يظهر أثرها فى كثير من الصناعات ويجنى ثمارها مجموعة من أصحاب المصالح ومراكز القوى فى الدولة. 300 مليار جنيه تضيع سنوياً على مصر، وحينما تسعى الدولة لتحصيل مواردها اللازمة للنهوض من أزمتها الاقتصادية تعلو أصوات المعارضين مرددين نغمة هروب المستثمرين وإغلاق المصانع. 5 آلاف محجر فى مصر، منها 1698 محجراً فقط حاصلة على التراخيص الرسمية، فى حين أن الغالبية منها ويقدر بحوالى 3302 محجر تعمل دون ترخيص وذلك حسب التقديرات الرسمية. وتضيع مليارات الجنيهات على الدولة جراء عمل المحاجر تحت مظلة القانون رقم 86 لسنة 1956 الخاص باستغلال وتأجير المناجم والمحاجر. وبعد 59 عاماً على إصدار القانون لنا أن نتخيل أن الرسوم التى تحصل عليها الدولة نظير استخراج تلك الكنوز فى مصر تبلغ 20 مليماً لطن الرمال، فى حين يباع الطن للخارج ب10 دولارات. أما المستوردون فيبيعونه بعد تنقيته ب200 دولار للطن. وتبلغ رسوم الدبش 15 ملماً، والجبس 50 مليماً للطن، و30 مليماً لطن الحجر الجيرى فى حين يباع ب750 جنيهاً بالأسواق ويبيعه المستثمر للخارج ب300 دولار، وتبلغ رسوم متر الطفلة التى تدخل فى صناعة الأسمنت 50 مليماً. والمؤسف أن مجموع العائدات التى كانت تحصل عليها الدولة سنوياً من المحاجر حسب القانون القديم 450 ألف جنيه. وفى 2014 دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى لإصدار قانون الثروة المعدنية رقم 198 لسنة 2014 للحد من نزيف موارد الدولة والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة. فحسب بيان وزارة المالية فإن العائد السنوى طبقاً للقانون الجديد يبلغ 10 مليارات جنيه سنوياً ورغم أن نسبة العائدات ضعيفة حسب آراء الخبراء إلا أن البرلمان اعترض على القانون.. وكان التصويت بالرفض من 180 نائباً مقابل 164 نائباً وافقوا عليه. ويستهدف القانون تعظيم القيمة المضافة وزيادة العائدات المالية للدولة من ثرواتها المعدنية والتى قد تصل إلى 9 مليارات جنيه سنوياً. ثروة مهدرة «النمرة» فى لغة المحاجر هى قطعة من الجبل تقدر بالأمتار المطلوبة طولاً وعمقًا، وتكون لها رسوم ضريبية سنويًا. وحسب القانون القديم لو استخرج المستأجر من تلك «النمرة» 2 كيلو رمل أو حجر جيرى سيدفع الرسوم المتفق عليها.. ولو استخرج منها 2 مليون طن رمل أو حجر جيرى سيدفع أيضاً ذات الرسوم المتفق عليها.. أى أن الرسوم واحدة مهما اختلفت الكمية المستخرجة. وتحتل مصر المركز الثالث عالمياً من حيث الثروة المحجرية تتمثل فى الحجر الجيرى والزلط والرخام والجرانيت والملح والفوسفات. وبدأت قصة المحاجر فى مصر حينما أصدرت هيئة الثروة المعدنية قانون المناجم والمحاجر رقم 86 لسنة 1956.. وكانت خامات المحاجر تباع إلى شركات النصر للرخام والنصر للجرانيت والشركة القومية للأسمنت وهى شركات تابعة للدولة، وهنا كانت الحكومة تبيع الخامات لنفسها وكان المستفيد الدولة، فى عام 2004 انضمت هيئة الثروة المعدنية إلى وزارة البترول وأغلقت خمسة مصانع تابعة للدولة وشرد آلاف العاملين ودخل القطاع الخاص بقوة ليستغل تلك المحاجر