تواجه الصناعة مأزقًا حقيقيًا منذ عدة سنوات، خاصة مع زيادة تكلفة الإنتاج وزيادة أسعار الكهرباء ونقص الغاز وغيرها من المشكلات التى أدت إلى اضطرار عدد ليس بقليل من المصانع لاغلاق أبوابها وما تلا ذلك من تشريد للعمالة، وخسارة الميكنة داخل تلك المصانع. وبين اعتراف البعض بأحقية هذه المصانع فى إعادة التشغيل وإنقاذ هذه الكيانات المهمة - العريقة فى بعض الأحيان - وبين اعتراض البعض الآخر على إعادة تشغيل سوى «من يستحق» ومنح الفرصة لضخ دماء جديدة بكيانات تكون أكثر نجاحًا، انقسم رجال الأعمال بين مؤيد ومعارض لفكرة إعادة فتح وتشغيل المصانع المغلقة والمعثرة ودعمها من جديد.. فما يرى أخرون أن تعويم هذه المصانع ومنحها قبلة الحياة مجددًا أصبح ينتظر قرارًا من القيادة السياسية. بداية يؤيد الدكتور هشام الفتى - وكيل المجلس التصديرى للأدوية والمستلزمات الطبية - وأدوات التجميل فكرة إعادة فتح المصانع المغلقة، مشيرًا إلى أن مصانع المستلزمات الطبية تحديدًا عددها نحو 170 مصنعاً، بينهم 12 مصنعاً توقف عن العمل، بينما توقف ما يقرب من 7 أو 8 مصانع للأدوية. ويؤكد الفتى أن المصانع المغلقة واجهت تلك المشكلة لأسباب عديدة، أهمها التعثر المالى، مشيرًا إلى أن البنوك تتعامل «بحدة» مع الصناعة ككل، بينما تم البلاد بظروف مالية غير طبيعية، لا يمكن لأى مصنع الوقوف أمامها باستمرار. وأضاف أن البنوك من المفترض أن تكون قاطرة لخدمة الصناعة، بينما هى الآن قاطرة لهدم الصناعة، وأن الحل «المالى» يمثل نسبة 70٪ من تلك المشكلة. وقال: إن الحكومة تتعامل مع القضية بأسلوب لا يخلو من «العجرفة» مؤكدًا أن القانون الذى أصدره رئيس الجمهورية فى العام الماضى بشأن إعادة فتح المصانع المغلقة لم يلتفت إليه. ويؤكد «الفتى» أن المشكلة لا تتمثل فى مجرد غلق مصنع، وإنما هى تتضمن رؤوس أموال تم استقطاعها من الاقتصاد وأن الاستثمار الجديد يعنى إنفاقاً جديداً للعملة الصعبة وإرهاقاً للاقتصاد، ويستثنى من ذلك أن المصنع الذى أغلق أبوابه يواجه مشكلة فنية، فيتم تفريغه من محتوياته، ويتم استخدام كل إمكاناته المتواجدة بداخله ليتم فتح مصنع جديد، كما لا بد من مراعاة اختيار صناعة غير متوافرة فى المصانع الأخرى، تكون صناعة جديدة فى خدمة المستهلك. ويرى المهندس حسن عشرة، رئيس مجلس تصدير الغزل والنسيج، ضرورة دعم المصانع المغلقة لفتحها مرة أخرى، مؤكدًا أنه طالب قبل ذلك «بحذف» الزيادة على أسعار الكهرباء إنقاذاً لتلك المصانع ولم يستجب أحد. ويرى أن فكرة فتح مصانع جديدة غير منطقية، لأن هناك مصانع مغلقة، ليس سهلاً إيجاد مثيل لها، ومن بينها مصانع عالية التكلفة بلغت تكلفة المصنع الواحد منها نصف مليار جنيه. ويؤكد «عشرة» أن أسباب إغلاق المصانع ترجع إلى زيادة التكلفة فى أسعار الكهرباء، والمواد البترولية، كذلك عدم كفاءة القطن المصرى الآن والذى تم بناء هذه المصانع من أجله، واضطررنا لاستيراد القطن الأمريكى عالى