ما من سؤال في مصر الآن إلا وله أكثر من إجابة. لن تطرح سؤالا على أي مجموعة من المواطنين في هذا البلد إلا وستجد سيلا من الردود والحجج والبراهين. هذا في حد ذاته ليس بمشكلة. لكن عندما تتحول الإجابات المتعارضة إلى حالة من الاستقطاب الذي يتأجج يوما بعد يوم يكمن الخطر. مصريون يريدون في بلادهم ديمقراطية كاملة، وآخرون يريدونها بحماية العسكر، وجماعة ثالثة تريدها فقط بمرجعية دينية أو حتى دولة خلافة. البعض يفضلون استمرار العسكري في الحكم حتى ينتهي الجدول الزمني الذي أعلنه من شهرين والذي يقضي بانتخاب رئيس فور الموافقة على الدستور الجديد، وآخرون يهددونه بأن يسلم السلطة في أبريل وإلا... المتخوفون من حماية العسكر لمدنية الدولة يلوحون باستفتاء مارس في وجه أي شخص يتحدث عن مباديء دستورية تكون ملزمة لجمعية تأسيسة يختارها الشعب. كما يرفضون أي شروط أو معايير تحكم تشكيلها باعتبار أن استفتاء مارس الماضي لم يتضمنها، ويقولون إن ذلك يخدم أطراف لديها مصالح حقيقية في إعادة نتاج نظام ما قبل الثورة. الذين يخشون من تقييد حرياتهم بتفسيرات متشددة يرفعها البعض عنوانا للدين يطالبون بمبادئ دستورية تضمن حقوقهم وحرياتهم، ويصرون على معايير لتشكيل جمعية المائة لأن رأيهم أن الدساتير تصنع بالتوافق لا الأغلبيات البرلمانية. هؤلاء يحشدون مليونيات تلي أخرى، وأولئك يصرخون في الفضائيات، ومصر الحقيقية تتابع هؤلاء وأولئك، ويترقبون كما هو حالهم مع أفلام الإثارة .. ماذا يفعل المجلس العسكري ولمصلحة من؟ عمليات كر وفر تشهدها مصر منذ شهور، ولا أحد يلتفت لهذا البلد الذي يتراجع في كل شئ. يعجز العقلاء عن إيجاد حل وسط يطمئن الجميع، قبل أن تكون وثيقة المبادئ الدستورية الشرارة التي تشعل البلاد. تعجز كل القوى السياسية والدينية عن طمأنة الشعب، الذي بات ممزقا بين دولة دينية متشددة و دولة عسكرية مستبدة. هل من حل وسط قبل أن يحل وسط هذا البلد؟ استنادا إلى شرعية استفتاء مارس الماضي، لا وثيقة ولا معايير لتشكيل اللجنة التأسيسية. واستنادا إلى تخوف البعض من وجود المجلس العسكري في السلطة خلال كتابة الدستور، ما العمل للتوفيق بين كل المتناقضات التي تشهدها مصر الآن. الحل أن يعود الجيش إلى ثكناته في أبريل يمارس دوره الحقيقي في حفظ حدود البلاد قبل أن تنخفض الفاعلية القتالية لجنوده. لكن قبل ذلك تجرى الانتخابات في موعدها كما هو مخطط لها على أن يختار المجلسان المنتخبان رئيس مؤقت للبلاد لمدة لا تزيد عن عام بأغلبية الثلثين، على ألا يحق له ترشيح نفسه في أول انتخابات رئاسية، لننتزع الصلاحيات الدستورية لمنصب الرئيس من المجلس العسكري. وبمجرد هذا الاختيار، ينتخب المجلسان أعضاء الجمعية التأسيسية بحريتهم المطلقة بأغلبية الثلثين، على أن يناقش الدستور الذي تعده الجمعية التأسيسية قبل طرحه للاستفتاء مادة مادة من قبل المجلسين وأن يتم الموافقة على كل مادة منها بأغلبية الثلثين أيضا، ليطرح في استفتاء على المصريين دون صراع المليونيات قبل حل وسط البلد، وينتخب بعدها رئيس جديد لبلاد. طبعا في مصر لا يستطيع أي تيار أن يزعم أنه قادر على انتزاع ثلثي مقاعد البرلمان بغرفتيه في الوقت الراهن. وإذا حدث فهي الديمقراطية، وليجني كل شعب ثمرة اختياراته ويتحمل خطاياها أيضا.