لتضيع الملايين على الدولة وتدخل فى جيوب رجال الأعمال. لغز الملح تنتج مصر من الملح نحو 3.4 مليون طن سنوياً، وتمتلك 3 تريليونات قدم من الملح.. وبذلك تحتل المرتبة ال16 بين 62 دولة منتجة للملح فى العالم. الغريب أن مصر فى الوقت نفسه هى صاحبة المركز الرابع فى استيراده حيث نستورد ملح الطعام وملح دباغة الجلود وملح الأسمدة من الخارج. أرقام وتقارير فى عام 2010 أعدت وزارة البترول والثروة التعدينية قانوناً جديداً لوضع ضوابط استغلال الثروة المعدنية فى قطاع المحاجر والمناجم بهدف وقف إهدار هذه الثروات وتجنب سوء استغلالها من المجالس المحلية. فالقانون رقم 86 لعام 1956 أسند الإشراف على قطاع المحاجر إلى وزير الصناعة والتجارة، وفوض المحافظين فى الإشراف على المحاجر والملاحات، مما أوقع هذا القطاع فى أيدى موظفى المحليات. وكشف تقرير عام 2010 صادر عن الجهاز المركزى للمحاسبات أن 40% من موارد المحاجر المالية تذهب فى شكل مكافآت للعاملين بالمحليات.. وأن عملية ترسية المزادات سمحت بدخول الهواة والسماسرة الذين استغلوا أراضى المحاجر بطريقة سيئة. وفى 2016 كشفت حملة «امسك كرش» والمسئول عنها الزميل الصحفى محمد جمال حمزة التى تعمل بمجال كشف وقائع الفساد، النقاب عن أحد الصناديق الخاصة فى 7 محافظات تبلغ قيمة الأموال التى تدخل إليه سنوياً نحو 20 مليار جنيه لا تعرف وزارة المالية ولا خزانة الدولة عنها شيئاً. وقالت الحملة فى بيان لها إن هذا الصندوق يختص بالمحاجر فى محافظاتأسوان والأقصر وشمال سيناء وجنوب سيناءوالجيزة والمنيا والإسكندرية، إذ تقوم إدارات المحاجر بتحصيل هذه المبالغ من المستثمرين سنوياً مقابل حق الانتفاع بالمحاجر والمناجم.. ثم تذهب فى شكل مكافآت للمحافظين وكبار المستشارين والمسئولين العاملين فى التنمية المحلية. كما كشف التقرير الصادر عن جهاز استخدامات أراضى الدولة التابع لوزارة الإسكان، أن مسئولى المحاجر بمحافظة بنى سويف، بالاتفاق مع مفتشى المناطق، يقومون بتحميل كميات لصالحهم تحت اسم سلطة المحافظ. وأكد التقرير اكتشاف عدد من العمليات الحكومية المصدق عليها التى لا توجد لها أى حسابات مالية داخل المشروع. وكشف التقرير ذاته عن عدم وجود مستندات مهمة داخل الملفات الخاصة بالمحاجر، مما تسبب فى ضياع بيانات مهمة عن بعض المحاجر وعدم وجود أى تقارير فنية لجميع المحاجر لمعرفة المعلومات الخاصة بمدة التشغيل وكمية المادة المحجرية ونوعيتها، التى تفيد فى عملية التسويق، بالإضافة إلى النقص الحاد فى عدد الجيولوجيين داخل الإدارة. القانون الجديد من جانبهم طالب عدد من أصحاب المحاجر بتعديل اللائحة التنفيذية لقانون الثروة المعدنية لتكون جاذبة للاستثمار، أولها القيمة الإيجارية والإتاوة فى المحاجر التى تصل طبقاً لأسعار عام 2014 لما بين 3% و16% من قيمة المنتج بأرض المحجر، لكن لما بين القيمة الإيجارية فى اللائحة التنفيذية لقانون الثروة المعدنية سترفع نسبة قيمة الإيجار والإتاوة فى المواد الخام لتتراوح بين 17% و180% لغالبية المواد المحجرية بخلاف المحاجر