يجلس أمام منزله البسيط في محاولة منه للهروب من ارتفاع درجة الحرارة داخل المنزل بجزيرة الوراق بالجيزة تراه سارحا في أحواله، ينظر ويتأمل حوله بالرغم من سوء المنظر فالساحة أمامه عبارة عن خضرة ممزوجة بالقمامة ومياه الصرف والحشرات المتطايره. فهو رجل عجوز يرتدي جلباب وعمة بيضاء، رحلة معاناة شبابه نقشها الزمن على وجهه حتى لم ترحم سنه واستمرت معه حتى تعدى السبعين من عمره، تستريح بجواره رفيقة دربه وشريكة عمره مرتديه جلباب يغلب عليه الطابع القروي وهذا مظهر أغلب السيدات بجزيرة الوراق. مرارة الحياة اقتربنا منه ليقابلنا عم جمال علي جاد، بابتسامة تخفى خلفها متاعبه التي حملها فوق عاتقة منذ أكثر من 60 عاما، ولكن بمجرد حديثنا معه ومع أول كلمة شكى مرارة الحياة ومرارة الفقر والاحتياج التى طالما عاش فيها دون وجود من ينظر لحاله ويهتم به حتى بعد أن أصبح في أرذل العمر الذي يرتاح فيه كبار السن ويجدوا من يحنو عليهم ويخدمهم، فالموظف ينهي خدمته بالقانون عند الستين من عمره ويصبح "على المعاش"، أما عم جمال مازال يعمل ويتولى مسئولية أسرته في أجواء غير آدمية تعالت الاصوات لاصلاحها ولكن لا أحد يهتم ولا هناك مقومات لحياة طبيعية تقدر البشر فوق تلك الكتلة الأرضية المتوسطة بمياه نهر النيل. ذكريات العجوز واستعاد العجوز ذكريات شبابه في الجزيرة حين كان كل شئ فيها مصنوع من الطين، وكان يعمل بائع خضراوات إلي أن إصيب في قدمه ولا يستطيع الخروج كل يوم وأصبح "على باب الله"، خاصة بعد أن بلغ من العمر 73 عاماً، ويعيش حالياً على مبلغ 450 جنيه معاش الغلابه يتحصل عليه من البريد كل شهر. ربنا بيصرف علينا وقال منفعلاً وبوجهه علامات يأس: " 450 جنيه دول مش بيكفوا أي حاجة طبعاً لا مصاريفي ولا مصاريف عيالي ولا مدارس ولا أي حاجة، أعمل ايه أنا، احنا مش عارفين ناكل والعيال ماتوا من الجوع، ده كيلو اللحمة جوه الجزيرة وصل ل80 جنيه وطبعاً مش بنجبها ده حتى الفراخ مش عارف اجبها، ادخلي عندنا جوه مش هتلاقي غير لقمتين بنقرقض فيهم، واحنا مش بنقول غير يارب". واستطرد بمنتهى الضيق والضجر :"أحنا مش لاقين حاجة ربنا اللي بيصرف علينا هنعمل ايه يعني، حتى العيش الحاف مش بيكفينا الاربع أرغفة عيش مش بيكفوا الفطار بنحتاج ولا بخمسة جنيه علشان العيش عندنا الاربع ارغفة بجنيه". أما عن باقي المشاكل دون الفقر وعدم نظر المسئوليين لمثل حالة عم جمال الذي يحصل على مبلغ لا يمكن أن يعيل فرد واحد في مثل هذه الفترة التى تشهد زيادة كل يوم في الأسعار، أشار المسن لمشكلة تراكم القمامة في كل مكان والتي تعد من أكبر المشاكل على جزيرة الوراق وهذه المشكلة كانت ليس بحاجة أن يبوح لنا بها الرجل العجوز لأنها بازغة كالشمس ومنتشرة في كل ركن بالجزيرة البيوت محاطة بالقمامة وهنا وهناك مقالب "زبالة" كبيرة. 12 ولدوبنت في رقبتي وكان العجوز يجلس وخلفه طفل صغير مقبل على الحياة ووجهه تعلوها ابتسامة بريئة، اتضح فيما بعد أنه أصغر أولاده، فهو لديه 12 أبن، 6 صبيان و6 بنات وقال بنبرة ألم " أنا عندي 12 عيل 6 بنات متجوزين ومش عايشين معايا و3 رجالة بيشتغلوا على بابا الله بس مش بيدوني حاجة من شغلهم، وال3 عيال التانين قاعدين معايا واخرهم اهو اللي ورايا ده، أنا وحدي المسئول عن مصاريف البيت أنا اللي بصرف على البيت والعيال، بس نجيب منين الحمدلله". شاهد الفيديو: