اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد جديدة بالمحافظات    د هاني أبو العلا يكتب: رحلة من جامعة الفيوم إلى وادي السيلكون    اجتماعات طارئة لإدارة ترامب بعد مناوشاته الكلامية مع ماسك    تأليف تركي آل الشيخ.. «ذا سفن دوجز» يجمع كريم عبد العزيز وأحمد عز بميزانية 40 مليون دولار    دوى صافرات الإنذار وإعلان حالة التأهب الجوى فى كييف و11 مقاطعة أخرى    أبو الغيط: الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار بلبنان تهدد بتجدد العنف    وول ستريت جورنال: إيران تطلب من الصين مواد لمئات الصواريخ الباليستية    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    تحرك أمني لضبط صاحب شركة مقاولات وهمية نصب على المواطنين في ملايين الجنيهات بالهرم    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في القاهرة والإسكندرية وجميع المحافظات    موعد ظهور نتائج سنوات النقل في الجيزة عبر بوابة التعليم الأساسي 2025 (تفاصيل)    كيفية حفظ لحوم الأضاحي.. خطوات بسيطة لصحة آمنة في عيد الأضحى    عبارات تهنئة رومانسية لعيد الأضحى 2025.. قلها لحبيبك فى العيد    محافظ الأقصر يتفقد ساحة أبو الحجاج استعدادًا لصلاة العيد (صور)    وفاة الإعلامية والكاتبة هدى العجيمي عن عمر 89 عاماً    الفرق بين صلاة عيد الأضحى والفطر .. أمين الفتوى يوضح    رسميًا الآن.. موعد صلاة العيد الاضحى المبارك 2025 ( التوقيت المحلي)    بعد التتويج بالكأس.. الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على أي انتقادات    محمد أسامة: ثلاثي الزمالك استكمل المباراة مُصابين ونهدي اللقب لجمهورنا    عيار 21 يقفز أكثر من 100 جنيها.. مفاجأة في أسعار الذهب محليا وعالميا أول أيام عيد الأضحى    غارات إسرائيلية جديدة تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية    عقوبات أمريكية على 4 قضاة بالجنائية الدولية لإصدارهم مذكرات ضد نتنياهو    اليوم.. الرئيس السيسي يؤدي صلاة العيد بالعاصمة الإدارية    مسجد نمرة.. مشعر ديني تُقام فيه الصلاة مرة واحدة في العالم    مصرع شابين وإصابة 4 آخرين أثناء سباق موتوسيكلات بكفر الشيخ    وفاة شقيقين وابن عمهم في تصادم ملاكي مع تروسيكل بالإسماعيلية    بيراميدز يهنئ الزمالك بالفوز بكأس مصر    بيسيرو يهنئ الزمالك بعد الفوز بلقب كأس مصر 2025    ناصر منسي: أهدي كأس مصر لجماهير الزمالك الوفية    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    عمر جابر: جمهور الزمالك يستحق بطولة    طريقة صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 وصيغة التكبيرات الصحيحة    سعر طن الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    محافظ سوهاج يتفقد الحدائق العامة والمتنزهات استعدادًا لعيد الأضحى    محافظ قنا يستقبل ممثلي الأحزاب ونواب البرلمان للتهنئة بعيد الأضحى    سالى شاهين: مجال ملكات الجمال مش شبهى ولا شخصيتى    كيرلي وقصات شعر جديدة.. زحام شديدة داخل صالونات الحلاقة في ليلة العيد    بعد طرحها.. "سوء اختيار" ل مسلم تتصدر تريند " يوتيوب" في مصر والسعودية    المايسترو تامر غنيم مديرًا للدورة 33 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية 2025    أشرف عباس يكتب: من الميكروفون إلى المائدة.. من أسكت صوت مصر؟    عاجل.. "الشهر العقاري" تواصل تقديم خدماتها خلال إجازة عيد الأضحى    رسميا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الجمعة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    وزير السياحة يتفقد مخيمات الحجاج فى عرفات ويشيد بالتنظيم    ما هي سُنة الإفطار يوم عيد الأضحى المبارك؟    سُنن الخروج لصلاة العيد.. احتفالات واتباع للسنة النبوية    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى اليوم في مسجد مصر بالعاصمة الجديدة    الإمام الأكبر يهنئ الرئيس السيسي وقادة العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك    حماس: لم نرفض مقترح ويتكوف ومستعدون للانخراط في محادثات جديدة لإنهاء الحرب    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي محافظ بورسعيد ويبحثان سبل تطوير الخدمات الصحية    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    جامعة كفر الشيخ ترفع درجة الاستعداد بمستشفى كفر الشيخ الجامعى خلال العيد    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    " صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب.. عندما ينتصر للإنسانية
نشر في البوابة يوم 18 - 08 - 2014


إشراف: سامح قاسم
إعداد: إسراء عبد التواب
ظل الإبداع على مدار تاريخه لا يحب الارتكان إلى المنطقة الهادئة عندما يهيمن الظلم على العالم تجده يجد الصمت على مثل هذه القضايا الكبرى خيانة ويرى الصمت تواطؤا.