كبيرة المساحة مثل الأسمنت والجبس والرمل الزجاجى التى ترتفع عن ذلك بكثير. ووصف عدد من مستثمرى المحاجر اللائحة التنفيذية الجديدة بأنها رفعت الرسوم والإتاوات.. وبالتالى زادت أسعار مواد البناء إذ ارتفع سعر الإيجار السنوى للمحجر. فمنذ تطبيق اللائحة التنفيذية فى 1 يوليو الماضى ارتفعت قيمة إدارة المحجر ورسوم الخرائط والمساحة من 30 ألف جنيه حتى وصلت 250 ألف جنيه. فالمحجر البالغ مساحته 100 متر مربع تبلغ قيمة الإدارة والرسوم 50 ألف جنيه، بالإضافة إلى 50 ألفاً أخرى، أما محجر الرخام والجرانيت بنفس المساحة فتبلغ قيمة المتحصلات 90 ألف جنيه ونفس المبلغ كتأمين بالإضافة إلى نسبة 14% يتم احتسابها على المستخرج من كل محجر لتصنيف المواد المحجرية إلى مناجم وأملاح تبخيرية، فحسب اللائحة الجديدة فإن سعر متر الرخام زاد إلى 9 جنيهات ومتر الحجر الجيرى زاد إلى 7 جنيهات. وأوضح مصدر بوزارة البترول -رفض نشر اسمه- أن إيرادات الدولة سترتفع لأكثر من 4 مليارات جنيه عقب تطبيق القانون الجديد، لكن هذا القانون جعل المحاجر تحت سلطة المحافظات والمحليات مما يهدر جزءاً كبيراً من الإيرادات على خزانة الدولة، إذ أعطى القانون المحافظات والمحليات تحديد قيمة الإيجارات دون معرفة قيمة الخامات المستخرجة من المحجر. وقال الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، الخبير الاقتصادى والعميد السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إن أكثر من 500 محجر يتم تأجيرها رسميًا على مستوى الجمهورية، وأقل محجر به 150 عاملًا.. الأمر الذى يتطلب نزع سيطرة المحليات والمحافظات عن المحاجر والمناجم، لأن أساس الفساد وإهدار المال العام، هو تبعية إدارات الثروة المعدنية للمحليات والمحافظات، مما يفقد إدارة الهيئة العامة للثروة المعدنية أى سيطرة لها على هذه الكنوز المهدرة، وبالتالى تضيع ملايين الجنيهات على الدولة. وطالب «عبدالحميد» بالنهوض بقطاع التعدين، وتحديد تبعية المناجم والمحاجر وإخضاعها لإشراف وزارة المالية، بالتعاون مع الهيئة العامة للثروة المعدنية لتتولى عملية الإدارة، بدلًا من المحليات، وتحديد الضوابط التى تنظم العلاقة بين المستثمر والهيئة وشروط تحديد العقد والجزاءات فى الحالات المخالفة، وغيرها من الحلول التى لا تقل عنها أهمية، نظرًا لأهمية الدور الذى يلعبه قطاع التعدين فى الاقتصاد المصرى إذ يمكنه توجيه نسبة 50٪ من صافى الربح لأغراض التنمية فى المجتمع، بخلاف تضافر الجهود الحكومية للنهوض بالقطاع كأحد القطاعات المهمة التى تلعب دورًا كبيرًا فى خلق فرص عمل متنوعة. مقترحات ولإحكام الرقابة الفعالة على المحاجر اقترح البعض فكرة إدخال التكنولوجيا فى مجال المحاجر لزيادة الدخل القومى من المحاجر ليصل إلى 600 مليار جنيه سنوياً عن طريق الكاميرات الرقمية التى تعمل بالطاقة الشمسية ومرتبطة بالأقمار الصناعية، فمعظم المناجم التعدينية والمحاجر فى الصحراء لا توجد بها كهرباء ولا اتصالات.. وهذه الكاميرات تعمل ببرامج ترصد وتراقب وتقدر حجم الإنتاج من محاجر الرمال