شريط حياتى يمر أمام عينى كأنى أعيش أيامه الحلوة التى رحلت من دون رجعة، أيام اقتحم فيها زميلى بالجامعة حياتى الخاصة وفرض نفسه على واقعى كنت بالسنة النهائية بكلية الآداب. كان «لطفى» أكثر الزملاء ثراء ووسامة وأناقة، كنت أعرف أنه يحبنى من أول يوم وقع نظره فيه علىّ، وبدأ يلاحقنى بنظراته فى كل مكان أتواجد فيه إلا أننى كنت أواجه مشاعره بلا مبالاة بالرغم من أن قلبى كان مشغولا به وكنت أحبه.. إلا أننى كنت أتجاهله حتى لا تظن صديقاتى أننى اطمع فى أمواله، ظللت أحبه فى صمت حتى لا أثير الأقاويل من حولى وتلوك الألسنة سيرتى. حتى جاء اليوم الموعود وكنت أجلس فى حديقة الجامعة استرجع دروسى عندما فوجئت به يقف أمامى ويمد يده ليصافحنى وقتها لا أدرى كيف ضعفت وانهارت مقاومتى فى لحظة خاطفة.. مددت يدى لأصافحه وابتسامة على وجهى فقال لى بلهجة من يستجدى وعيناه تتفرسان ملامحى: أنا اريدك زوجة لى.. تملكنى الصمت، لحظات مضت كالدهر وبصعوبة بالغة استجمعت قواى أومأت إليه برأسى لأعلن الموافقة على طلبه.. لم ينتظر لطفى فى اليوم التالى، جاء الى منزلى طالبا يدى إلا أننى فوجئت بقيام والدى بوضع شروط غاية فى الصرامة وهالنى أنه أعلن قبوله لكل الشروط وطبعا أعلنت الأسرة الموافقة على الزوج الثرى والطالب المجتهد.. أيام قليلة وتمت الخطبة واتفق والدى ووالد «لطفى» على أن يتم الزفاف فور حصولنا على الشهادة الجامعية.. كان سخيا بهداياه حتى انتهت دراستى واشترى لى شقة فاخرة ملأها بأرقى الأثاث والتحف النادرة وملأتها أنا بالأحلام السعيدة والأمنيات الجميلة. تزوجت فى حفل صاخب بأشهر الفنادق الكبرى بالقاهرة، عشت أدعو الله أن تستمر سعادتى مع زوجى بعيدا عن عيون الحاقدين خاصة بعد أن اتفق معى أن أتفرغ لبيتى وأسرتى الصغيرة. لم يقتل الزواج حبنا بل توهج معه الحب واشتعل لهيبه، كنت ملكة متوجة فى بيتى لم ينغص حياتى سوى غياب زوجى عن البيت طوال اليوم، وحين يعود يلقى بجسده المنهك على الفراش حتى جاء مولودى فحمدت الله كثيرا عليه، لأنه كان سيشغل وقتى خاصة مع غياب زوجى. وكم كان زوجى سعيدا بمولودنا الأول إلا أنه لم يتحول فيه عن إيقاعه الرتيب.. حتى جاء يوم تحركت بداخلى مشاعرى الانثوية وأخبرتنى بأن فى حياة زوجى امرأة أخرى طردت هواجسى وشكوكى أمام سخاء زوجى لى بكلمات الغرام والحب التى لا تنقطع.. أبت علىّ كرامتى أن أواجهه بهواجسى. بمرور الأيام استفحلت شكوكى وأنا أقرأ فى عين زوجى ما يناقض كلامه، فقد كنت أشاهد بهما بريقا لم أعهده من قبل، وظللت على هذا الوضع ليل نهار حتى تحقق صدق مشاعرى فى يوم لن أنساه عندما دق جرس التليفون فى بيتى وجاءنى فى الطرف الآخر صوت لا أعرفه وانهال على مسامعى بما يؤكد أن زوجى تزوج من إحدى تلميذاته القاصرات، ثم أغلق الهاتف دون انتظار كلمة منى.. شل لسانى عن الكلام ودارت برأسى الدنيا، حاولت إقناع نفسى بأن ما أسمعه دعابة سخيفة من حاقد على حياتى، بكيت بمرارة، تمنيت أن يكون كابوسا وسرعان ما أفيق منه، وحتى لا أهدم منزلى طلبت من شقيقى الأكبر التحقق من صدق كلام ذلك المجهول، وكانت الصدمة أن كل ما وصلنى كان حقيقة، واجهت زوجى بكل ما علمت وبدلا من أن ينهار أو يطلب منى الصفح قام بطردى وابنى الوحيد والاستيلاء على شقتى وكل مستحقاتى. فلم أجد أمامى إلا أن أقمت ضد زوجى دعوى قضائية بالنفقة فقضت لى محكمة الأسرة بنفقة 3 آلاف جنيه شهريًا، وهو مبلغ قليل حكمت به المحكمة نتيجة تدليس زوجى وحصوله على تحريات لا تؤكد حقيقة دخله وثرائه الفاحش. فكان يدفع مبلغ النفقة شهرا ويتركنا شهورًا، ونحن لا نعرف من أين نأكل أو نشرب، ورغم رجائى إلا أنه كان يمتلك قلبا قاسيا لا يشعر بمعاناتنا وكأنه تبدل إلى وحش قاسٍ وكأننى كنت أعيش كذبة كبيرة انتهت فجأة دون أى انذار. ورغم الظروف الصعبة التى كنا نعيشها فقد تفوق ابنى وحصل على مجموع يؤهله للالتحاق بواحدة من كليات القمة، وبدلا من أن يسعد زوجى بتفوق نجله كأى أب يفخر بابنه، أعلن الحرب علينا، خصوصًا بعد أن صارحته برغبة ابننا فى دخول الجامعة الأمريكية، وهو ما رفضه مما اضطرنى إلى اللجوء للقضاء، والحصول على حكم يلزمه بدفع كافة المصروفات الجامعية، وهو ما لم ينفذه حتى الآن ليترك مستقبل ابنى معلقًا. وللأسف فقد ساءت حالة ابنى النفسية بعد خوفه من ضياع مستقبله، وشعوره بخيبة الأمل تجاه أبيه وإحساسه بالضياع، ما دفعه للإقدام على محاولة الانتحار بقطع شريان يده لكن رحمة الله شملته واستطاع الأطباء إنقاذ حياته ورغم ذلك لم يرق قلب أبيه.