التكلفة. ويشير إلى أن الحكومة تعالج هذه الأمور فى القطاع العام رغم الخسائر التى يحققها، وتقوم هى بتغطيتها، بينما لم تعالج الأمور بالنسبة للقطاع الخاص، وظهرت النتيجة فى عدم احتواء هذه المصانع للأزمة واضطرارها للغلق. أما محمد عبدالسلام، أحد منتجى ومصدرى الملابس والمفروشات، فيرى أنه ليس هناك أزمة.. وأن القول بإغلاق مصانع هو «مزايدة» على الدولة لصالح أشخاص بأعينهم يبحثون عن دعم لصناعاتهم، بينما الدعم فقط موجه للتصدير وليس للعمل المحلى!! وأكد «عبدالسلام» أن غلق المصانع ليس أمرًا حقيقيًا، ومن يملك أرقاماً بذلك فليظهرها. ويؤكد أن العمالة لم تشرد، مشيرًا إلى أن غلق ما يساوى 1٪ من عدد المصانع الموجودة ليس ظاهرة، وإنما تكون ظاهرة بنسبة 30 أو 40٪ مثلاً. وأشار «عبدالسلام» إلى أن القطاع يضع نحو 8 آلاف مصنع، فما يضير بأن يغلق منها 20 أو 30 مصنعًا فقط.. وأنه لا بد من ضخ دماء جديدة فى السوق، وخروج من يخسر أو «يتعب» أمر طبيعى!! ويشير «عبدالسلام» إلى أن الوضع الاقتصادى على وجه العموم غير مستقر، وأنه هناك أولويات، مثل الغذاء والسكن فمن الطبيعى أن تأتى «الملابس» فى المرتبة الثالثة ونتيجة لارتفاع سعر الدولار، فإن تلك المرتبة الأخيرة لم تعد تنل اهتمام المستهلك بالدرجة الأولى. ويقول «عبدالسلام»: إن الصناعة تتطور، ولا بد من مواكبة هذا التطور، وماذا يضير لو أغلقت 100 ورشة صغيرة وتم فتح منشأة كبيرة بدلاً منها تضم ميكنة حديثة وتضم نفس العمالة دون تشريد. وقال: إنه لا توجد دولة تعطى دعمًا للسوق المحلى، فالمنافسة فى السوق المحلى تعنى الاستمرار، بينما لا بد للدولة أن تدعم التصدير لأن كل الدول تدعم صادراتها لضمان الميزة التنافسية وعلى ذلك فنحن لا نحتاج «التشاؤم» رغم كل الظروف الصعبة العمل مستمرًا ورغم مشكل البنوك فى التمويل وبطء الإجراءات سيتم بضبط كل تلك الأمور مع الوقت. وقال المهندس على عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال، أن هناك مصانع مغلقة وأخرى متعثرة وأخرى على وشك الغلق، أمام المغلقة فقد تكون هناك صعوبة فى إعادة فتحها، فربما بعضها أغلق بسبب التعثر المالى، وأخرى لم يعد لأصحابها وجود فلا يجب أن نأخذ القضية بشكل عام ينبغى دراسة حالة كل مصنع على حدة، وحسب الظروف التى أدت إلى غلقه، هناك مصانع قديمة لا تصلح أصبحت «خارج الخدمة» وربما المجال الذى عمل فيه المصنع كان بلا دراسة. ويرى «عيسى» أننا يجب أن نسير فى الاتجاهين فلا بد من دراسة كل حالة على حدة ولا يمكن فتح كل المصانع المغلقة وانما سيحتاج الأمر إلى حد كبير من وزارة الصناعة والتجارة واتحاد البنوك لاتخاذ حزمة من الدراسات تجاه كل حالة. وأكد «عيسى» اننا يجب أن نرحب بالمصانع والشركات الجديدة ونعطى لها المجال والفرصة لأن تعمل فى بيئة صحية وهو الحل الوحيد لزيادة الإنتاج ولا يجب ربط قضايا ومشاكل المصانع المغلقة بما يستجد من استثمارات جديدة تحمل أملاً فى نجاح جديد. ويرى علاء