علي مدار التاريخ الحديث ظلت العلاقات بين شعبي وادي النيل مثالية باستثناء حوادث ومواقف محددة أبرزها محاولة اغتيال مبارك والموقف الملتبس لبعض المسئولين في السودان من سد النهضة وكذلك الموقف المفاجئ بشأن منع استيراد المحاصيل المصرية باستثناء تلك المواقف ظلت العلاقة بين البلدين جيدة غير ان سحابة اعترتها خلال الفترة الأخيرة قبل أن يحل الرئيس السوداني ضيفا علي القاهرة، حيث يؤمن الرئيس السيسي بأن القدر كتب علي الشعبين الانصهار في بوتقة واحدة. وقد بدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين مصر والسودان، عكستها اجتماعات اللجنة المصرية -السودانية المشتركة والتي توجت بلقاء الرئيسين عبد الفتاح السيسي، وعمر البشير، فبرغم قوة العلاقات التاريخية بين البلدين إلا أن خلافا مكتوما كان يظهر للعلن احيانا ظل يعكر صفو القاهرة نحو الخرطوم فاللجنة المصرية السودانية لم تنعقد منذ 5 سنوات ويعد انعقادها هذا العام بالقاهرة بمشاركة الرئيسين بمثابة انطلاقة جديدة في العلاقة بين القاهرةوالخرطوم. وقد دعا السيسي، البشير إلى إطلاق استراتيجية شاملة بين البلدين لتحقيق التقدم والتنمية في شتى المجالات، وأكد أهمية بذل كل الجهود الممكنة لإزالة العوائق والصعوبات التي تحول دون الانسياب الكلي لحركة السلع بين البلدين والتحرير الكامل للتجارة بينهما في إطار جهود تفعيل منطقة التجارة الحرة. وأكد السيسى أن التغيرات والتحديات التي تشهدها المنطقة حاليا تدفعنا إلى التكاتف وتضافر الجهود.. لا غنى عن التعاون المخلص بين المؤسسات ومكافحة التطرف والإرهاب في المنطقة. وتعهد البشير، بالعمل على تفعيل الاتفاقيات المبرمة وآليات التعاون المشترك بين البلدين وتحويلها إلى واقع ملموس، بما يحقق التكامل الاقتصادى والاستراتيجى بينهما، قائًلا: "سنعمل ما بوسعنا بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين". وأضاف البشير أن المعابر التجارية بين مصر والسودان سيكون لها فوائد اقتصادية وتجارية مهمة، مضيفًا: نسعي لتوفير مطلوبات التنفيذ وتقييم مسارات اللجان المشتركة. «النحاس» اعتبر قطع يده أرحم من انفصال السودان عن مصر « تُقطع يدى ولا تُفصل السودان عن مصر « تلك كانت مقولة خالد الذكر الشهيرة مصطفى النحاس التى برهن بها على وحدة وادى النيل . كانت العقيدة الوطنية للمصريين ترى أنه لا يُمكن لمصر أن تنفصل عن السودان ، حيث تجمعهما مصالح مشتركة وأهداف واحدة ، وثقافات وتصورات اجتماعية مُتشابهة . وكان الأمير عمر طوسون يرُد على قول البعض بأن اتحاد مصر والسودان نوع من أنواع الاستعمار قائلاً « فلتستعمرنا السودان إن لم نستعمرها « موحياً بأن مصير البلدين واحد سياسياً واقتصادياً وثقافياً لأن الرابط بينهما لايمكن تجاهله لأنه شريان الحياة عبر عصور التاريخ المختلفة . فى 1822 كان محمد على باشا والى مصر واعياً بأهمية التحام أكبر بلدين مُحتضنين لنهر النيل فقام بضم السودان إلى مصر مُكوناً بذلك اتحاد اقليمى موحد يُمثل قوة استراتيجية قادرة على قيادة القارة السمراء ، وظل حُكم مصر من بعد محمد على مقروناً بالسودان لذا كان حاكم مصر حاكماً على الإقليمين الشمالى وهو مصر ، والجنوبى وهو السودان ، حتى بعد الاحتلال البريطانى لمصر سنة 1882 ، ومع احتلال الإنجليز للسودان ، فإنهم لم يجرؤوا على سحب العلّم المصرى من الخرطوم فظل يُرفرف إلى جوار العلم البريطانى . وظلت البعثات التعليمية والصحية والخدمية تُرسل بشكل منتظم من الاقليم الشمالى إلى الجنوب ، وظلت قضايا السودان ضمن القضايا ذات الاولوية لدى الحكومات المتعاقبة فى مصر طوال عهد حُكام أسرة محمد على . وعلى مدى سنوات طويلة حاول الاستعمار تفتيت وحدة وادى النيل ، وإخراج الجيش المصرى من السودان ، وهو ما قاومه حزب الوفد بقوة حتى أن بريطانيا استغلت حادث مقتل السير لى ستاك سردار الجيش البريطانى سنة 1924 لتُعد جملة تعديلات