والسن والزلط. وتستطيع الكاميرات تقدير حجم الكميات الخارجة من كل محجر وفقاً لبرامج خاصة يتم تقدير الخارج وفقاً لحمولة السيارة. وهذا النظام سيقضى على التقدير العشوائى لحجم المحاجر ويقضى على التلاعب فى هذه التقديرات ويحدد على وجه الدقة حجم الإنتاج فى كل محجر. وأوضحت الفكرة أهمية الدخول فى مجال المنافسة بالمنتج المصرى لغزو الأسواق الخارجية بالرمال السوداء والبيضاء، وإدخال نظام الإنتاج بالمواصفات القياسية العالمية. مال سايب فى زايد وأكتوبر لا تخلو معظم محاجر مصر من عمليات سرقة ونهب مستمرة نهاراً وليلاً، ورغم اختلافها من محجر لآخر حسب مساحته ونوع موارده، إلا أنها تبدو فى المناطق الجديدة مثل التجمع الخامس وأكتوبر وزايد أكثر وضوحاً، بل تتم أمام أعين المسئولين من المحافظة والأمن ولا يستطيع أحد أن يحرك ساكناً، وهو ما حدث ومازال يحدث فى مدينة الشيخ زايد والتى تتعرض محاجرها لسرقات علنية من قبل أحد المقاولين المخضرمين بالمنطقة منذ عام 2010 وحتى الآن، وحررت الشاكية عدداً من القضايا ورغم ذلك مازال مستمراً فى ممارساته ضارباً عرض الحائط بما صدر ضده من أحكام فى قضايا اتهم فيها بسرقة رمال تقدر بنحو 35 مليون جنيه، بل صدرت ضده عدة أحكام فى القضية رقم 4844 لسنة 2010 جنح الشيخ زايد بالحبس 6 شهور، كما صدرت ضده فى القضية رقم 567 لسنة 2011 بالحبس سنة والنفاذ، بالإضافة إلى قضية ثالثة رقم 568 لسنة 2011 وقضت بالحبس سنة وإلزامه بالمصاريف، ثم القضية رقم 558 لسنة 2011 وقضت بالغرامة ألف جنيه ورد الشىء لأصله بعد إلقاء مخلفات بدلاً من الرمال التى سرقت، القضية رقم 559 لسنة 2011 وقضت بنفس العقوبة السابقة، القضية 430 إدارى لسنة 2011 وقدرت قيمة الرمال المسروقة ب 988390، والقضية رقم 1376 لسنة 2011، والغريب أن جهاز المدينة قام بإخطار جميع الجهات الأمنية المعنية بما فيها وزارتا الداخلية والدفاع ورغم كل تلك الأحكام عجز السيد مدير أمن الجيزة عن ضبط المتهم والذى ما زال حتى الآن حراً طليقاً ينعم بأموال الدولة، وكان رد المديرية وقتها أنها استهدفت المحكوم عليه بمحل إقامته وتبين عدم تواجده، وهى الآن تبحث عن محل إقامته رغم علم الكثيرين بمحل سكنه وهو ما يضيف سؤالاً جديداً لماذا تراخت قوات الأمن فى القبض على سارقى أموال الشعب؟ مصدر مسئول بجهاز الشيخ زايد كشف لنا أن معظم محاجر المدينة سرق عن بكرة أبيه وتم إعادة ردمه بالمخلفات وكأن شيئاً لم يحدث أو تتم سرقته مساء دون أى تدخل من المسئولين وهذا ما رصدناه بالفعل بمدينة أكتوبر، حيث يقوم العرب بالتعاون مع بعض البلطجية بسرقة الرمال ليلاً. ومحاجر أكتوبر وزايد لن تكون الأولى ولا الأخيرة التى تتم سرقتها، فالوضع يتكرر أيضاً فى محافظات مختلفة، حيث كشف تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات لعام 2013 عن فساد عملية إدارة واستغلال مشروع المحاجر وإدارة البناء التابع لمحافظة البحيرة، والذى يعد أحد أهم مصادر تمويل صندوق الخدمات بالبحيرة وتبين لفريق الجهاز تعديل نسب وقيمة مكافآت وأرباح العاملين