لذا ظل الأدب يغير التاريخ ببطء شديد، لذا ظل المبدع يمضى في طريقه وهو يحمل قلمه ويعرف أن القدرة على تغيير العالم بطيئة، ورغم ذلك يكمل مشواره. مبدعون كثر سلكوا الطريق في أرجاء العالم لينتصروا للإنسانية المفقودة التي أدركها الشاعر التركي "ناظم حكمت" الذى ظل يقاوم الظلم، ولم تنهزم عزيمته لمده 18 عاما عندما أراد النظام السياسي حينها بوضع الخراء في زنزانته، هنا أدرك المكيدة لإثنائه عن مهاجمة النظام السياسي حينها وقال جملته الشهيرة:" طالما اخترت أن تكافح الغائط المحيط بك، واصل الغناء، فبالغناء وحده ستنتصر على جلاديك، وتهزم الرجس والنجاسة والعذاب".. وعلى طريق ناظم حكمت مشى عدد كبير من المبدعين ليهاجموا الظلم الموجود في العالم سنجد "هاريت ستاو" تكتب "كوخ العم توم" لتنتقد استمرار العبودية، فتنجح في إذكاء الحرب الأهلية في أمريكا من قبل السود للقضاء على الرق، وفى منطقة الدفاع عن الضعفاء سيناهض "مكسيم جوركي" الثورة البلشفية التي أدت إلى صعود ستالين وكل الأنظمة الديكتاتورية التي ستلتف على الحرية لتقيد شعوبها بها، ومن "جوركي" سيقف " توفيق الحكيم" ليحب الزعيم جمال عبد الناصر، ويبشر في روايته "عودة الروح" بقدومه، ولكنه سيقف في طريقه المناهض لسياسته عندما ينقلب الضباط الأحرار على قيم الديمقراطية.
"كوخ العم توم" تقود حرب تحرير العبيد ...
كقدر كل المبدعين. لم تكتف الكاتبة الأمريكية "هاريت ستاو" أن تجلس وحيدة أو مكتوفة الأيدي، وهى ترى الظلم الذى تعرض لها سود أمريكا، وجدت في الوحدة مجالا للتفكير المستمر لتسلط الضوء على القهر الذى يعيشه السود، وخاصة بعدما انتقل زوجها إلى ولاية أخرى غير التي كانت تعيش فيها ، القدر جعلها في مواجهة قصة ستفتح وعيها على تبنى قضية إنسانية شديدة القسوة عندما يأتي لها قس زنجي ليحكي لها قصتها مع مالكه الأبيض الذى جلده بوحشية، وإثناء الجلد كسر له عظام الكتفين فتحول إلى إنسان وحيد.
لم تكتف الكاتبة الأمريكية أن تجلس في وحدتها بولايتها دون أن تحول حبر قلمها إلى صرخة ناطقة في أرجاء أمريكا، والعالم لتكتب بمداده ألم السود ، وما يعانوه من ظلم فى أمريكا من غياب العدالة وسيطرة العنصرية على كل أرجائها.