سماحة، رئيس بنك «بلوم مصر» الأسبق أن البنوك ليس دورها تعويم العملاء ولكن من المفترض إسهامها فى حل الأزمة من خلال تشكيل لجنة لتوصيف حالات المصانع المتعثرة. ويرى أن هناك ثلاث فئات فى المصانع المتعثرة، هى مصانع تعثرت بسبب افتقاد الإدارة لتسويقها تسويقًا جيدًا، والثانية تحتاج لضخ أموال، والثالثة عليها مديونيات ضخمة أفقدتها القدرة على شراء خامات ومعدات. ويرى أن الفئتين الثانية والثالثة بحاجة للتمويل الفورى لأنه سوف يسهم فى زيادة الطاقة الإنتاجية بمجرد الضخ وإعادة التشغيل، أما الفئة الأولى فتحتاج لإدارة تسويقية ناجحة تدعمه فى فتح الأسواق وخاصة المحافظة. وأوضح أن أزمة المصانع وحلها لن يقتصر أثرهما على مجرد إعادة إحياء مشروع أو منشأة متوقفة وتشكيل عمالة بل سيؤدى ذلك إلى حل أزمة الدولار التى اعتمد فى مواردها لفترة طويلة على قطاعات خدمية كالسياحة وقناة السويس وعائدات العاملين بالخارج، فالدولة بحاجة لموارد فى ظل توقف الاستثمارات. وينتقد «سماحة» تجاهل الحكومة للصناعات الصغيرة والمغزية التى اعتمدت عليها معظم الدول الواعدة فى نهضتها الصناعية، مثل دول جنوب شرق آسيا والبرازيل. مستطردًا أن حل مشكلة أصحاب هذه الصناعات والتوسع فى إنشائها سوف يسهم فى خفض جزء كبير من فاتورة الاستيراد، خاصة أننا أصبحنا نستورد مكونات إنتاج يراها البعض تافهة مثل الزراير والسوست. ويشير إلى أهمية وضع منهج للصناعة أطرافه الدولة وأصحاب الأعمال والعاهل بهدف إحياء الصناعة وتغير ثقافة العمل، فالإدارة تهتم بأصحاب المصانع الكبيرة وتمنحهم امتيازات جعلتهم محتكرين وتجاهل أصحاب الصناعات الصغيرة، أما العاهل فهو يفتقد للتدريب الجيد، بالإضافة إلى عدم اتجار معظمهم لأعمالهم كما ينبغى. ويؤكد على فايز، عضو مجلس اتحاد البنوك الأسبق، أهمية طرح ملف المصانع المتعثرة على الرئاسة لإيجاد حلول للصناعة بصفة عاجلة، وذلك ليس لتوقف استثمارات أو تشكل طاقة عاطلة بل لأهميتها فى بدء وضع خريطة لإخراج البلاد من مستنقع الدولار الذى هدد الاقتصاد فى الفترة الأخيرة. وأوضح أن الحكومة منذ الثورة تضع حوافز ومزايا لجذب الاستثمارات، وخاصة العربية دون جدوى، ولذلك فالأولى البحث عن حلول لمنشآت قائمة بالفعل وبها الآلات وخامات وسبق لها العمل بالسوق المصرى ومجرد إعادة ضخ أموال جديدة سوف يسهم فى إعادة تشغيلها واستفادة السوق المصرى من إنتاجها. ويؤكد «فايز» ضرورة الاعتراف أن هناك كثيراً من الديون ظالمة، خاصة للمستثمر الصغير، فللأسف الفوائد تتعدى ال14٪ وفى حالة تأخير العميل السداد تصبح الفائدة مركبة ولذلك يجب أن يكون للبنوك دور، وهى جعل الفائدة متناقضة وإلغاء الغرامة فى حالة تأكدها أن العميل ملتزم. كما يرى ضرورة أن تتدخل الحكومة بقوة لمساعدة العميل فى وضع دراسة جدوى جديدة وخاصة لو التعثر لأسباب خارجية. وأخيرًا فلا بد للبنك المركزى أن يعيد النظر فى سياسته الائتمانية ويتجه لإقراض المصانع المتعثرة.