وخارجه بمعرفة مجلس الإدارة، بالمخالفة للائحة المنظمة لأعمال المشروع؛ ووصف التقرير الرسمى هذا التجاوز بأنه يمثل استنفاذاً لموارد المشروع دون وجه حق، حيث بلغت نسبة المصروف من بنود المرتبات والأجور والمكافآت وحصة العاملين ومجلس الإدارة ما قيمته 57.5% من إجمالى إيرادات المشروع والتى يتم توزيع معظمها بشكل غير عادل فلا يحصل صغار الموظفين والمحصلين سوى على الفتات، بينما يحصل معظم أعضاء مجلس الإدارة وكبار العاملين بالمشروع على القيمة الأعلى. ورصد التقرير قيام المدير التنفيذى بصرف 6 ملايين و104 آلاف و304 جنيهات فى صورة مرتبات ومكافآت وتأدية خدمات وإنجاز أعمال كما رصد الجهاز الرقابى قيام إدارة المشروع بصرف 900 ألف و650 جنيهًا لمجلس الإدارة دون مبرر. 200 ألف عامل يتعرضون للموت يومياً دون حماية وسط الغبار وتحت الأرض حياتهم، يقفون ملثمين يشبهون مطاريد الجبل، يعملون بآلات من العصور الوسطى، يبدأ عملهم منذ طلوع الشمس وينتهى مع المغيب، فوسط الجبال الداخل مفقود والخارج مولود.. عمال اختاروا الموت البطىء عوضاً عن الموت جوعاً، 200 ألف عامل حجزوا تذكرة لرحلة معاناة بدأت منذ العمل فى المحاجر وتنتهى بفراق الحياة. فى الصيف يشق العرق جباههم ويحفر فى وجوههم الأخاديد وفى الشتاء يأكل الصقيع عظامهم، فالبتر والدهس أو الصعق بالكهرباء نهايتهم ومعظمهم يعانى من الأمراض المزمنة كالجيوب الأنفية والالتهاب والتحجر الرئوى بسبب الغبار الصادر من الرمال. وجوههم مختلفة ومعاناتهم واحدة، فالشقاء والبؤس عنوانهم والموت، والإصابة والعجز مصيرهم. أغلب المحاجر توجد داخل مناطق جبلية تبعد عن الطرق الرئيسية بما لا يقل عن 5 كيلومترات أو أن بعضها يبعد عن الطرق لمسافات تصل إلى 20 كيلومتراً داخل الجبل.. وكما يقولون «اللى يطلع الجبل ملوش دية». ففى المحاجر لا يوجد قانون والبقاء للأقوى تحت سلطة البلطجة وفرض الإتاوات مقابل الحماية فى الصحراء التى يعيش فيها العمال معرضين للمخاطر فى كل لحظة.. ظروف قاسية فى المحاجر الرسمية وغير الرسمية، ومن يعمل فى هذه المهنة لا يتمتع بأى حقوق، حيث لا توجد قوانين تحكم علاقة العمل بين العمال وأصحاب العمل، أجور ضائعة. بامتداد 45 كيلو بطريق الواحات شاهدنا عدداً من المحاجر بعضها نهب وسرق عن آخره، لم يتبق منه إلا منخفض عميق أو مرتفع تساوى بالأرض، وداخل إحدى المحاجر بمنطقة الوصلة عثرنا على محجر رمال وبمجرد أن كشفنا للعمال عن هويتنا كانت الإجابة «يا عم إحنا مش عايزين مشاكل إحنا عايشين زى الفل والحمد لله ومش عايزين حاجة من حد بس سيبونا فى حالنا». الموت فى كل لحظة وبعد إلحاح شديد.. تحدثوا وحكى كل منهم معاناته.. «عبدالعزيز» يستيقظ فى السابعة صباحاً وأوقد النار فى مستوقد صغير متصلاً بأنبوبة بوتاجاز منزلية وبعدها يشرع فى تحضير كوب شاى قبل بدء يوم عمل طويل فى محجر الوصلة بالواحات، يستمر ضجيج «مواتير» السيارات وبلدوزرات الرفع.. لا يتوقف «عبدالعزيز» لحظة إلا لالتقاط بعض الطعام. حجرة أسمنتية مفروشة ب«الحصير» وبعض البطاطين الصوف وجهاز تليفزيون