هنا وجدت " هارييت" أن الكتابة هي خير ملجئ لنصرة المظلومين .آمنت أن الكتابة هي الأمل الأخير لإيصال صوت الضحية، ومع بداية الطريق ساعدتها رسالة من زوجه أخيها حمستها على الكتابة بعد أن صدر قانون جديد ضد العبيد الفارين .هنا قالت لها في رسالته تحمسها على اللجوء للقلم :" أنت كاتبة تستطيعين استخدام قلمك ،إفعلى شيئا لتعرف البلاد كلها كم هي بشعة تجارة العبيد "
وبعد قراءة "هاريت" للرسالة المحرضة على كشف الجرائم الإنسانية التي ترتكب بحق السود تنوى بحزم أن تسخر قلمها لخدمتهم وتقول لنفسها :" نعم أريد أن أفعل شيئا ...ستعكف بعدها " هاريت " على كتابه " كوخ العم توم" لتصبح بعدها من أهم وأشهر كاتبات الأدب الأمريكي ، وعلى إثرها ستندلع الحرب الأهلية في أمريكا لتحرير العبيد وإلغاء الرق
تحولت الرواية منذ صدروها إلى قنبلة في صدر كل أمريكي أسود. تحرضه على رفض التمييز العنصري ضد الأمريكيين من أصول إفريقية ليخوض حربا لتحرير العبيد.
دراما مميزة تسأل: أين الله من هذا الظلم ...
استطاعت رواية "كوخ العم توم" أن تدخل في صلب المأساة التي عانى منها العبيد السود جراء الرق، لقد وضعت الكاتبة "هاريت" بقلمها المميز يدها على الجرح الذى كان يهز كيان وقلب كل أمريكي أسود.
تبدأ الروائية وسط أصداء مشدودة تدور رحاها ما بين تاجر عبيد يشعر بتوالي الديون عليه فيقرر بيع أحد عبيده للتخلص من الديون، ومن خلال رحلة البيع ستأخذنا الكاتبة بسحر طاغي إلى عالم الرق لتوضح الآلام الحادة التي يتعرض لها السود جراء بيعهم، والتي تسكن جسد ونفسيه وروح الأمريكي الأسود.. ومع رحلة العم توم سنرى دارما مميزة تحكى بصدق اليوميات الصعبة التي عاشها العبيد قبل إلغاء الرق.
ما يميز الرواية هي المسحة الروحية التي كانت تتبناها الكاتبة داخل روايتها عبر مقاربة بين العم توم تاجر العبيد الذى يؤمن بالله والأخلاق رغم كل شيء ، وبين العبيد اللذين يتأرجحون بين الإلحاد والإيمان جراء الظلم الذى كلما كان يشتد كانت تضعف النفس البشرية لدى السود لتسأل: أين الله من كل هذا الظلم الذى نتعرض له ..؟؟.
لم تكف الكاتبة داخل الرواية عن توجيه النقد اللاذع للدين المسيحي، والذى كان يؤمن به الكثير من الأمريكيين البيض وهو يطبقون العبودية على كائنات بشرية من نفس جنسهم ، ولا يدركون أن الله لا يريد الظلم ولا يريد أن ينام أحدا مظلوما، ورغم ذلك يتشبثون بإيمانهم دون أن تصاحبه عدالة اجتماعية تصالح الضمير الإنساني على البشر.
"كوخ العم توم " تهز قلب " إبراهام لينكولن ........