على اتفاقية السودان 1899 وتسحب الجيش المصرى منها ، وهو ما دفع سعد باشا زغلول رئيس الوزراء فى ذلك الوقت غلى تقديم استقالته. وفى عام 1951 قدمت بريطانيا مشروع قانون لمنح السودان الحكم الذاتى ، ورفضت حكومة الوفد وسافر محمد صلاح الدين وزير الخارجية غلى الأممالمتحدة ليعرض اتفاقية البلدين بضرورة وحدة وادى النيل ، إلا ان تدبير الإنجليز والسرايا لحوادث حريق القاهرة أدى إلى إقالة حكومة الوفد فى يناير 1952 . وبعد حركة 23 يوليو سنة 1952 أوكلت قيادة الثورة فى مصر مهمة التعامل مع الملف السودانى للصاغ صلاح سالم والذى لم تكن له أى خبرات سياسية ، ورغم سفره إلى السودان واجتماعه ببعض رؤساء الأحزاب إلا أنه فشل تماماً فى احتواء نزعات الانفصال المتصاعدة بين السياسيين السودانيين وبعد خروج القوات البريطانية من مصر بموجب اتفاقية الجلاء سنة 1954 ، أعلنت السودان استقلالها فى ديسمبر 1955. الاقتصاد يصلح ما أفسدته السياسة العلاقات السودانية - المصرية أزلية ليس فيها خيارات للحكومات أو الشعوب وليس لها أي خيار سوى ما يخدم مصلحة البلدين من كل النواحي، فالبلدان يمثل كلاهما البعد الأمني والغذائي والاقتصادي للآخر إلى جانب التاريخ المشترك وشعبهما يرتبطان بوحدة الأرض واللغة والتاريخ والمصير المشترك. ورغم وجود محاولات من بعض القوى الدولية لإثارة القلائل بين البلدين إلا أنها جميعها فشل خلال الفترة الماضية. ويحظى ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والسودان بأهمية كبيرة ويبلغ حجم الاستثمارات المصرية في السودان مليارين و600 مليون دولار تمثل 78 مشروعاً تم تنفيذها بالفعل في صناعات الأسمنت والبلاستيك والرخام والأدوية ومستحضرات التجميل والأثاث والصناعات الحديدية والمواد الغذائية. ويبلغ حجم الاستثمارات السودانية في مصر 97 مليون دولار ممثلة في أكثر من 300 شركة سودانية تتوزع استثماراتها بين الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات التمويلية وقطاعات الإنشاءات والسياحة والاتصالات، بينما يبلغ حجم رؤوس الأموال المصرية قرابة 10 مليارات جنيه تتركز في مجالات الزراعة والصناعة والنقل والطرق والخدمات. جذور ممتدة شهدت مسيرة العلاقات التجارية بين مصر والسودان إبرام اتفاقيات لتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين، أهمها بروتوكول وقع عليه الرئيسان الراحلان أنور السادات وجعفر النميري عام 1974 وعرف بروتوكول «الحقوق الأربع» التي تضمن لأبناء شعبي وادي النيل الحق في العمل والتمليك والإقامة والتنقل في خطوة لدمج الاقتصاد بين البلدين وإرساء المشروعات التي تحقق التكامل الاقتصادي. ثم وقع الرئيس الأسبق، حسني مبارك، مع «النميري» اتفاقية عام 1982 تم بمقتضاها إلغاء جميع القيود بما في ذلك الرسوم الجمركية التي تعوق حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال والأرباح وحرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية وحرية الإقامة والعمل والتملك والاستخدام وممارسات النشاط الاقتصادي وحرية النقل والترانزيت وحدد الميثاق ثلاث أجهزة رئيسية تقوم علي شئون التكامل وهي، المجلس الأعلي للتكامل وبرلمان وادي النيل وصندوق التكامل. وتبع هاتين الاتفاقيتين عدة اتفاقيات أخرى ساهمت فى نمو الاستثمار بين مصر والسودان لعل أبرزها اتفاقية «الكوميسا» التي تتم حاليًّا في إطارها المعاملات التجارية بين البلدين، واتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري وبرنامجها التنفيذي لإقامة منطقة تجارة حرة عربية كبرى، وشهد عام 2003 توقيع اتفاقية بين الجانبين يقوم بمقتضاها الجانب المصري باستيراد اللحوم السودانية المبردة من السودان، فضلاً عن اتفاقية تسيير تجارة الجمال السودانية بين الجانبين بشكل متدفق ومستمر. ويبلغ إجمالى عدد المشروعات الاستثمارية المصرية، التى تم التصديق عليها من قبل وزارة الاستثمار السودانية 229 مشروعاً، بتكلفة استثمارية تصل إلى نحو 11 مليار دولار (ما يعادل نحو 88 مليار جنيه مصرى وأكثر من 110 مليارات جنيه سودانى). والاستثمارات المصرية بالسودان موزعة على مختلف القطاعات، وتشمل 122 مشروعاً للقطاع الصناعى بتكلفة استثمارية تصل إلى 1372 مليون دولار، والقطاع الخدمى 90 مشروعاً بقيمة 8 مليارات و629 مليون دولار، والقطاع الزراعى 17 مشروعاً بقيمة إجمالية تصل إلى 89 مليون دولار. ويبلغ عدد المشروعات المصرية المنفذة بالفعل فى السودان حتى الآن 78 مشروعاً، تبلغ تكلفتها الاستثمارية نحو 800 مليون دولار، تشمل 29 مشروعا بالقطاع الخدمى برأسمال يقدر بنحو 189 مليون دولار، و42 مشروعاً بالقطاع الصناعى باستثمارات تصل إلى 505 ملايين دولار، و7 مشروعات فقط بالقطاع الزراعي، بتكلفة 105 ملايين دولار. الاقتصاد يصلح الخلاف وتتركز المشروعات الصناعية المصرية بالسودان فى مجالات صناعة الأسمنت والبلاستيك والرخام والأدوية ومستحضرات التجميل والأثاث والصناعات الحديدية والمواد الغذائية. كما تشمل المقاولات والبنوك والمطاعم والمخازن المبردة والرى والحفريات وخدمات الكهرباء ومختبرات التحاليل والمراكز الطبية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فى حين شملت أنشطة القطاع الزراعي، الزراعات الحقلية وصيد الأسماك وإنتاج الدواجن والإنتاج الحيواني. وأكبر نسبة مشروعات استثمارية مصرية منفذة فى ولاية الخرطوم، بما يتجاوز 70% من حجم المشروعات بكافة الولايات السودانية. وفي الوقت الذي كانت تتأزم العلاقات على نحو طارئ كان الاقتصاد يرمم ما تفسده السياسة، وفي هذا الإطار ساهم افتتاح المعابر البرية الحدودية بين مصر والسودان، والتى بدأت بمعبر «أشكيت - قسطل» فى العام الماضى، الذى حقق نتائج إيجابية، بشكل فعال فى تدفق حركة التجارة والسلع والأفراد بين البلدين بانسيابية كبيرة، مما يؤدى إلى النهوض بحجم التجارة والاستثمار بين شعبى وادى النيل فى مصر والسودان، ويبلغ حجم التبادل التجارى خلال المعبر البرى 10 ملايين دولار شهرياً، من السلع والمنتجات المصرية والسودانية. وأوضح تقرير مكتب التمثيل التجاري بالخرطوم التابع لوزارة التجارة إنه وفقا لإحصاءات الجهاز القومي للاستثمار السوداني، فإن 70% من الاستثمارات المصرية تتركز بالعاصمة السودانية الخرطوم، والباقي يتوزع على مناطق مختلفة بولايات السودان . وأشار التقرير إلى أن أرقام الاستثمارات المصرية مرشحة للتضاعف في حالة تفعيل مشروع إنشاء المنطقة الصناعية المصرية بشمال السودان، حيث وافقت الحكومة السودانية من قبل على طلب مصر تخصيص أراض لإنشاء المنطقة على مساحة مليوني متر مربع. عشر نقاط للاستثمار في السودان ويمكن اختصار امتيازات الاستثمار في السودان في 10 نقاط رئيسية تدفع أى مستثمر مصري أو عربي لكي يضع أمواله في السودان في الفترة المقبلة وهي: يعفى المستثمر في السنوات ال5 الأولى إعفاء كاملاً من الضرائب والرسوم. وتحصل كافة الآلات الخاصة بالمشروع على إعفاء كامل من الجمارك. وفي حالة استغلال المستثمر 80% من المساحة الزراعية المخصصة له يعطى ضعفيها إذا طلب ذلك. وخصصت الحكومة السودانية محكمة لفض النزاعات مع المستثمرين لسرعة الفصل فيها، وتعمل وفقا للقوانين الدولية التي تحكم الاستثمار في العالم. وكثفت الحكومة السودانية من جهودها لخدمة المستثمر فقررت أن تشكل مكاتب مختصة بكافة الوزارة المعنية به داخل وزارة الاستثمار لتسهيل إجراءاته. ويحصل المستثمر على التراخيص القانونية اللازمة في خلال شهر من بدء الإجراءات. ويحق للمستثمر تصدير صافي الأرباح الخاصة به إلى خارج البلاد بنسبة 100%. ويتيح القانون للمستثمر أن يصدر 75% من منتجاته إلى الخارج على أن يتاجر ب25% منها في السوق المحلية. ويحدد القانون نسبة محددة للعمالة الأجنبية تصل إلى 30% يمكن زيادتها في حالة وجود عمالة مصرية إلى 50%.