بعيدًا عن الأضواء، ومن خلف الكاميرات، وقف 4 دبلوماسيين أتراك وراء المُصالحة، التي تمت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بعد قطيعة دامت نحو 9 سنوات، على إثر خلاف وتراشق للاتهامات بين البلدين، بسبب الطائرة الروسية التي أسقطتها أنقرة في سبتمبر 2015. كانت مدينة «سان بترسبورغ» الروسية الشاهد على تلك الصفقة الرابحة للجانبين، أول أمس، بعدما قدم التركي لنظيره الروسي اعتذار رسمي عن قصف طائرته بدون قصد، ليصافحه الأخير مؤكدًا على رغبته في فتح صفحة جديدة مع أنقرة. المُصالحة السريعة الناجحة، حرك ميائها الراكدة توسط 4 رجال، وفقًا لصحيفة «حرييت»، التي أكدت أن رئيس الأركان التركي «خلوصي أكار»، ورجل الأعمال التركي «جويت تشاجلار»، ورئيس كازاخستان «نور سلطان نزاربايف»، هم من قاموا بدور الوساطة في استئناف العلاقات بين روسياوتركيا. وذكرت الصحيفة في تقرير لها بعنوان: «الدبلوماسية السرية وراء إنهاء أزمة الطائرة بين تركياوروسيا»، أن أردوغان أقدم على تسوية الأزمة مع روسيا بناء على مبادرة من قبل «أكار». وتضيف: «أن الرسالة التي عبر أردوغان فيها عن أسفه لوقوع الحادث وأعلن اعتذاره، حملها «تشاجلار» بطريق الجو إلى «طشقند»، التي احتضنت اجتماعًا لرؤساء الدول الأعضاء في منظمة «شنغهاي» للتعاون، ومن بينهم رئيس روسيا ورئيس كازاخستان». وفي «طشقند» قام مساعد الرئيس الروسي، «يوري أوشاكوف»، بنقل الرسالة إلى الرئيس بوتين، وأكد أن الأخير وافق على ما جاء في رسالة الرئيس التركي. «أكار.. رجل تركيا المُخلص» يُعتبر أكار، هو ظل الرئيس التركي، ورجله المخلص، حيث يعمل رئيسًا لهيئة الأركان التركية، بعدما تدرج في المناصب العسكرية داخل الجيش حتى بلغ قمته في خريف 2015. جاء اختياره رئيسًا لأركان الجيش التركي، خلفًا لرئيس الأركان السابق نجدت أوزال، على يد مجلس الشورى العسكري التركي الأعلى، برئاسة رئيس الوزراء السابق «أحمد داود أوغلو»، وبمشاركة وزير الدفاع «وجدي غونول»، وكبار القادة العسكريين. تزامن تعيينه في منصبه مع الأزمة التركية الروسية، إثر إسقاط مقاتلة تركية لطائرة «سوخوي» روسية، وتصاعد حدة التفجيرات الأمنية داخل البلاد وخاصة في مناطق سيادية حساسة. واتسمت حياة «خلوصي أكار» العملية والمهنية بالكثير من الإنجازات المختلفة، فخلال خدمته في القوات المسلحة التركية عُرف عنه اتخاذه للقرارات السريعة دون التطرق إلى التفاصيل، وتفكيره كمواطن مدني وتصرفه بحنكة بمبادئ عسكرية لهذا لقب ب«سيري باشا». كما واجهت البلاد في عهده تحديات أمنية جسيمة بتنفيذ تفجيرات في أماكن سيادية حساسة، ثم بتدبير قطاعات من مؤسسته العسكرية محاولة انقلاب فاشلة للاستيلاء على الحكم يوم 15 يوليو الماضي. وكان له دور قوي إبان محاولة الانقلاب الفاشلة، فلن ينسى الرئيس التركي الدور الذي لعبه «أكار» وكان سببًا في بقاؤه حتى الآن في منصبه، فبفضله استطاع أردوغان النجاة من مقصلة الانقلاب. فلم يوافق رجل أردوغان، على تأديه دور «ممدوح تاجماك»، قائد هيئة الأركان الذي قاد «انقلاب المذكرة» عام 1971 على حكومة «سليمان ديميريل». «تشاجلار.. الرجل الثاني» كما كان «أكار» أول من رشح لأردوغان اسم رجل الأعمال التركي «جويت تشاجلار» كوسيطًا للمُصالحة، حيث عمل الأخير ممثلًا لرئاسة أركان الجيش سابقًا في حكومة «دميرل» بالتسعينات. ولعب دور محوري، خلال تلك الفترة، كحلقة وصل بين تركيا وجمهورية أذربيجان؛ نتيجة علاقته بالرئيس الأذري «حيدر علييف»، للقبض على «عبدالله جولن» زعيم حركة الموازين التركية المعارضة، فقام «علييف» حينئذ بإعطاء طائرته الخاصة للاستخبارات التركية، والتي أرسلت عليها فريقًا خاصًا إلى «كينيا» للقبض عليه. عقب لقاء «أردوغان» بكل من «أكار وتشاجلار»، أعطى «أردوغان» الضوء الأخضر لبدء قيام الأخير بعملية الوساطة. «أوشاكوف وكالن.. رُسل المصالحة» وعقب ذلك، قام كلًا من «إبراهيم كالن»، المتحدث باسم الرئاسة التركية، والشخص المسؤول عن الاتصال بالدبلوماسي الروسي «يوري أوشاكوف» أحد مساعدي بوتين، على صياغة خطاب جيد كي يُرسله «أردوغان» إلى «بوتين»، وهو خطاب خضع للتعديلات في أنقرة وموسكو عدة مرات. كان «كالن» من أبرز داعمي أردوغان خلال الانقلاب، الذي امتدحه كثيرًا، مؤكدًا أن مصير الانقلابيون السجون، كذلك فإن «يوري» أحد الرجال المقربين من دوائر الحكم الروسية، ودومًا ما يتحدث بلسان «بوتين». «نزاربايف.. كاتب السطر الأخير» أما الرئيس الكازاخستاني، «نور سلطان نزاربايف»، فقد كان له دور قوي في المُصالحة، وفقًا لصحيفة «ساسة بوست»، التي أكدت أنه اتصل في 22 يونيو الماضي، بالسفير الكازاخستاني في تركيا «جانسيت تويمِباييف» ليبلغ تشديده للرئيس التركي على ضرورة المُصالحة. وكان الرئيس الكازاخستاني وقتها التقى «بوتين» في مدينة القديس ب«طرسبرغ» قبل أيام، حيث أعرب الرئيس الروسي على استعداد لقبول خطابًا للاعتذار إن كان «أردوغان» على استعداد لإرساله بالفعل، وقد كان الرئيس التركي من ناحيته على استعداد لإرسال خطاب فتم الصلح بينهم.