مثبت أعلاه جهاز ريسيفر متصلين جميعاً بمولد كهربائى صغير، فبعد ساعات العمل الشاقة يحصلون على ساعة واحدة لمشاهدة التليفزيون ومواجهة ملل يوم عمل. تجمعت عربات نقل الرمال فى انتظار بدء العمل، نزلنا إلى المحجر على بعد 50 متراً تحت الأرض، فالمشهد من أسفل يختلف كلياً من أعلى، فاللودر رغم ضخامته هو فى الحقيقة قزم أمام جبل من الرمال، يبدأ سائق الجرار فى هدم الرمال من أسفل الجبل بطريقة منظمة واحترافية حتى لا ينهار الجبل فوق رؤوس العاملين. عبدالنبى محمود عامل جرار بأجر يومى (50 جنيهاً) ليس فى حاجة ليروى إلينا معاناته فهى واضحة على جسده النحيف «بلا معاش أو تأمينات»، سنوات من الشقى والتعب تنتهى بمجرد كلمة من صاحب العمل «ملكش شغل تانى معايا» ولا يجد عبدالنبى سوى الشارع، وهذا السبب الرئيسى فى تحمل الكثير من العمال للإهانة والذل من أصحاب العمل» وتمنى عبدالنبى «نفسى بس أعيش عيشة نضيفة وخلاص».. وعن سبب لجوئه لهذه المهنة رغم مخاطرها فقال «فيها فلوس ولقمة عيش وملقيتش أحسن من كده واشتغلت». ويؤيده فى ذلك مصطفى حسين فهو أيضاً قبل بهذه المهنة من أجل «لقمة العيش» ولا يوجد أى عمل آخر متاح إلا المحاجر، أما مطالبه فهى توفير وحدة إسعاف أو نجدة بالقرب من الموقع، والتعويض إذا تمت إصابة، وأن توفر الدولة بديلاً عن العمل فى الصحراء مختتماً حديثه «الحمد لله إحنا أحسن من غيرنا». حياة قاسية فى محجر الوصلة لا توجد أى مقومات للحياة الآدمية لا دورات للمياه، إنما يتخذ العمال ركنا فى أى مكان لقضاء حاجتهم، ينامون فى حجرة بلا أبواب. عادل فرج سائق يقوم بنقل الرمال من المحجر إلى المدن تحدث عن معاناته على الأسفلت «الكارتة ارتفعت بصورة غريبة من 10 جنيهات إلى 45 جنيهاً والنقلة تتكلف 250 جنيهاً يأخذ المحجر منها 170 جنيهاً وفى النهاية يجد السائق نفسه يتقاضى ملاليم، فصيانة العربات مرتفعة، حيث يصل سعر كاوتش اللودر إلى 25 ألف جنيه». محمد عبدالفتاح عرابى نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ورئيس النقابة العاملة للعاملين بالمناجم والمحاجر أكد ل«الوفد» أن عمال قطاع المحاجر والمناجم يواجهون العديد من المخاطر البيئية من أمراض رئوية وغيرها ومخاطر عمل خاصة أن طبيعة العمل فى قطاع المناجم والمحاجر بالمناطق الصحراوية. ويرى "عرابى" أن قطاع المحاجر لم يحصل على الاهتمام من الدولة ولا يطبق عليه شروط السلامة والصحة المهنية، مشيراً إلى أن هناك ما يقرب من 200 ألف عامل يعملون فى المناجم والمحاجر بينهم 30 ألفاً فى القطاع العام وأكثر من 150 ألف يتبعون القطاع الخاص ولا يخضعون لتأمين صحى واجتماعى وليس لهم عقود تنظم عملهم وعجز توفير خدمات البنية التحتية للمحاجر مثل وحدات الإسعاف ومرفق مياه وتوفير طرق ممهدة لوسائل النقل، مؤكداً أن أجرة العامل تتراوح بين 70 و100 جنيه فى اليوم مبيناً أن تعويضات الإصابة التى يمكن أن تكون بتراً للأعضاء من الجسم والوفاة قليلة وهى 10 آلاف للمصاب و25 ألفاً لأسرة المتوفى وفى حالة الحصول على معاش اجتماعى لا يتعدى ال 350 جنيهاً.