آثار التوجه الجديد لدول الخليج العربى نحو القوى الاقتصادية الصاعدة فى شرق آسيا خلال قمة العشرين الأخيرة فى الصين، فضول وشجاعة الباحثين والمتخصصين فى مجالات التعاون الاقتصادى والسياسى بين دول الجنوب المتمثلين فى مجموعة مجلس التعاون الخليجى، وأمثالهم من القوى الواعدة فى شرق آسيا، إلى التركيز على دراسة هذه الظاهرة مؤخرا، حيث ظهرت المملكة العربية السعودية كممثل ومتحدث بالنيابة عن دول مجلس التعاون الخليجى فى قمة العشرين الأخيرة، ما أعاد ترتيب القوى الخليجية على خريطة الاقتصاد والسياسة والاستراتيجية العالمية فى تصنيف عال، جراء تعاونها الملحوظ مع مجموعة «البريكس» الاقتصادية الهائلة التى لقبها الكثير من الكتاب ب«العمالقة الصاعدين الآسيويين» وأخرى ب«القوى الشجاعة العالمية الجديدة»، وتشمل هذه المجموعة كلًا من «روسياوالصينوالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا». وأكد كل من البروفيسرين تيم يانبلوك أستاذ السياسات فى الشرق الأوسط فى جامعة إيكستير ببريكانيا، وديجانج سان أستاذ الدراسات الدولية فى معهد شنغهاى للدراسات فى الصين، أن هناك العديد من أوجه التشابه بين مجموعتى دول التعاون الخليجى ومثيلتها فى البريكس، والتى تتيح وتسهل مجالات التعاون بين دول الجنوب - الجنوب فى مقابل الشمال بالجنوب، وهو الأمر الذى يحدث بفضله التوازن فى القوى العالمية بين طرفى الكرة الأرضية، ووضع الأستاذان يانبلوك وسان تصورهما عن هذا التعاون، وأطلقا عليه اسم «البريكس العربى الخليجى» BRICSAG، وتتلخص أوجه التشابه بين المجموعتين فى النقاط التالية: كلتا المجموعتين تتمتعان بمعدل نمو اقتصادى عال وسريع، ما يمنحهم أدوارا أساسية فى عملية التنمية التى يتضمنها الاقتصاد العالمى، تتميز المجالات الاقتصادية فى كلتا المجموعتين بالتنوع والاختلاف عن مثيلاتها فى الكتلة الغربية، والتى تشمل دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدةالأمريكية، وأتاح هذا التنوع الاقتصادى لدول الخليج والبريكس ثقلاً كبيراً فى توجيه الاقتصاد السياسى العالمى، بالإضافة إلى قدراتهما على توجيه هذا الاقتصاد نحو التمركز فى مدنهم وعواصم دولهما التى باتت وتحولت إلى مراكز اقتصادية ومالية عالمية، أمثال بكين ولاهاى والكويت والرياض وعمان والبحرين، كذلك أتاح التعاون والتكتل الجنوبى - الجنوبى بين الخليج والبريكس القوة الكافية لمقاومة ضغوط المؤسسات الدولية أمثال الأممالمتحدة وتوابعها من صندوق النقد والبنك الدوليين، طبقاً للأجندة الأمريكية الموضوعة مسبقاً وإملاءاتها على دول العالم. وبناء على هذه المقاومة ستتمكن المجموعة الخليجية بالتعاون مع مثيلاتها الآسيوية أن يمتلكا زمام القرارات المتوقع صدورها خلال السنوات القليلة المقبلة فى مجلس الأمن الدولى. كما وضع معهد دراسات الخليج فى جامعة كامبريدج البريطانية تصوراً يجعل الكيانين التعاون الخليجى والبريكس ينصهران معاً، ولا يقتصر التعاون فيهما على العلاقات الثنائية فقط، كما ناقشت العديد من المؤلفات خلال نهاية العام الماضى وبداية الحال أوجه التعاون بين دول الخليج العربى والبريكس الذى لا يقتصر أيضاً على مجال الاقتصاد فقط، بل يتطور إلى أعداد أجندة سياسية مشتركة للقضايا العالمية، وقد بدا ذلك واضحًا فى الدور المهم، والواضح الذى لعبه ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان والوفد الرسمى المرافق له فى قمة العشرين الأخيرة فى الصين، أثناء محادثاته المباشرة مع الرئيس الأمريكى باراك اوباما على هامش أعمال القمة، والذى بدا جلياً أهمية وتأثير المملكة العربية السعودية وباقى دول مجلس التعاون الخليجى فى سير القرارات الدولية التى تخص أهم القضايا وعلى رأسها الأزمتان السورية واليمنية. وناقش كتاب «العلاقات الاقتصادية الآسيوية الخليجية فى القرن 21» للأساتذة تيم يانبلوك وديجانج سان أوجه التعاون بين الكتلتين فى وضع أجندة وأولويات منظمة التجارة العالمية، وقضايا الطاقة المستقبلية على مستوى العالم، حيث قامت الصينوالهند بالحصول على حق الانتفاع لحقول البترول والنفط على مستوى العالم خلال السنوات المقبلة، ما يعزز ويوطد العلاقات بين العملاقين الآسيويين والعربى على المدى الطويل، فضلاً عن مزيد من الترابط وإدارة شئون وقضايا الشرق الأوسط والربيع العربى اللذين يقوم فيهما مجلس التعاون الخليجى بأدوار أساسية، إلى جانب قوة سيطرة دول شرق آسيا على الكتلة التصويتية فى مجلس الأمن الدولى بانضمام الهند إليها كعضو دائم فى نهاية العام الحالى، ويضاف إليها كتلة دول الخليج العربى فى المستقبل. وأكد كتاب آخر بعنوان «ديناميكيات الأمن بين إقليمى شرق آسيا والخليج» الذى تم عرضه فى ورشة عمل فى جامعة كامبريدج مؤخراً، أن السنوات العشر المقبلة ستشهد أشكالاً متعددة من التنمية المستدامة المشتركة بين دول الخليج والصين، حيث من المقرر أن تقوم الصين بعدة مشروعات فى البنية التحتية فى مجلس التعاون الخليجى خاصة فى مجال الطاقة المتجددة، ويعد هذا التعاون مماثلاً إلى حد كبير مع الاتفاق الذى أبرمته دول الاتحاد الأوروبى مع الدول الخليجية العربية نفسها فى مجال الطاقة النظيفة، ما يجعل الخليج مخزن طاقة الشرق الأوسط فى شكله الجديد، وأشارت ورشة العمل البريطانية إلى تطور الدور اليابانى من اقتصاره على الاقتصاد والتجارة والصناعة، إلى المجال العسكرى والاستراتيجى بالتبادل مع الأطراف العربية.