كان الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن من أبرز الرؤساء الأمريكان الذين ناهضوا توسيع سياسية الرق والعبيد ، وكان ثمن هذا الموقف الإنساني النبيل هو خسارته أمام سباق مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح منافسه الديموقراطي ستيفن دوغلاس. دائما ما كان يردد أن استمرار سياسية الرق سوق تفتك بالوحدة الوطنية في أمريكا. لذا وجد " إبراهام" في الكاتبة " هاريت ستاو" أنها محررة العبيد واللاعب القوى في تحريك ودفع هذا الظلم لمواجهة الرق، وهذا ما ظهر جليا في التعليق الذى قاله للكاتبة " ستاو"عند مقابلتها وهى كهلة ليشكرها على موقفها ، ويصافحها بفخر وامتنان قائلا ": إذن هي السيدة الصغيرة التي تسببت بهذه الحرب الكبيرة "
الرسالة التي كافحت من أجلها "ستاو" جعلت منها كاتبة تحتل قلوب السود ،فبعد انتهاء الحرب الأهلية قامت 500 ألف إمراه إنجليزية بتوقيع خطاب شكر موجهه إلى المؤلفة التي أحدثت روايتها صدى كبير في العالم من أجل تحرير العبيد ، حتى أن إسكتلندا نفسها أخذت بنسا واحدا من كل شخص كمساعدة في تحريرهم، وفى 1903 أعادت السينما الأمريكية تلك الرواية المميزة إلى دائرة الضوء وهى تسلط النظر عليها وتحولها اللي فيلمين قصيرين تحملان نفس الإسم، وفى عام 1987 تحولت الرواية إلى فيلم حاز على إعجاب العالم ، ليخلد تلك الرواية العظيمة التي حررت العبيد ...
رواية " الأم".. جئت إلى العالم كي أحتج
"لن تستطيعوا مهما فعلتم أن تقتلوا روحًا بعثت من جديد". هذه هي القناعة التي تسيقها لنا رواية " الأم" للروسي مكسيم جوركي، والتي كانت شعلة لإرهاصات الثورة البلشفية .الرواية التي حازت على إعجاب كل من قرأها حرضت على الثورة وانتصرت لحقوق العمال.. ربما هذا الضياع الإنساني الذى سيطر على الرواية كان يظهر الحقوق المسلوبة للعمال اللذين عانوا الأمرين من جراء سياسات الطبقة الغنية الفاسدة التي لم تستطع ان تكبت صوت الضعفاء المهروسين تحت نظام رأسمالي يدوس على الكل . الروائي لم يكن منفصلا عن هذا الواقع. لقد كان تحت هذه الظروف الصعبة .
ولد" مكسيم" يتيما لم يجد خبزا يسد رمقه ، لذا جعل " الأم" شخصية محورية في الرواية وشديدة الإيمان، وهى تواجه إلحاد ابنها الذى تبنى عدم الإيمان بشيء نتيجة غياب العدالة، ومع تحرك رغبة الابن" بافل" في الثورة بدأت مخاوف الأم في التحرك. تبدأ الأم رحلة مع الفقد بداية من موت زوجها السكير الذى كان دائم الضرب لها، والذى كنت تعيش معه حالة من الخضوع لسكره الذى حوله في كثير من الأحيان لثور هائج فكان يحرضه سكره على بيع كل مقتنيات البيت لتلبيه رغبته نظرا لأنه كان عامل متواضع في مصنع تمتلكه طبقة برجوازية، ومع رحلة الآم تتكشف معاناه العمال.
لم يتوقف الفقد على الزوج .بل تبعه سجن ابنها الذى قرر الثورة على الظلم، وهو يصرخ ضد الأوضاع الظالمة ويقول: ياعمال العالم اتحدوا..
يبدأ " بافل" في عقد الاجتماعات السرية لعدد كبير من الشبان ، وعندما كانت تشاهده أمه التي كانت تعانى من الأمية كانت تخاف عليه . لم تكن تدرك ما الذى يفعله" بافل" ،لكن الفخر تملكها لشعورها أنه يقود أصدقائه فصارت أما له ولأصدقائه..
غمرها الخوف كثيرا لأنها كانت تخاف أن يسجن ابنها من جراء هذه الاجتماعات فيرد عليها الإبن:"عليك ألا تحزني، ولكن يجب أن تفرحي. أي متى يا رب يكون عندنا أمهات يفرحن في حين يرسلن أبناءهن إلى الموت من أجل الإنسانية؟..."
