يعانى 17 ألف مرشد سياحى، أوضاعاً متردية على خلفية تراجع القطاع السياحى فى مصر ومرور 6 سنوات بلا عمل، بلا دخل، وبلا تأمين اجتماعى. فقد قضت الاضطرابات على مستقبلهم المهنى والاجتماعى، على حد وصفهم.. وتوقفت السياحة فتوقف معها العمل، وانقطع باب رزقهم الوحيد. وإذا فكر أحدهم فى البحث عن عمل إضافى أو بديل لحين عودة السياحة، فعليه أن يتنازل عن التصريح الخاص بالإرشاد السياحى!! وعليه أن يتنازل عن وظيفته الأساسية ويقبل بشطبه من نقابة الإرشاد طبقاً للقانون.. وإذا أصاب أحدهم المرض، فلن يجد تأمينا صحيا لا داخل النقابة ولا خارجها. بعضهم لجأ لبيع أثاث منزله، ومنهم من مد يده وقال: «لله يا محسنين».. وآخرون أصابتهم أمراض نفسية وعصبية وعقلية.. فبعد أن كانوا يتعاملون مع السياح من مختلف الثقافات والديانات والجنسيات من مختلف أنحاء العالم.. يتحدثون ويشرحون تاريخ بلدنا باللغات العادية والنادرة.. فجأة أصبح حالهم مأساة. يقول «محمد»، مرشد سياحى: «بدأت منذ عام تقريبا أبيع أثاث منزلى من الأجهزة الكهربائية للإنفاق على أسرتى.. وهكذا أصبح حال المرشد السياحى الذى تعلم وأتقن لغات مختلفة عن تاريخ بلده.. ولم أجد عملاً منذ عام 2011، وليس لدينا تأمين صحى وتقدمنا بشكاوى مختلفة إلى النقابة المفترض أن تحمينا وتحل مشاكلنا، والإجابة كانت مختصرة فى كل مرة أننا محرومون من التأمين بحكم القانون. فهل يعقل أن مرشدا سياحيا يعمل سائقا على «توك توك» وقال سعيد: «أين الحكومة ووزارة السياحة ووزير السياحة ونقيب المرشدين من حالنا المؤسف الذى وصلنا إليه». أما أحمد، فقد اقترب من الجنون ويعانى من مشاكل لا حصر لها.. بدأ كلامه قائلاً: «المرشدون السياحيون لا يختلفون عن عمال التراحيل.. لا تتعدى يومية المرشد ال80 جنيها، وعندما تقدمنا بشكوى ووافق وزير السياحة الأسبق منير فخرى عبدالنور على أن تكون يومية السائح 300 جنيه.. لم يطبق منها شىء ولم يكن لها أثر على أرض الواقع، فنحن حتى الآن بلا عمل سواء ب80 جنيها أو حتى 10 جنيهات». بكار تلميذ ذكى يحب أن يكون مرشدا سياحيا مثل عمه مفيد. تلك السطور نقلاً عن أول درس عربى لتلاميذ الصف الرابع الابتدائى «السياحة فى مصر» للعام الدراسى الجديد. ولو علم بكار وغيره من أبناء جيله حال المرشدين السياحيين فى مصر، لغير رأيه، ومحا من ذاكرته وطموحه هذه الأمنية، فالمرشد السياحى الآن بلا عمل، وبلا راتب، وبلا تأمين، ومحروم من جميع حقوقه التى كفلها له الدستور والقانون كمواطن مصرى، بعد أن كان ينعم بدخل كبير، ومميزات عمله تجعله يطوف فى العالم والمعالم السياحية برفقة السياح، يحكى ويتحاكى عن آثار بلده بمختلف اللغات.. وهكذا صار عالة على المجتمع وعلى أسرته وعلى أهله.. منهم من باع «عفش» بيته للإنفاق على أبنائه، ومنهم من تفككت وانهارت أسرته لضيق ذات اليد، وآخرون أصابهم المرض "وداخوا السبع دوخات" للعلاج على نفقة الدولة، لأنهم محرومون من التأمين الصحى بحكم الدستور(!!). وحين تتوقف السياحة، ويتوقف معها العمل، لا يمكن لأحد منهم البحث عن وظيفة أخرى نهائياً، إلا إذا تنازل عن تصريح وظيفته الأساسية التى أفنى سنوات عمره وتعليمه من أجلها، وذلك أيضاً بحكم القانون. أمجد أبوالفتوح، 38 عاماً، واحد من ضمن 7 آلاف مرشد سياحى بلا عمل منذ ثورة يناير 2011، حاصل على ليسانس آداب قسم إرشاد سياحى جامعة عين شمس، متزوج ولديه ابنتان، هما: رحمة 5 سنوات، وچنى 6 سنوات، يعيش وحيداً الآن بعد أن تركته زوجته وبناته نتيجة تراكم المشاكل بينهما. مفاجأة: خلف قسم شرطة عين شمس بجسر السويس يقطن المرشد السياحى أمجد. قبل أن نطرق باب شقته فتح الباب مسرعا مرحبا بنا، رأيته شابا نحيلا، خمرى اللون، يظهر على وجهه المرض، سمح لنا بالجلوس فى حجرة الصالون الموجودة بجوار باب الشقة مباشرة.. وقبل أن أطرح عليه أسئلتى الخاصة بأزمة المهنة والآثار المرتبة عليها، فوجئت برغبته العارمة فى استعراض تفاصيل مرضه وما عاناه وما يعانيه حاليا بداية من ظهور المرض عام 2011، 2012، ولفه «كعب داير» على الأطباء الذين يتراوح سعر الكشف عندهم ما بين 200 و300 جنيه، وبإجراء جميع التحاليل والأشعات ليكتشف فى النهاية أنه مصاب بسرطان الرئة. وعندما طلب منه الطبيب العلاج على نفقة الدولة لأنه محروم من العلاج على نفقة التأمين الصحى، ولأن تكاليف المرض باهظة الثمن، بدأ رحلة العناء التى تجاوزت شهراً كاملاً للحصول على الموافقة من وزارة الصحة. كان أمجد يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة، ويخرج الكلمات بمشقة وعناء، وأصر على أن يكمل حكاية رحلة مرضه، فقال: «بعد فترة من العلاج تماثلت الرئة اليمنى للشفاء، بينما ظل الورم فى الرئة اليسرى، وبدأ شعرى يتساقط، وأخذت ما يسمى ب«عزل مناعة» وتعنى الإقامة فى مكان معتم مع عرض التعرض للتعامل مع أى شخص نهائياً لانعدام المناعة فى جسدى، ثم ظهرت مشكلة جديدة، وهى احتياجى لشرائح دم بلازما، لندرة فصيلة دمى AB سالب، وكان سعر الكيس يتراوح بين 300 و330 جنيهاً، وبعد فترة من العلاج والجلسات تم استئصال الرئة اليسرى. وأضاف أمجد: «حمدت الله كثيراً لأن الأطباء فى البداية أخبرونى باستئصال الرئة بأكملها.. فطلبت منهم أن أواصل العلاج الكيماوى، فرفضوا لأن استجابتى ضعيفة، ودخلت غرفة العمليات وأنا لا أعرف هل سيتم استئصال الرئة بأكملها أم واحدة منها؟! والآن أقوم بعمل جلسات علاج طبيعى تشمل تمارين للتنفس وتمارين على يدى اليسرى. سألته: كم تبلغ تكلفة علاجك؟ فقال: 700 جنيه شهريا. الحمد لله.. الحمد لله. عيشة تانية خالص: رفض أمجد الإفصاح عن مصدر ال700 جنيه، ثم قال: «والدى يساعدنى، والنقابة تصرف 50٪ من الفواتير شريطة أن يتم تقديم شهادة تثبت شراءها، وسبق أن منحتنى النقابة 2000 جنيه فقط لا غير على رحلة علاجى بأكملها». وأضاف فى مرارة وحسرة: «كنا عايشين فى مستوى ثانى خالص، دلوقتى زملائى بعضهم شغال على توك توك، وآخرون على سيارات بيع الرمال.. ومنهم من اتخذ التسول عملاً له.. والقليل منهم أصابهم مرض نفسى وعقلى.. والدولة على علم بكل كبيرة وصغيرة عن حال المرشدين السياحيين، ولكن لا جدوى..». ثم التقط أنفاسه وسكت لحظة وقال: «حصلت على ليسانس آداب من التعليم المفتوح من مالى الخاص، ثم التحقت بمركز أصدقاء السائح بالمتحف المصرى للتعليم والتدريب أيضا من مالى، ثم توجهت لكليات السياحة والفنادق للحصول على كتب وأوراق تؤهلنى للعمل بشكل جيد فى مهنتى، وبعد رحلة الدراسة وسنوات البحث والتأهيل أعطيت «كورسات» لطلاب التعليم المفتوح، ولم يصدقوا أننى خريج هذا التعليم، لأنه لا يؤهل لعمل الإرشاد السياحى على وجه الإطلاق، ومن أجل ذلك تم رفض خريجى التعليم المفتوح من الالتحاق بنقابة الإرشاد السياحى أو الاعتراف بهم. وأضاف: «عملت مرشدا سياحيا من 2006 حتى 2011 فى شركات سياحية مختلفة، وحصلت على شهادات تقدير من الأفواج السياحية. كم كنت تتقاضى من عملك؟ - يومية المرشد السياحى لا تتعدى ال80 جنيها فى اليوم، وعندما تولى منير فخرى عبدالنور منصب وزير السياحة أصدر قرارا بأن يتقاضى المرشد 300 جنيه مقابل 8 ساعات عمل فى اليوم، و200 جنيه مقابل 4 ساعات عمل، إلا أن هذا القرار لم يطبق حتى الآن.. وأضاف: «تقدمت بطلب لوزارة التأمينات الاجتماعية كصرف مبلغ مادى شهريا.. وأرجو الله أن توافق الوزارة عليه».