التعليم قاطرة الأمم.. هذا إذا استخدمت الآليات الحديثة فى البحث العلمى والابتعاد عن الطريقة التقليدية فى الحفظ والتلقين، وسعى إلى تنمية الفكر والابتكار، والتحليل والتفسير.. هكذا يرى الدكتور حمدى السكوت الخبير التعليمى والتربوى، والأستاذ «الفخرى» لقسم الحضارة العربية والإسلامية بالجامعة الأمريكية، حيث أكد فى حواره أن أمراض التعليم راسخة ومتجذرة ومتشعبة ومتنوعة ومن الصعب القضاء عليها بسهولة، مؤكدًا أن بداية انهيار التعليم كانت مع ثورة يوليو 1952 ولازال التعليم فى انحدار مستمر. مشيرًا إلى أن التدهور العلمى فى التعليم كبل العقول ولم يستنهضها فتسللت الأفكار الشاذة إلى عقول الشباب، وأفرزت العنف والتحرش. وأضاف أن التعليم الحكومى ينتج الفاشل والجاهل والتافه والمشوه فكريًا، لا ثقافة ولا علم ولا فكر ويقودون الوزارات والإدارات إلى الضياع، واصفًا التجربة الصينية فى التعليم بأنها الأنسب فى تطوير التعليم المصرى لتشابه ظروف الدولتين وهى الحل الأسرع والناجز لعلاج أزمات التعليم * فيما تتمثل أزمات التعليم فى مصر؟ ** أزمات التعليم فى مصر راسخة ومتجذرة وفى منتهى القوى، ومن الصعب القضاء عليها، لأنها حدثت بفعل فاعل، وبقرارات غير مدروسة من المسئولين منذ يوليو 1952، بسبب التحاق أعداد مهولة من الطلاب إلى التعليم دون استعداد الدولة لاستقبالهم وإعدادهم الإعداد الجيد، بعدما قرر «عبدالناصر» فرض مجانية التعليم، لأن الدول العربية كانت بدأت تتجه نحو المدنية بعد ظهور البترول، ومن الطبيعى أنهم كانوا سيحتاجون إلى موظفين فى شتى المجالات، فتم تطبيق سياسة المجانية دون دراسة أو استعداد، مع أن الوفد هو الذى بدأ مجانية التعليم ولكن بتعقل وروية بما لا يخل بالمنظومة التعليمية فظهر لنا علماء وأدباء وشعراء نفتخر بهم. * لكن كان على رأس وزارة التربية والتعليم «كمال الدين حسين» وهو من ثوار يوليو البارزين؟ ** مع احترامى الشديد «كمال الدين حسين» ذاته لم يحصل على التوجيهية، وكان حاصلًا على الثقافية ثم اتجه إلى الكلية الحربية، ولم يكن لديه رؤية للنهوض بالتعليم، ولهذا كان يطبق سياسات الثورة، ووافقت وزارة التربية والتعليم على قبول الاعداد الكبيرة لأنه كان توجه دولة ولم يقدم رؤية للتطوير أو للاستعداد لهؤلاء الطلبة الجدد، وكانت هذه بداية انهيار التعليم. * ولماذا لم تتم الاستفادة من البعثات التعليمية التى عادت من الخارج؟ ** للأسف لم تتم الاستفادة من البعثات الخارجية لأن «عبدالناصر» أصدر قرارًا بتجميد الكادر الخاص للأساتذة الذين سافروا وحصلوا على البعثات، فهرب الأساتذة إلى دول الخليج، والطلبة المساكين لم يتطوروا واعتادوا على الحفظ والتلقين، ولم يعتادوا على الفهم والبحث العلمى. * وهل الجماعات الدينية أثرت على العملية التعليمية؟ ** بالطبع جماعة الإخوان أثرت بالسلب على العملية التعليمية، فقد كانت تصطاد الطالب المعزول، والمنطوى على نفسه، وغير اللامع فى دراسته أو بذكائه أو بشخصيته المرحة، وهؤلاء كانوا كثيرين لتضمهم إليها، وكانوا من فقراء الشعب، والجماعة كانت تنفق عليهم سواء كانوا بنات أو بنين وتحثهم على النجاح فقط، ولا تدعمهم للتفوق والابتكار لأنها فى احتياج إلى عقول رتيبة وجامدة حتى تتبع الجماعة على مبدأ السمع والطاعة، واكتسحت جماعة الإخوان الجامعات المصرية بهذه المخططات، فتم تشكيل جبهة مدنية ضدها، وأرغمتنى على الترشح لاتحاد الطلبة ضد «عبدالصبور شاهين» مرشح الإخوان، مع أنه لم يكن لى شأن بالسياسة، ومع هذا حصلت على أعلى الأصوات، وهذا كان قبل يوليو 1952. *.. وماذا بعد قيام ثورة يوليو؟ ** فى هذه الفترة كان أعضاء جماعة الإخوان قد تغلغلوا فى المنظومة التعليمية بشكل رهيب، ثم مع شهر العسل الذى كان بين الإخوان وبين ثوار يوليو قبل محاولتهم للغدر ب«عبدالناصر» فى ميدان المنشية 1954 أصبح الإخوان لهم كلمة مسموعة فى المنظومة التعليمية فى مصر من خلال أعضائها المدرسين أو أساتذة الجامعات أو القيادات الإدارية فى وزارة التربية والتعليم، أو فى الأقسام المختلفة للكليات. *.. وهل استمر الانهيار فى عصر «السادات»؟ ** الانهيار الكبير للتعليم فى مصر كان قد بدأ فى عصر «عبدالناصر»، وفى عصر «السادات» لم نستطع إرسال بعثات دراسية للخارج بعد مقاطعة العرب لمصر، وسأل «السادات» المتخصصين الذين كانوا يشرفون على إدارة البعثات بأن يفكروا فى حل لهذه الأزمة، وحينها كلمنى الدكتور «مهدى علام» وكان من كبار أساتذة دار العلوم، وسألنى ماذا يفعلون؟ وهل لدى حل أستطيع تقديمه من خلال الجامعة الأمريكية؟ وما هى التخصصات التى يمكن أن تساهم فيها الجامعة؟ وبالفعل ذهبت إلى مؤسسة «فورد» للسيارات وكانت بجوار الجامعة الأمريكية، وطلبت منهم المساعدة، فقالوا: «نحن هنا للمساعدة»، فشرحت لهم الموقف، وأن الجامعة الأمريكية على استعداد لقبول أفراد البعثات التى كانت ستسافر إلى الخارج على أن يتم تعليمهم حتى درجة الماجستير، ثم يسافر الدارس إلى الخارج للحصول على درجة الدكتوراه خلال سنتين بدلًا من 10 سنوات، وبهذا نكون وفرنا على مصر مبالغ كبيرة تنفق فى بعثات الخارج، وتم الترحيب بالفكرة، وبدأنا بكليات التربية ثم دار العلوم واستكملنا باقى الكليات فيما بعد. *.. وماذا عن طبيعة الطلبة الذين تم استقبالهم فى الجامعة الأمريكية بديلًا عن البعثات؟ ** «يضحك فى أسي» ويقول: وجدنا الطلبة «ميح».. لا معلومات ولا لغات، ولا ثقافة، وبدون آليات للأبحاث والدراسات، وأذكر اننا وصلنا إلى قسم الانجليزي، وأرسلنا إلى جميع الكليات، وفى فرع جامعة أسيوط كانت توجد أستاذة تم ترشيحها إلينا، وقالوا: «انها تدرس 25 محاضرة وحاليا تصحح الامتحانات»، واستسمحونا أن ننتظرها حتى تنتهى من تصحيح الامتحانات، ووافقنا، وعندما جاءت إلينا دخلت امتحان لغة لنعرف مستوى الأستاذة القادمة إلينا ولكنها رسبت فى الامتحان الذى كان فى مستوى الطالب فى الجامعة الأمريكية بعد حصوله على الثانوية العامة، مع أنها أستاذة وتدرس 25 محاضرة! إلى هذا الحد انهار التعليم فى مصر. * هل هذا سبب لظاهرة السرقات العلمية فى الجامعات؟ ** ظاهرة السرقات العلمية سببها تدهور التعليم وانحداره ولم يعد أحد يقرأ أو يعرف الأبحاث والرسائل العلمية، ولا يطلع على النشرات العلمية، والرسائل والأبحاث وعندما كنت فى جامعة «كامبردج» بإنجلترا كان بها نشاط ثقافى وطلبوا منى التحدث عن مصر، فقلت إن «عبدالناصر» له حسنات كثيرة ولكنه لا يطيق الحرية والديمقراطية، فجاء لى زميل مصرى وقال: «كيف تقول هذا الكلام»؟ وكان جاسوسًا على زملائه الطلبة، ثم سرق رسالة وقدمها باسمه معتقدًا أنه فى مصر، وتم اكتشافها وفصلوه ثم عاد إلى مصر. * ما هى أمراض التعليم فى مصر؟ ** أمراض التعليم كثيرة ومتنوعة ومتشعبة ومتشابكة، ولها جذور قوية من الصعب اقتلاعها، منها الأعداد المهولة التى تلتحق بالتعليم كل عام دون الإعداد الكافى لها حتى يستفيد منها سوق العمل، ومن الصعب أن تتوقف الحكومة على هذه السياسة بعدما أصبح التعليم كالهواء حقاً للجميع، والمدرسون فى المدارس، والأساتذة فى الجامعات يحتاجون إلى دخل يعينهم على المعيشة، ويوفى لهم حياة كريمة، ويحتاجون إلى إعادة تأهيل حتى يعرفوا ماذا يفعلون مع الطلبة وماذا يقدمون لهم؟ وما نتيجة العملية التعليمية معهم، ثم إن الأسرة المصرية ترهق بإهدار المليارات على الدروس الخصوصية، بما يؤثر على اقتصاد الدولة بالسلب. * وما هو المنتج النهائى لهذا التعليم؟ ** المنتج التعليمى أصبح فى منتهى السوء، والخريج مجرد عاطل لا يفقه شيئا، لا علم، ولا ثقافة لا رؤية، لكنه حاصل على شهادة، لأنه يعتاد على الابتكار والبحث العلمى، أو الفهم والتحليل، وبدون لغات أجنبية ولا نشاطات ثقافية أو رياضية أو فنية، ولم يدخل معامل حقيقية أثناء دراسته، ولم يدرس على الكمبيوتر والإنترنت فى دراسته، ولهذا يخرج إلينا التعليم كوارث، تقود الوزارات والهيئات والإدارات إلى الضياع. * وماذا عن ظاهرة تنوع التعليم بين إنجليزى وفرنساوى وألمانى وعربى ودينى؟ ** هذه ظاهرة سيئة، لأن هذا التعليم لا يدخله إلا الأغنياء الميسورون، لأن التعليم الأميرى ينتج الفاشل والجاهل والتافه والمشوه، الذين لا يستطيعون القراءة والكتابة، فأصبح التعليم الجيد مكلفًا، مع أن القرى مليئة بالعقول التى تشبه الجواهر لو تم الاهتمام بها ورعايتها لأفرزت علماء وأدباء وفلاسفة وعباقرة فى شتى المجالات. * ما هو تقييمك للتعليم الفنى؟ ** التعليم الفنى يحتاج إلى ميزانية ضخمة جدًا لتوفير الخامات والآلات التى سيتدرب عليها الطلبة، بالإضافة إلى مدربين متخصصين مهرة، والأهم أن يكون لدى الطالب الرغبة فى هذا التعليم، ثم لابد من بحث متطلبات سوق العمل واحتياجاته لهؤلاء الطلاب، ولكن للأسف يلتحق الطالب بالتعليم الفنى رغمًا عنه لضعف إمكانياته الاستيعابية والنتيجة كوارث فى منتج التعليم الفنى. * ما هى أمراض الجامعات؟ ** هذه الأمراض تتمثل فى الأساتذة غير المؤهلين لأن يصبحوا أساتذة جامعات، وأصبح الكثيرون منهم يتحدثون فى شتى المجالات دون الإلمام بأى مجال لمجرد إنه أستاذ جامعى، لدرجة أن أحد أساتذة الفلسفة نقد أدب «نجيب محفوظ» فى رواية «أولاد حارتنا» وأكد أن «الجبلاوى» هو الله، وأن «إدريس» ابنه والمقابل له «إبليس» وهو مقتنع برأيه، وبعد أن قتل «عرفة» «الجبلاوى» وقال إنه سيعيد احياءه مرة أخرى، فأصحاب النفوذ قتلوا «عرفة» فكيف يقتل «الإله»؟!! وهو بهذا النقد قتل العلم. * وكيف نرى ظاهرة توريث منصب الأستاذ الجامعى؟ ** أنا مع توريث مهنة الطب، لأن الأب سيورث لابنه المهنة جيداً، ولا أعارض هذا ولكن أرفض الواسطة وتعيين أبناء الأساتذة وهم جاهلون فاشلون. * ولكن هذا التوريث سيمنع الحراك الاجتماعى؟ ** لا.. الحراك الاجتماعى لن يستطيع أحد أن يمنعه لأنه سيتم رغمًا عن الجميع. * إلى أى مدى أثر تدهور التعليم على البحث العلمى؟ ** بالطبع لن يوجد بحث علمى مع تعليم فاشل بهذا الشكل، والاستاذ الجامعى لن يصبح متواجدًا فى الجامعة فهو يعمل مستشارًا ومنتدبًا لجامعة خاصة، أو يسعى وراء الفضائيات والإعلام وأصبح غير متفرغ للطلبة ليسألوه ويتعاملوا معه، أو يكلفهم بالأبحاث والدراسات والنقد وبهذا يتم تشكيل ثقافة الطلاب وفكرهم العلمى ولكنه بدلًا من التدرج العلمى أصبح التعليم فى تدهور علمى. * هذا أحد أسباب عدم وجود مشروع تنويرى ينهض بالمجتمع؟ ** بالطبع لأن المفترض أن التعليم يأتى أولًا ثم الثقافة والتنوير فكيف يصبح لدينا مشروع تنويرى ينهض بالأمة وينشر الاستنارة فى المجتمع فى ظل هذا التعليم الذى يكبل العقول، ولا يستنهضها بالفهم والبحث وعدم التلقين والحفظ، بما ساعد على تغلغل الأفكار الخاطئة الشاذة فى عقول الشباب والتى أفرزت ظاهرة العنف والتحرش والتقليد الأعمى فى الملبس والسلوك بعيدًا عن الرقى الحضارى والذوق العام، وتفسير كل شيء بالفهلوة وأصبح الحصول على أى حق من الحقوق عن طريق الواسطة أو المحسوبية أو دفع الرشاوى.. وابتعد الشباب عن الأخلاق والشهامة والصفات الحميدة التى كان يتمتع بها المجتمع المصري، وتقوقع ضعاف النفوس داخل جماعات متطرفة زادتهم انغلاقًا وتطرفًا وسوء سلوك. * وماذا عن التعليم الأزهرى؟ ** التعليم الأزهرى للأسف أضاعه الدكتور «عبد الحليم محمود» شيخ الأزهر الأسبق، مع أنه كان أستاذا عظيما جدًا وعالمًا جليلًا وفقيهًا لا يشق له غبار ولكنه للأسف اتخذ قرارًا سيئًا للغاية أضر بالعملية التعليمية فى الأزهر الشريف، عندما أوقف الكتاتيب، لحفظ القرآن، وحولها إلى مدارس لتدريس المنهجين، المنهج الدينى والمنهج المدنى، ومن هنا أصبح الطالب لا يستطيع تحصيل المنهج الأزهرى أو المدني، بسبب قبول الأعداد الكبيرة جدًا من الطلاب، فتحولت أمراض التعليم المدنى إلى التعليم الدينى، بسبب عدم وجود أعداد كافية للأساتذة تكفى هذا العدد الكبير من الطلاب. * لكن إضافة التعليم المدنى إلى الأزهر يعتبر تطويرًا.. فكيف تصفه بالانهيار؟ ** أنا كنت فى التعليم الأزهرى، وأؤكد أن قرار الدكتور «عبدالحليم محمود» رحمه الله أضاع التعليم الأزهرى، وأذكر حينها أن شيخ المعهد الأزهرى فى القرية لدينا كان حاصلًا على دبلوم تجارة وكان عاطلًا، وبعد صدور هذا القرار تم تعيينه شيخًا للمعهد الدينى وتم تعيين آخرين من الكتاتيب الذين يحفظون القرآن الكريم للأطفال، لأنهم لم يكونوا مستعدين لهذا القرار، ولم يكن لديهم كوادر فى الأزهر تتحمل عبء هذه المسئولية.. حيث كان فى السابق يوجد فى القطر المصرى بالكامل 8 معاهد أزهرية لطلاب الثانوية، وكان يوجد معاهد أزهرية لتلاميذ الابتدائى حوالى عشرة معاهد، وكان الاهتمام بها جيدًا فأخرجوا عباقرة، وعلماء أفذاذاً أجلاء شهد لهم علمهم، وسجلوا أسماءهم فى التاريخ، لأن الفصل الدراسى كان محترمًا ومهيئًا للعملية التعليمية بوجود أستاذ على قدر المسئولية، وكانت تتم قراءة التراث كلمة كلمة وكانت المواد التعليمية جميعها من العلوم الشرعية، ولكن بعد إضافة التعليم المدنى فى عهد الدكتور «عبدالحليم محمود» انهار التعليم الأزهرى وانحدر. * لكن كان التعليم فى أوروبا دينيًا أيضًا، وساعد إدخال التعليم المدني على التطوير؟ ** نعم.. كان التعليم فى أوروبا خلال العصور الوسطى تعليمًا دينيًا فى «اللاهوت» ولكنهم تطوروا عبر القرون بعدما انتقلوا من التعليم الدينى إلى التعليم المدنى، ولكن مع هذا التحول بدأ أيضا تدهور شريد فى شتى مناحى الحياة، ثم بدأ التدرج فى الرقى الحضارى والثقافى والاجتماعى والاقتصادي، بعدما استعدوا بتأهيل الأساتذة القادرين على القيام بالعملية التعليمية، وتوفيرهم بأعداد مناسبة تتناسب مع ازدياد الطلبة، فانتهت مشكلتهم فى التعليم، وتقدموا وتطوروا وخرجوا من عصور الظلم، وامتلكوا زمام الأمور بسبب العلم والتعليم، لكن فى مصر، صدر القرار فجأة بقبول الأعداد الكبيرة من الطلاب دون التجهيز والاستعداد لأن الدولة العربية بدأت تتحول إلى دولة مدنية بسبب الاكتشافات البترولية وكانت فى احتياج إلى موظفين فى البنوك، ومدرسين، ومهندسين وأطباء وصيادلة ومحاسبين، ولم يكن التعليم المدنى قادرًا على توفير هذه الأعداد من الخريجين الذين يحتاجهم سوق العمل العربي، فتم الاتجاه إلى الأزهر للمساعدة فى تخريج عدد من هؤلاء الموظفين، فتم إدخال التعليم المدنى إلى طلابه. * وماذا عن قرار تطوير الأزهر وأثره على التعليم الأزهرى؟ ** قرار تطوير الأزهر الذى أصدره «عبدالناصر» كان من أسباب إفساد التعليم الأزهرى الذى حدث مع عصر «عبدالناصر» ثم انهيار كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، والمعاهد الدراسية الأزهرية بعدما تولاها غير الدارسين ولا المتخصصين، ثم إن قرار تطوير الأزهر كان يهدف للسيطرة على الأزهر من خلال الحكومة، حتى لا يكون مستقلًا استقلالًا تامًا فى مواجهة سياسات الحكومة وقراراتها، وبهذا قرار تطوير الأزهر أضاع دور الأزهر التنويرى والثقافى والتعليمى، بما أعطى الفرصة لجماعات الإسلام السياسى من الانتشار والتغلغل فى المجتمع المصرى واحتكار الفكر الدينى الخاطئ لتسيطر به على عقول الشباب غير الفاهم لحقيقة الدين وجوهره، وأيضًا تسيطر على عقول البسطاء فى الناس بما أفرز لنا جماعات إرهابية تحتكر المرأة، وتكفر المجتمع وتحاول فرض أفكارها عليه بالقوة من خلال سعيها إلى السلطة، كما رأينا وعانينا منه خلال حكم الإخوان وما بعد «30 يونية» من إرهاب. * ما هى روشتة علاج التعليم فى مصر؟ ** علاج العملية التعليمية وتصحيحها فى مصر بوضعه الحالى فى منتهى الصعوبة ويحتاج سياسات وخطوات طويلة الأمد، إلا إذا كنا سنخترع أشياء تدخل العلم بالابتكار والأهم هو أن ننسى أن ما لدينا حاليًا يسمى تعليمًا لأن نتائجه ضعيفة جدًا وكارثية، وعلينا أن نبدأ من الصفر، وحتى نصل إلى ما كان عليه التعليم فى مصر نحتاج «30 سنة» من العمل الجاد لتأهيل مدرسين للابتدائى والثانوى، وأساتذة جامعات على أعلى مستوى من الكفاءة والقدرة على تحمل مسئولية بناء جيل من الأمة واع وفاهم وقادر على الإبداع والابتكار وعدم الاعتماد على الحفظ والتلقين الذى يلغى العقول ويقتل المواهب والتميز والتفرد. * وهذا ما طالب به الرئيس «السيسى» فى برنامجه الانتخابى بضرورة وجود تعليم متميز؟ ** نعم.. ولكن من الظلم تكليف الرئيس «السيسى» بتطوير التعليم بمفرده، بعد انهياره وانحداره على مدى سنوات طويلة منذ ثورة يوليو 1952، والتعليم المصرى فى انحدار مستمر، ويمكن أن يطلق عليه أى مسمى غير انه تعليم أو تعلم لأنه بعيد كل البعد عن الفهم والابتكار، والبحث العلمى. * ألا توجد حلول سريعة لعلاج أزمات التعليم؟ ** بالطبع توجد.. وهى البحث فى التجارب الدولية الناجحة فى تطوير التعليم من خلال الدول التى تتشابه ظروفها معنا، وأرى أن التجربة الصينية ربما تفيدنا فى تطوير العملية التعليمية لأن الصين تتشابه معنا فى الأعداد الكبيرة من الطلبة، بل هم أكثر منا عددًا، فليبحث القانون عن التعليم هذه التجربة للاستفادة منها فى تصحيح المسار التعليمى، بل يمكن لنا بعد ما تم استكمالها فى الصين أن نبتعد عن السلبيات والعقبات التى عانوا منها ونطبق السياسات الايجابية على الفور، ولكن هذا يحتاج إلى إرادة وإنكارا للذات والبحث عن الصالح العام ومستقبل أبنائنا وأوطاننا، وحينها لن ننتظر «30» عامًا حتى نتولى النشء الصغير من الابتدائى بالرعاية التعليمية السليمة، وربما يكون فى تطبيق التجربة الصينية الحل الأسرع والناجز لعلاج أزمات التعليم ويجب التصميم على تحقيق مستوى جيد فى مخرجات التعليم حتى يتحقق الهدف من التطوير، ذلك بالاهتمام بتطبيق الآليات الحديثة والبحث العلمى بالوسائل الحديثة، والابتعاد عن الطريقة التقليدية، لأن الأعداد فى تزايد مستمر وهذا يجهض أى تجربة جديدة. د. حمدى السكوت فى سطور: * أستاذ فخرى لقسم الحضارة العربية والإسلامية بالجامعة الأمريكية. * ليسانس اللغة العربية وآدابها من كلية دار العلوم، الأول على الدفعة 1955. * دبلوم فى التربية من معهد التربية العالى للمعلمين جامعة عين شمس 1956. * دكتوراه من جامعة لامبورج 1965. * مدرس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة «56 1970». * معار للجامعة الأمريكية من 1967 ثم استاذ دائم بها من «70 2006». * مشرف على وحدة البحث العلمى للدراسات العربية بالاشتراك مع د/مارسون جونز 1971. * أصدر سلسلة إعلام الأدب العربى المعاصر 1991. * مشرف على برنامج الجامعة الأمريكية لتأهيل المعيدين 1974 1980». * أستاذ زائر بجامعة كاليفورنيا «1973 1974». * أستاذ زائر بجامعة واشنطن 1976. * زميل زائر بجامعة كامبروج 1980. * عضو مدى الحياة بكلية «كليرهول» 1981. * عضو لجنة القصة ولجان منح جوائز الدولة فى القصة «1981 1993». * مستشار زائر للإسهام فى إنشاء جامعة السلطان قابوس 1987. * مدير مركز الدراسات العربية بالجامعة الأمريكية «1987 1989». * مشرف على البرنامج الثقافى العربى بالجامعة الأمريكية «1977 2006». * مدير وحدة البحث العلمى للدراسات العربية بالجامعة الأمريكية «1992 2006». * عضو اللجنة العليا لتطوير وتحديث دار الكتب المصرية «1992 1998». * عضو لجنة تقييم برنامج اللغة العربية بجامعة «العين» 1994. * عضو لجنة التحكيم للفائزين بجائزة سلطان بن عويس 2001. * مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة «2005 2008».