وعندما كانت أمه تعرب عن غضبها من المصير التي يضع ابنها فيه كان يصرخ في وجهها، وهو ما كان يثير حساسية صديقه " أندريه" فيواجهه " بافل" بحزم قائلا: علينا أن نصرخ بحزم بكل ما نريد، سواء كان هذا ايجابا أم سلبا، فلا أريد أن تكبلني صداقة أو محبة" .عبر الراوية تحتل" الأم " مساحة خاصة داخل الرواية فهي لا تقرا ولا تكتب ، ولكنها تتبنى افكار ابنها بعد سجنه .
من ينظر إلى السيرة الذاتية ل"مكسيم" سيعرف أن غياب والدته عن حياته قد أحدث له شرخا كبيرا جعله يعانى من مشاعر اليتم ، لذا أرادها الروائي العالمي أن يجعلها محور روايته .فهو الطفل الذى ولد يتيما للأب والأم في "نوفو جراد" عام 1968، فتولت جدته تربيته ، منها تعلم فن القصة لأنها كانت شغوفة بحكي القصص ، وهو ما صقل موهبته، وبعد وفاتها حاول الإنتحاروفشل فيه. هنا قرر أن يعيش بين ثنايا وحكايات الإمبراطورية الروسية ،وهو يتنقل بين شوارعها ويلتصق بأوجاع الروس الكادحين، لتشتعل مخيلته بهذا الزخم الواقعي، ويبدأ في كتابه أدبه ، لتحتل رواية "الأم" مكانة خاصة في مصاف الروايات العالمية التي شجعت على حدوث الثورة البلشفية للدفاع عن حقوق العمال ، ومن ينظر إلى كلمة " مكسيم " سيعرف أنها باللغة الروسية تعنى كلمة " مر "،وقد اختارها الكاتب لقبا مستعارا له للتعبير عن مرارة الواقع الذى عانى منه الشعب الروسي تحت الحكم القيصري والتي شاهدها بعينه خلال المسيرة الطويلة التي قطعها بحثا عن القوت، وقد انعكس هذا الواقع المرير بشكل واضح على كتاباته وبشكل خاص على رائعته " الأم "
مزرعة الحيوان.. جورج أوريل
المبدع الوحيد هو القادر على أن يكمل رسالته الاحتجاجية ضد الأنظمة السياسية الظالمة والمستبدة. قد يدفع ثمن هذا العناد كثيرا من صحته ومن حياته التي قد تقوده إلى الاغتيال، ولكنه أبدا يرفض الاستسلام. هذا ما تبناه الروائي الإنجليزي " جورج أوريل" ،والتي جرأت روايته " مزرعة الحيوانات" على مهاجمة سياسة ستالين وهتلر لتظل علامة بارزة في مصاف الروايات التحذيرية التي أطاحت فيما بعد بتلك الأنظمة التي كان يراها " أوريل" فاسدة وستسقط في يوم من الأيام، وكأنه يرى المستقبل ويتبنأ به لتقود الرواية فيما بعد إلى المصير التعس لهؤلاء الزعماء السياسيين الفاسدين اللذين واجهوا الحرية بالقمع والاستبداد ..
كان " أورويل" يؤمن جيدا بمناهضة القيم غير العادلة. بل كان يحلم بإرساء القيم العادلة، وهو ما جعله متحمسا للثورة الروسية والاشتراكية، فدافع عنها بروحه. لكنه سرعان ما أصابه الإحباط بعدما تحطمت آماله بالثورة البلشفية، وخاصة عندما حل بالتروتسكيين الإضطهاد على أيدي الستالينين في الحرب الأهلية في إسبانيا.
