تظل قضية العنصرية والتفريق المزرى فى الحقوق والواجبات بين البيض والسود فى المجتمع الأمريكى متصدرة المخيلة الأمريكية الإبداعية ما بين كاتب أبيض يدافع عن حقوق السود وينقل مشاعرهم وهمومهم ووضعهم الحقيقي، وبين كاتب أسود موهوب كشف ودون خجل حجم الألم الذى يعانى منه السود. عودة الحديث عن أشهر الأعمال الأدبية التى تناولت العنصرية فى أمريكا تجيء على خلفية حادث مدينة «دالاس» الأمريكية والذى راح ضحيته عدد من ضباط الشرطة البيض على يد قناص مجهول أثر مقتل اثنين من السود على يد أفراد الشرطة. بداية التعبير عن الهم الإنسانى للرجل الأسود فى أمريكا، جاءت فى أوائل القرن ال19، حيث استخدم الأحرار من السود الذين يعيشون فى المدن، الكتابة للتعبير عن اليأس المنتشر بين السود الأمريكيين وعن خيبة أملهم من مبدأ الجمهورية، كما ورد فى إعلان الاستقلال، وكان صوت «دافيد واكير» الكاتب الأفريقى من أعلى هذه الأصوات وأكثرها إقداما. فقد نشر على نفقته فى بوسطن: «نداء من أربع مقالات، معاً فى سبيل مواطنين سود من هذا العالم»، حيث قدم نقدًا لاذعًا ضد العبودية والعنصرية فى أمريكا. وفى عام 1845 صدرت «مذكرات حياة فريدريك دوجلاس، عبد أمريكى بقلمه» وفيها سرد بليغ لمواقفه المعادية للأغلال، ومنذ العنوان الفرعى للمذكرات حطم «دوغلاس»، التقاليد التى تصر على ضرورة التعاون مع كاتب أبيض: لقد كان الكتاب، فعلاً، «مكتوبا بقلمه». وذهب وجلاس إلى بولتيمور، وهناك تعلم من سيدته مبادئ القراءة، إن التعلم والقراءة بالنسبة لدوغلاس هى كما عبر عنها: «الممر الذى يقود من العبودية إلى الحرية». أما رواية « الجذور» للكاتب الأمريكى « إليكس هيلى» والتى تم ترجمتها إلى اللغة العربية فهى من أشهر الروايات التى الوجع الأفريقى فى أمريكا، وهى تتناول فى سرد ملحمى عائلة أمريكية غير عادية لرجل يبحث عن أصوله، يحكى فيها «إليكس» قصة حياة جده الأفريقى كونتا كنتى وكيف تم أسره بواسطة تجار العبيد وبيع فى أمريكا، حيث كشفت الرواية الطريقة الهمجية التى مارستها أوروبا فى اصطياد الأفارقة وبيعهم كعبيد فى أوروبا وأمريكا للعمل بالسخرة فى مزارع العبيد دون أن ينالوا أى حقوق آدمية. وتكشف رواية « شارع الأخوات السود «للكاتبة السوداء» شيكا أونجواى وَهمْ الغرب والسفر إليه وتبيد الحلم من عيون الأفارقة، ففى قصة مؤرقة تغادر أربع نساء وطنهن الأفريقى لثروات أوروبا ليقابل أحلامهن سوء حظ كبير، فبعد بحث عن عمل لم تجد السيدات بُدًّا من قبول عرض صاحب ملهى ليلى بالوقوف كل ليلة مطأطآت الرأس فى أحد الجوانب، ربما ينلن إعجاب أحد رواد الملهى، لكن لم يصبهن سوى السباب وخسارة أجر كل أسبوع لاختلاق الزبائن مشاكل معهن بسبب لون بشرتهن. لتتوالى الإبداعات الأفريقية سواء فى موسيقى الجاز الحزينة أو فى روايات أو أشعار تحكى على مر السنين صوت أفريقيا الغاضب فى مخيلة أمريكا البيضاء.