقب ذلك تركيز على توسيع الرقعة من الاقتصاد القومى، التى تقوم بدفع ما يستحق عليها من ضرائب، وينطبق على الطبقات الأكثر دخلا يتصدرهم المحامون والأطباء، وكذلك الطبقات الأقل المتعلقة بالاقتصاد غير الرسمى. فى جعبة الرجل مقترحات عديدة للخروج من النفق المظلم اقتصاديا، تتصدرها مطالب مضاعفة مؤقتة للضرائب التصاعدية، بحيث يتم تطبيق 50% من الدخل الذى يزيد على 100 ألف جنيه شهريا، على أن يرتبط بعوامل دستورية، حتى لا يتم الطعن عليها، وألا تزيد علي 5 سنوات، وكذلك العمل على تنفيذ خطة واضحة تتمثل فى إدخال الاقتصاد غير الرسمى فى منظومة الاقتصاد الوطنى وتحميله بنصيبه من الضرائب. للبورصة دور هام فى الاقتصاد، وانشغل الخبراء بشركة «إن آى كابيتال»، إحدى الشركات المملوكة لبنك الاستثمار القومى التابع للدولة - كمستشار للوزارة فى إعداد برنامج الطروحات الحكومية، واعتبروا دورها خاصا ببنوك الاستثمار، إلا أن «عطاالله» له رؤية مخالفة تماما، حيث يرى أن الشركة الحكومية تقوم بدور الوسيط بين بنوك الاستثمار، وسوف يؤدى الطرح إلى الشفافية ومحاسبة المخطئ، ومراقبة المال العام، وسوف تقوم بتغذية البورصة، التى تكاد تفقد وضعها تماما لعدم وجود عمق والافتقار إلى بضاعة تسببت فى إهمال العالم لسوق الأوراق المالية. «عطاالله» يبدو قلقا كثيرا من المشهد، لكن عندما تحدث عن مشروع تنمية محور قناة السويس ارتسمت حالة من الراحة والابتسامة على وجهه، يعتبره أمل الاقتصاد الوطنى فى التقدم، طالما تحدد له خريطة استثمارية وخطة عامة طويلة الأجل تراعى كل الأبعاد والمجالات، والاستعانة بما تمت دراسته فى 2007. لا يزال بخبرته العريضة يراهن على قطاع الخدمات بكل أنواعه، بأنه القادر على قيادة قاطرة الاقتصاد، سواء الخدمات اللوجستية أو الطاقة الشمسية وتصديرها إلى العالم، أو الزراعية أو المشروعات الصغيرة. «عطاالله» يرى أن الرئيس يسير بسرعة من أجل النهوض بالبلد، لكن يقابلها محاولات مضنية لإيقافه وتبطئ منه، «عطاالله» لديه طموحات كبيرة لتعزيز مكانة شركته إقليميا وعالميا، خاصة أنها تدير حجم أصول بنحو 8 مليارات جنيه، وللشركة استراتيجية وخطط احترافية، بدأت منذ 2011 وتنتهى فى 2018، ونجحت الشركة فى تحقيق المستهدف. «عطاالله» يسعى لإدارة طرحين بالبورصة خلال الفترة القادمة، ويسعى إلى التوسع عالميا بشركته والتواجد بقوة فى الأسواق المهمة سواء فى جنوب أفريقيا أو الخليج أو شرق أوروبا. شركته أصبحت جاهزة للطرح بعد تقليص البنك التجارى الدولى المالك للشركة لحصته، وللطرح أكثر من صورة فهناك المستثمر الرئيسى وطرق أخرى.. لكن يظل «عطاالله» يبحث عن النجاح..فهل يحقق ذلك؟