الجدير بالذكر أن فجيعة "جورج أورويل" بالثورة الروسية هي التي دفعته إلى كتابة روايته "مزرعة الحيوانات" ،والتي بنى فيها عالما متخيلا من الحيوانات يسرد فيه تاريخ الثورة البلشفية، وكيف انتهى بها الحال في إطار الاستبداد السياسي .تدور أحداث الراوية حول مزرعة يديرها السيد "جونز"، والذى يتعامل مع حيواناته بنوع كبير من القسوة والظلم، ثم سرعان ما تعلن الحيوانات الثورة على "جونز". بل تتمكن من طرده لتضع المزرعة تحت سيطرتها. بعدها تتولى مجموعةٌ من الخنازير لاسيّما "سنوبول" و" نابليون" إدارة العمل في المزرعة، وتنظيمه، رافعةً خلال ذلك شعاراتٍ أو وصايا تدعو إلى الإخلاص في العمل والتفاني فيه لإقامة المجتمع الحيوانيّ الجديد الذي تنتفي فيه كلّ أشكال الظلم والإستغلال، ويسوده الرخاء والعدل وتربط بين أفراده أواصرُ المحبّة والإخاء...
حملت الرواية الكثير من الإسقاطات السياسية، والتي حاول من خلالها المؤلف أن يهاجم الثورة البلشفية التي حولت الشعارات البراقة لتكون سكاكين مسلطة على رقاب الحيوانات ، وهو ما عانى منه كل من قام بالثورة البلشفية، ليجد قادتها يتحولون إلى رموز ديكتاتورية تضع السكاكين على رقاب كل من يعارضها فبإسم الرخاء يفرضون الجوع، وباسم الحياة تسفك الدماء، وباسم المستقبل تكمم الأفواه ..
رجال في الشمس.. تبحث عن الرجال الحقيقيين
الأدب قد يغير نظرتنا للقيم يعدل كثيرًا من خطايانا التي تتجه نحو الظلم والإبادة بالأفكار الشريرة التي يدعو لها الإنسان ليدمر الحضارة والإنسانية، ولكن هناك نوع لآخر من الأدب لا يكتفى فقط بسرد الكارثة، ولكنه يقدم لنا بعدا تاريخيا وإنسانيا في كتابته تغير مجرى التاريخ ، وتجعل الضحية تتصدر مشهد العالمية. هذا ما فعله الروائي الفلسطيني "غسان كنفاني " الذى سلط الضوء بروايته " رجال في الشمس" على النكبة التي تعرض لها العرب بعد هزيمة 1948، ليكتب بعدها روايته الفذة التي تنبأت بإخصاء القادة العرب ،وهى تستقرأ الماضي ومستقبل الشعوب العربية الشاهدة الآن على الضعف اتجاه القضية الفلسطينية التي يدفع ثمنها اللاجئ الفلسطيني من دمه وروحه.
الرواية تتطرق لحكاية ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يلتقون حول ضرورة إيجاد حل فردي لمشكلة الإنسان الفلسطيني المعيشية عبر الهرب إلى الكويت، حيث النفط والثروة. من خلال شخصيات فلسطينية متمثلة في "أبو قيس" وهو الرجل العجوز الذي يحلم ببناء غرفة في مكان ما خارج المخيم، و"أسعد" الشاب الذي يحلم بدنانير الكويت وبحياة جديدة، و"مروان" الصغير الذي يحاول أن يتغلب على مأساته المعيشية، فشقيقه في الكويت تركهم دون معيل لأنه تزوج، والده ترك أمه ليتزوج بامرأة تملك بيتاً عليه إذن أن يعيل العائلة فيقرر الوصول إلى الكويت. تتمحور الرواية حول هدف الوصول هذا، فيقرر الثلاثة الهرب في خزان شاحنة يقودها أبو الخيزران، وفي نقطة الحدود يموت الفلسطينيون الثلاثة لأن السائق يتأخر، يموتون دون أن يقرعوا جدار الخزان أو يرفعوا صوتهم بالصراخ.
