يطرق بعصاه الصغيرة التي يحملها بيده اليمني علي طبلته تلك التي بيده الأخري، ويجوب الحواري والأزقة الضيقة، ليٌردد بنبرته المميزة والرنانة: "اصحي يا نايم.. وحد الدايم"، ليوقظ النائمين علي صوته، - الذي يحمل في طياته رسالة "لقد حان وقت السحر"-، فتعم الشوارع بالبهجة، وتهلل الأطفال فرحة من سماع الدقات المتتالية، ثم يُنهي جولته هذه قبل دقائق معدودة من وقت الإمساك، ليُعاود إلي منزله، بعد أن يشعر بأنه أدي واجبه علي أكمل وجه، رجب أحمد .. "مسحراتي رمضان"، بمنطقة البراجيل. اعتاد علي الخروج مع والده يوميًا ومرافقته، لإيقاظ الأقارب والجيران وأهالي المنطقة، وهو يبلغ من العُمر خمسة عشر عامًا، حتي باتت مهنة المسحراتي تجري في عروقه كالدماء، فعلي الرغم من مرور ثلاثين سنة علي أول مرة خرج فيها لسحور الصائمين، إلا أن شعور الفرحة أثناء ممارسة عمله كل ليلة في رمضان، لم يقل عن فرحة الصبي حيذاك، كما يقول رجب. الأطفال تنتظره كل ليلة، ومجرد أن يشاهدوه يتجمعون حوله ويحاوطه بالفوانيس ويشاركوه عمله بترديد أسماء من يقوم بإيقاظهم، ومنهم من يسير معه حتى أن يصل إلى بيته، لاسيما أنهم يعتبرونه جزءًا أساسيًَا من أجواء شهر رمضان. ويقول رجب أنه علي الرغم من انتشار أجهزة المنبه داخل كل البيوت المصرية إلا أنهم لا يتسحرون إلا على صوته، لافتًا إلى أنه جولته تبدأ من الساعة الثانية عشر بعد نتصف الليل وتنتهي في تمام الساعة الثانية ونصف قبل وقت الإمساك بنصف ساعة وهذه الجولة تسير كعقارب الساعة لا يمكن أنا تتأخر أو تتقدم دقيقة واحدة، قائلًا: "أنا المسحراتي بس أنا وأولادي ومراتي آخر ناس بنتسحر". عم رجب أب لأربعة أبناء يبلغ من العمر 46 عامًا، يعمل موظفًا بإحدى شركات منطقة 6 أكتوبر، وعلي الرغم من ضيق حاله إلا أنه يبقي هدفه الأسمي، من ممارسة مهنة المسحراتي هو الأجر والثواب وإصراره علي استكمال خطي والده وأجداده، ومساعدة الصائمين في إتمام السحور، وإدخال البهجة علي قلوب الأطفال، بسماع رنات الطبول، ولا ينظر إلي الجنيهات المعدودة التي يجودون بها عليه من يتعين عليه ايقاظهم لتناول السحور.