هذا الاضطراب الارتباك التدمير التخريب.. الخسائر اليومية في البشر والمال.. فقد الأمن والراحة والاستقرار. الانهيارات الاقتصادية المتوقعة والإفلاسات التي يلوح دخانها في الأفق.. الصورة المرعبة في الداخل والمشوهة في الخارج.. فرجة الشامتين وتربص الأعداء.. رهانات الحاقدين على الوطن والمشككين في الثورة.. كل ذلك التعطيل والتعويق.. التأجيل التسويف المماطلة في اتخاذ القرارات.. التردد والارتعاش.. التنصل من المسئوليات بتعليقها على شماعات مجهولة أو إلقاء تبعاتها على من هو غير معلوم يحدث لمصلحة من ومن فاعله والمسئول في النهاية عن حدوثه واستمراره وتفاقمه.. من يشجعه ومن يحميه ومن يقف خلفه فلا تصل إليه أصابع الإدانة ولا تطوله يد الحساب؟ أسئلة تطرح كل يوم بل كل لحظة فتطارد وتؤرق وترعب وتهدد طالما الكثير من ملفاتها لا يزيدها مرور الأيام إلا تأجيلا ولا يزيد تأجيلها إلا اشتعال حرائق التشكيك والتوتر والغضب والغوغائية أيضا والفتنة والاندساس. ألم يكن من الممكن إذن – وعلى سبيل المثال – أن تحسم محاكمات الرئيس المخلوع وبقية اللصوص وأعداء الشعب والمفسدين الذين هم الآن رهن المحابس بينما الغضب المحتدم رهن أعماق الصدور؟ ألم يكن أيضا للمطالب الفئوية التي انفرط عقدها وتلاحقت وقفاتها أن يقابلها المختصون بطرح حلول معلنة عاجلة مؤقتة أو آجلة لكنها شفافة صريحة تريح نفوس المحتاجين وتمنح المظلومين قدرا موثوقا به من الأمل حين توضح قدر ما تسمح به الموارد والظروف والإمكانات وفق جدول زمني واقعي مدروس ومعلن ومتعهد بالالتزام وتنفيذه؟ ألم يكن من الممكن في مواجهة مصنع «أجريكوم» على سبيل المثال أن تعقد لجنة علمية محايدة للدراسة والتحكيم والبت تحت ضوء الاعتراضات والاحتجاجات القائمة كي يميزوا فيها بين ما هو سياسي وما هو فني. بين هو حقيقي صادق ما هو تحريضي ثم تعلن النتائج على الفور في وضوح وشفافية كي توقف الخسائر وتخمد الفتنة ويهدأ القلق ويخمد الغضب في نفوس أصحاب المصالح المباشرة وغير المباشرة من جميع الأطراف؟ ألم يكن من الأجدر أن تعامل الجامعات والمعاهد العليا بنفس الطريقة الموحدة فلا تجرى الانتخابات في بعضها بينما يحرم البعض الآخر منها وفقا لأهواء وأمزجة وتحقيقا لمصالح ووعود وارتباطات - فيها الكثير مما هو مغرض وما هو شخصي وما هو مشبوه - إيقافا للبلبلة المتزايدة ومنعا للشكوك المتناثرة والمتجمعة لدى أعداد ضخمة من الأساتذة والطلاب. مثلما تجد لها صدى مدويا وسط الرأي العام المرتبك والمتحفز والمتجه رغما عنه - وتأثرا بما يحدث وفي ظل غياب الحقيقة - إلى التأويلات القاتمة والتفسيرات المحرضة والمثيرة للشكوك؟ لماذا لا تؤخذ قضية الحد الأدنى والأعلى لأجور العاملين في الدولة بما تستحقه من الجدية والصرامة في الدراسة واتخاذ القرارات كي يتحقق الكثير من الوفورات الداخلية التي تمكن من جبر المكافآت والمرتبات الهزيلة وتعويض النقص الفادح فيها والذي يلجأ المواطنون من أصحابها إلى التمرد والتذمر والحقد والحسد والتسيب والإهمال والتدمير لمؤسسات ومواقع لا تضمن لهم العيش المستور الشريف رغم كفاءتهم واستعدادهم للعمل الجاد والاجتهاد المثمر الخلاق؟.. لقد سمعنا جميعا عن المخصصات الخيالية لرؤساء بنوك وهيئات ومؤسسات «حكومية» لاتصل إليها أجهزة الرقابة في الدولة مثل مكتبة الإسكندرية التي لا تزال تظاهرات الاحتجاج والاعتصام قائمة أمامها طالما لم يقتنع أصحابها المهضومة حقوقهم بالمنطق الذي يبرر تقاضي مديرها – باعترافه – أحد عشر ألف دولار ونصف شهريا غير بدل السكن الفاخر وبدل الانتقالات الباهظة ومكافآت المحاضرات التي ذكر صراحة أن سعر الواحدة منها عشرون ألف دولار. وبالطبع يتقاضى مستشاروه وموظفوه من فئة المحظوظين والمقربين ما لا بد وأن يثير الدهشة إن لم يكن الحقد والغضب والتذمر المشروع طالما لم تكن له مبررات وأسباب مقنعة منها أنه وهؤلاء يأتون بما لم يستطعه الأولون أو يقدر على تحقيقه الحاضرون وربما الآخرون الذين لم يأتوا بعد! ثم ألم يكن الأجدر والأفيد والأحوط للجميع دراسة «وثيقة السلمي» بأسلوب أكثر عمقا «ولو بشكل تجريبي» على مستوى ضيق متخصص قبل أن تخرج إلى النور فتبرر الاعتصام وتسوغ الاحتجاج وتمهد الطريق لتسريب الشكوك والاتهامات التي يتلقى المجلس العسكري بعضها دون وجه حق ويصيبه من الظنون والشكوك ما يجلّ قدره عنها وتتنزه صفحته عن قبولها ونوايا رجاله عن التفكير فيها؟