نعلم انه خلال الازمات.. يصعب كثيراً تشكيل الحكومات.. وما كان يحتاج ثلاثة أيام يحتاج ربما أكثر من ثلاثة أسابيع. ولكن الوضع في مصر ليس كذلك.. لان الثورة ببساطة قطعت من مشوارها 11 شهراً.. ولكنها للاسف مازالت في مرحلة المخاض!!. فالدكتور كمال الجنزوري تحمل المغامرة - وهو في هذه السن الكبيرة - بينما غيره رفضوا وهم كثيرون ومنهم من اقترب من السبعين، ومنهم من تخطي السبعين. وكلهم رفضوا، وقبلها الجنزوري. قبلها إما لانها ترد اليه الاعتبار، بعد الإقالة غير المهذبة من الرئيس حسني مبارك في أكتوبر 1999.. أو ربما ليثبت المقولة الشعبية المصرية ان «الدهن في العتاقي» أو ربما ليقنع كل المصريين انه مازال قادراً علي العطاء. ولكن مرت الايام.. ولم ينته الدكتور الجنزوري من مهمته.. بل انه يعيد النظر حتي في بعض الذين استقبلهم من قبل.. ويمكن أن يغير بعضهم.. ولا نقول إن ذلك بسبب رفض ثوار ميدان التحرير قبول الرجل، بل وقبول حكومته.. ولكن لاسباب أخري غيرها كثيرة.. لعل أبرزها خوف المعروض عليهم المناصب من ألا تطول مهمة الحكومة أو حتي لا تستطيع أن تكمل مهمتها.. أو حتي لا يتم «حرق» الوزراء.. لانهم - والجديد منهم - لن يحصل علي معاش الوزير!!. وأبرز المشاكل التي تعترض حكومة الانقاذ هذه، أكثر من وزارة.. منها الاعلام..ومنها الداخلية.. وأيضاً ما هي الحقائب التي يمكن التي يتولاها شباب التحرير. ثم لا ننكرر دور العاملين في هذه الوزارات الذين يرفضون تولي بعض الاشخاص لوزارات معينة. مثلاً وزارة الداخلية.. ترددت أسماء عدة.. لواءات بعضهم معروف وبعضهم في الظل. ولكن بعضهم يخشي من تحمل هذه الاعباء. فالمهمة ثقيلة للغاية.. لان الثقة باتت معدومة بين الشعب والشرطة. وما كدنا نحصل علي بعض الثقة بين الطرفين جاءت أحداث ماسبيرو ثم أحداث شارع محمد محمود لتقلب الاوضاع تماماً وتزداد الفجوة بين الطرفين. وباتت المهمة الاولي هي اعادة هيكلة قطاع الشرطة بشكل حديث يلبي طلبات الامة. وهنا - اذا كان رجال الامن والداخلية لم يقبلوا المهمة من الدكتور الجنزوري.. فليس هناك إلا حل واحد.. هو أن يتولي الرجل بنفسه وزارة الداخلية، رغم انه أعلنها انه لن يحمل أوزار أي وزارة أخري.. مكتفياً برئاسة الوزراء. ولكن التاريخ المصري - منذ عرفت مصر الوزارة عام 1878 أيام الخديو اسماعيل - عرف مبدأ تولي رئيس الحكومة لمنصب وزير الداخلية أيضاً. وبدأ هذا المسلك محمد شريف باشا عام 1879 عندما تولي الداخلية بل والخارجية بجانب الرئاسة وكذلك مصطفي رياض باشا في حكومته الثانية بين عامي 1888 و1891 وكذلك محمد سعيد باشا 1910 وكذلك عبدالخالق ثروت. وحتي بعد اعلان استقلال مصر وصدور دستور 23 وتكليف سعد زغلول الفائز بأغلبية البرلمان - في يناير 1924 - احتفظ سعد زغلول بمنصب وزير الداخلية بجانب الرئاسة.. وتبعه في نفس المنهج أحمد زيوار حتي كاد ذلك يصبح مبدأ عاماً في كل الوزارات بعد ذلك، خصوصاً خلال الازمات. وفعلها حتي مصطفي النحاس باشا في كل حكوماته قبل يناير 1950 بداية من حكومته الاولي عام 1928. وفعلها أيضاً صاحب حكومة اليد الحديدية، محمد محمود باشا بعد ذلك في حكومته الشهيرة وكذلك عدلي يكن والنحاس من جديد في حكومته الثانية عام 1930. وللاسف عرفت مصر اليد الحديدية سواء علي عهد محمد محمود أو عهد اسماعيل صدقي الذي جمع بين الرئاسة والداخلية والمالية عام 1930 وعلي ماهر. بل ان النحاس باشا في الحكومة التي وقعت معاهدة 1936 تولي وزارة الصحة أيضاً بجانب الرئاسة والداخلية!! وهكذا. هنا نقترح علي الدكتور الجنزوري أن يتولي الداخلية بجانب الرئاسة حلاً لكثير من المشاكل.. الي أن يفتحها الله عليه وعلي مصر بتشكيل الحكومة الدائمة، عقب انتهاء الانتخابات. وتولي شخصية مدنية لوزارة الداخلية ليست بدعة في مصر.. وليس غريباً أن سعد زغلول تولي هذه الوزارة قبل ثورة 19 وكان ذلك في حكومة بطرس غالي عام 1908 قبل أن يصبح وزيراً للحقانية أي العدل بعد عامين. ثم هل نسينا آخر حكومة وفدية بين يناير 1950 ويناير 1952 عندما كان فؤاد سراج الدين نفسه.. وزيراً للداخلية.. وكذلك أحمد مرتضي المراغي بعده مباشرة الي أن قامت ثورة يوليو وكذلك أول حكومة بعد الثورة عندما كان أحمد ماهر رئيساً للحكومة وحتي في حكومة محمد نجيب (7 سبتمبر 1952) كان سليمان حافظ المدني ابن مجلس الدولة.. هو وزير الداخلية. . ويا دكتور جنزوري اعقلها وتوكل وتولي بنفسك وزارة الداخلية والامر لله من قبل ومن بعد.