وعبر الرواية ينجح الروائي الشاب الذى نجحت المخابرات الإسرائيلية في اغتياله ، وهو لم يتجاوز 36 عاما أن ينقل الصراخ الشرعي المفقود الذى ضاع طويلا عبر رحلة التشرد، والتي تعبر عن الموت الفلسطيني، وضرورة الخروج منه باكتشاف الفعل التاريخي أو البحث عن هذا الفعل انطلاقاً من طرح السؤال البديهي: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان"؟
رواية " كنفاني" كانت تريد أن تصل رسالة مفادها أن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت ولكنها قضية الباقيين، فهو دائما ما كان يردد:" أن الموت السلبي للمقهورين و المظلومين مجرد انتحار وهروب وخيبة وفشل. الثورة وحدها هي المؤهلة لاستقطاب الموت، الثورة وحدها هي التي توجه الموت، وتستخدمه لتشق سبل الحياة، فدائما يوجد في الأرض متسعا لشهيد آخر إن كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح.. وإنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه". هذا ما كان يردده "كنفاني" وما كان يأمل له..
"عودة الروح" تتبنا بالثورة وتنتقدها ب"عودة الوعى" ...
تظل رواية "عودة الروح" من أبرز الروايات التي تنبأت بثورة 1952 . لقد امتلك الروائي " توفيق الحكيم" نظرة ثاقبة داخل الرواية وهو يتنبأ بقدوم قائد يخلص مصر من أمراضها التي سيطرت عليها فجعلتها عاجزة ومشلولة عن أي تطور . في تلك المرحلة الحرجة والصعبة كان " الحكيم" يكتب روايته " عودة الروح" ، وهى ذات الرواية التي أعجب بها الزعيم جمال عبد الناصر في شبابه . لقد ساعدته على أن يتبنى حلم " الحكيم" ليقود هو ثورة 1952 فقاد انقالبا عسكريا أيده الجيش ليتحول فيما بعد لثورة يلتحم حولها الشعب.
المحبة التي سيطرت على قلب "عبد الناصر" اتجاه "الحكيم" عندما قرأ الأول فصلا من ورايته والتي كانت بعنون "شمس الفكر" والتي يوجهه من خلالها حورس نداء آبويا لأبيه قائلا: " انهض يا أوزير. أنا ولدك حورس . جئتُ أعيد إليك الحياة.. جئتُ أجمع عظامك.. وأربط عضلاتك.. وأصل أعضاءك.. أنا حورس الذى يُكّون أباه.. حورس يُعطيك عيونًا لترى.. وأذنًا لتسمع وأقدامًا لتسير. وسواعد لتعمل.. ها هي ذي أعضاؤك صحيحة. وجسدك ينمو. ودماؤك تدب في عروقك.. إنّ لك دائمًا قلبك الحقيقي".
وعند هذا الحوار كان يسبح خيال " عبد الناصر" في أن يحقق نبوءة "الحكيم" ليقود هو حلم بلاده، وعندما تولى " عبد الناصر" رئاسة مصر لم يتخل عن تلك المحبة والتقدير اتجاه الحكيم. فقام بتكريمه، وقبل "الحكيم" تكريمه، وهو يقول: كيف لا أحب رجل يحبني ، ولكنه يعترف ان تكريمه شيء ، وما حدث للديمقراطية شيء آخر ، وهذا ما أنتقده في الجزء الثاني من روايته ، وشن هجوما حادا على الضباط الأحرار وممارستهم التي قتلت الديمقراطية..، وهو ما جعل " الحكيم" في مرمى النار من قبل الضباط الأحرار الذين اتهمومه بالصمت في عهد "عبد الناصر" والتحدث عن وفاته.
فكتب ينتقد نفسه وهو يقول: "نحن كهول الثورة ما عذرنا، وهنا ودع الحكيم " عودة الروح" والبشرى التي كانت تحملها، وشرع في كتابه "عودة الوعى"، والتي انتقدت ممارسات "عبد الناصر" التي مهدت لأن تدخل مصر زجاجة الثورة وتظل في عنقها دون أن تستطع التحرر أو تسترد الوعى ، وعندما كان يشتد الهجوم عليه كان يردد: إن الحكام المستبد لا يريد من المُفكر تفكيره الحر، بل تفكيره الموالي . يري أنْ يسمع منه تأييدًا لا اعتراضًا ، بينما رسالة المفكر في جوهرها الصدق والحرية.."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.