كان ممكناً اعتبار معرض «حين يكون الفن حرية: السرياليون المصريون 1938 - 1965» (يُقام حالياً في «قصر الفنون» - القاهرة) بمثابة الحدث التشكيلي الأبرز عربياً، لولا مجموعة من المآخذ، أهمّها أنّ القائمين على المعرض تجاوزوا فاصله الزمني المحدّد في العنوان وأغرقوه في شبكة من التفاصيل. لا شك في أنّ المعرض أتاح مجموعة من الأعمال التشكيلية الرائدة التي ما كان لها أن تُعرَض لولا مناسبة بهذا الحجم والاهتمام، سواء من خلال وزارة الثقافة المصرية أو مؤسسة الشارقة للفنون. هكذا، شكّل المعرض فرصة حقيقية لرؤية مقتنيات متحف الفن الحديث التي ظلَّت طويلاً في التخزين، على رغم كل مزاعم الافتتاح المتكرر. وبالتالي، فإن ما أتاحه المعرض من مقتنيات تخص الدولة أو الأفراد، هو الحدث بذاته. فمن كان يحلم برؤية هذا الكم من أعمال عبد الهادي الجزار وأحمد مرسي وسمير رافع، أو خبيئة كمال يوسف التي كشف عنها المعرض؟ ليست هناك مشكلة إطلاقاً في تعاون مؤسسة الشارقة للفنون أو قسم الفنون في الجامعة الأميركية في القاهرة، في حدث بهذا الحجم. وأيُّ رفض لهذا التعاون يُعدّ موقفاً مجانياً ينطلق من اعتبارات شوفينية ضيقة، مادامت حجج الرفض أو التحفظ لا تستند إلى معلومات أو مخاوف حقيقية، لا سيما أننا نتحدث عن تجربة السورياليين التي قامت أصلاً انطلاقاً من «عالمية الفن»، ورفضاً ل «الهويات الضيقة» كافة. وكانت هذه التجربة تأسست في البداية لمواجهة مزاعم شوفينية وفاشية أخذت تتمدّد في مناخ مهّد لقيام الحرب العالمية الثانية (1939). وبالتالي؛ لا تجوز الموافقة على تحفظات تُبنى على رفض تعاون مؤسسة الشارقة وغيرها من الجهات، فالعبرة دائماً هي بتقييم الأدوار والنتائج. ولذلك من الضروري الإعلان بوضوح عن طبيعة مساهمة كل طرف في الاتفاق، بما في ذلك المبالغ المالية المنفقة وطبيعة المسؤوليات التي تمَّ إسنادها إلى الأسماء الفاعلة في تنظيمه، حماية لها وصوناً لأدوارها في المستقبل. ولا أظن أن بروفيسوراً له قيمته في تاريخ الفن مثل صلاح حسن، الأستاذ في جامعة كورنيل الأميركية، يمكن أن يُعرّض اسمه لمجازفة على أي مستوى، خصوصاً أن من تابعوا الندوة التي أقامتها الجامعة الأميركية في القاهرة العام الماضي ونظمها الفنان هيثم نوار والباحثة بهية شهاب، لاحظوا جدارة الأسماء المشاركة وأهمية المشروع ككل. ولكن في المقابل، ثمة مخاوف وملاحظات كثيرة أوردها النقاد والتشكيليون الفاعلون إزاء المعرض. كان المطلوب أولاً إثارة نقاش حول قضايا مرتبطة بالحركة السوريالية ومسارها في المجالين الأدبي والفني، إذ لا يمكن مقاربة النتاج السوريالي المصري خارج سياق حركتين هما، السوريالية العالمية بقلبها الفرنسي والحركة التشكيلية المصرية بقلبها القاهري. ولذلك من الضروري تحليل علاقة المنتج السوريالي المصري (بما قدَّمته الحداثة عموماً) بالسريالية العالمية كحلول بصرية وخصوصية أسلوبية. أثار المعرض أيضاً نقاشاً حول إعادة النظر في طرق العرض المتحفي للأعمال الفنية، وبطبيعة الحال حول طرق تخزينها وتوثيقها. تركزت الانتقادات حول التشكيك في فكرة انتقال لوحات المعرض وتجوالها في عدد من العواصم العالمية من دون الإعلان عن إجراءات حمايتها سواء من السرقة أو التشويه والتزييف. وتكرست هذه الإشكالية مع افتقار المعرض الى منهج متماسك في توثيق الأعمال وتقسيمها داخل مساحات، ما أعطى انطباعاً بالخلط عمداً بين المدارس والاتجاهات. فالمعرض كان يحتاج الى خريطة جديدة لتاريخ الحركة التشكيلية تستند إلى جهد علمي يلائم الوقت المستنزف في تحضيره. كان المعرض في حاجة إلى نشاطات موازية تشكل محاضرات للتعريف بأدوار السورياليين المصريين في تاريخ الأدب والفن المصريين. فمن غير المعقول ألا يجد الزائر مادة توثيقية يمكن أن يراجعها أو يتعرف من خلالها على ما حقَّقه هؤلاء. وكان ضرورياً إعادة طبع الأعداد الخاصة من مجلة «التطور» التي أصدرها السورياليون المصريون، ومعها أعداد مجلة «الكتابة الأخرى» التي تولى الشاعر هشام قشطة مهمة تقديم التراث السوريالي فيها خلال فترة التسعينات، استناداً إلى معرفة عميقة وفَّرها المترجم الكبير بشير السباعي الذي تفرغ كلياً لتقديم أعمال جورج حنين وأنور كامل وغيرهما. وربما كان يسهل تنفيذ هذه الأفكار مع إتاحة كتاب «السوريالية في مصر» لسمير غريب في طبعة جديدة. وربما كانت هذه الأفكار مجالاً للصراع والتنافس مع مؤسسة أخرى تسعى إلى تنظيم معرض مواز في باريس الشهر المقبل، عبر سام بردويل. وبسبب هذا التنافس ربما، وتحت ضغط الاستعجال، بدا المعرض المصري فقيراً في مادته الوثائقية التي بدت خجولة داخل «فيترينات» العرض، على رغم الثروة الأرشيفية. نقلا عن صحيفة الحياة