شق الثعبان منطقة صناعية بامتياز، ولكنها فى ذات الوقت تعيش واقعًا غريبًا بامتياز أيضًا.. فوحدها تضم نحو 2000 ورشة ومصنع، ممتدة على نحو 1000 فدان.. وفى كل ورشة معدات تقارب ال250 ألف جنيه، أما المصانع ففيها آلات ومعدات تزيد قيمتها على مليون جنيه، وهو ما يعنى أن حجم المعدات فى شق الثعبان يزيد على مليار جنيه، بينما يبلغ إجمالى الاستثمارات نحو 30 مليار جنيه. وتستحوذ شق الثعبان وحدها على أكثر من 75% من إجمالى تصنيع الرخام فى مصر، وعلى 90% من إجمالى صادرات الرخام، وكان ترتيبها الرابع عالميا فى تصنيع وتصدير الرخام، وبلغت صادراتها نحو 2 مليار دولار عام 2014، ولكنها تراجعت إلى النصف تقريبا فى العام الأخير لتصل إلى نحو مليار دولار فقط. والمفاجأة أن منطقة لها كل تلك الأهمية، لا تقدرها الدولة حق قدرها، فلم تمد إليها أى خدمات، فلا مياه ولا كهرباء ولا صرف صحى، ولا إسعاف ولا نقطة شرطة. والكارثة أن الدولة تركت البدو يبيعون الأراضى للمستثمرين فى الشق، فكل صاحب ورشة أو مصنع، سدد للبدو مبالغ تراوحت بين 250 و750 جنيهًا عن كل متر، وبعضهم لا يزال يسدد إتاوات للبدو مقابل حمايته من السرقة! المهندس حسام أحمد - صاحب ورشة فى شق الثعبان - يؤكد أن أحدا لا يمكنه الامتناع عن دفع إتاوات للبدو، لأنه فى هذه الحالة سيكون عرضة للاعتداء عليه وعلى ورشته والعاملين معه، وقد تصل الاعتداءات إلى إشعال النار فى الورشة والمصنع، وعندها سيخسر كل شىء، ولهذا يفضل الجميع تسديد مبالغ نعتبرها مقابل حراسة! وجاءت أزمة الدولار لتزيد أوجاع مستثمرى الشق - حسب تأكيدات المهندس أحمد شلهوب - صاحب مصنع فى شق الثعبان - والسبب أن كل الأجهزة والأدوات المستخدمة فى تصنيع الرخام والجرانيت يتم استيرادها من الخارج، وأدى ارتفاع سعر الدولار إلى زيادة اعباء جديدة على مستثمرى الشق، ولهذا اضطروا إلى رفع أسعار ما ينتجونه من رخام وجرانيت بنسبة 40%. ورغم أن الحكومة أعلنت أكثر من مرة تقنيين أوضاع مستثمرى شق الثعبان، إلا أنها حتى كتابة هذه السطور، تتعامل معهم وكأنهم خارجون عن القانون، فلا تسمح لأحد بتوصيل الكهرباء إلا بنظام «الممارسة» وهو النظام نفسه الذى يتم به تركيب عدادات الكهرباء فى المبانى المخالفة او المقامة على أراض زراعية. مصطفى الحلوانى - أحد أصحاب المصانع فى شق الثعبان - يقول كل مصنع يسدد 120 ألف جنيه مقابل الكهرباء التى يحصل عليها بنظام الممارسة، ويشترى كل أسبوع مياهًا بمبالغ تتراوح بين 300 إلى 400 جنيه، بخلاف أجور العمالة، وعندما أرادت المحافظة تقنين أوضاع أصحاب الورش والمصانع فى الشق حددت 1300 جنيه للمتر، يسدد 10% منها فورا والباقى على 3 سنوات، وهذا يفوق قدرة كل من فى شق الثعبان لانه يعنى أن كل من أقام معرضا أو ورشة على مساحة 1000 متر مثلا فعليه أن يسدد مليونًا و300 ألف جنيه، أما المصانع فمساحتها تصل إلى 10 آلاف متر، وبالتالى فعلى كل منهم أن يسدد 13 مليون جنيه بمعدل 400 ألف جنيه كل شهر، وهذا مبلغ لا يمكن لأصحاب المصانع سداده. وليست الأزمة فى السعر الذى حددته محافظة القاهرة لمتر الأرض فى شق الثعبان، وهو السعر الذى يراه كل من فى الشق أنه كبير ومغالى فيه، ففوق هذا تطوع بعض مستثمرى الشق فى بث الخوف فى النفوس، وراحوا يرددون أن السعر الذى حددته محافظة القاهرة ليس هو السعر النهائى، وأنه ستتم إضافة رسوم أخرى سترفع السعر كثيرا .. وهكذا - كما يقول إسماعيل الجزار - صاحب أحد مصانع شق الثعبان - انتشر زبانية جهنم فى شق الثعبان يروجون شائعات الخوف والرعب، ويحرضون الجميع على رفض تقنين أوضاعهم بالشروط التى أعلنتها محافظة القاهرة، ولهذا تكرر من جديد سيناريو قريب الشبه بما جرى فى عام 2006». ويضيف «عام 2006 فتحت محافظة القاهرة أبواب التقنين أمام مستثمرى شق الثعبان، ووقتها حددت سعر المتر ب 160 جنيهًا، منها 100 جنيه سعر المتر و60 جنيهًا تكاليف المرافق لكل متر، ووقتها لم يتقدم لتقنين أوضاعه سوى 300 مستثمر فقط، والغريب أن محافظة القاهرة عندما عرضت من جديد تقنين أوضاع مستثمرى الشق، قبل أكثر من 3 شهور، لم يتقدم لتقنين أوضاعه سوى 300 مستثمر فقط، تماما مثلما حدث عام 2006».