«أصحى يا نايم وحّد الدّايم»، و«قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم».. كلمات يشق بها «المسحراتى» سكون الليل، جائلًا بين الشوارع ضاربًا على الطبل؛ كي يوقظ سكان الحي كبارا وصغارا قبل أذان الفجر بحوالي ساعتين؛ لتناول وجبة السحور التى تعينهم على صيام نهار رمضان. ارتبطت شخصية «المسحراتي» في مصر بالزينة والفوانيس، كما ارتبطت أيضا بالسير والحكايات الشعبية مثل «ألف ليلة وليلة»، و«أبو زيد الهلالي»، و«علي الزيبق»، ورغم ظهور الأجهزة الذكية والمنبهات، فإن المصريين يفضلون سماع طبلة وصوت المسحراتي في ليالي رمضان، ليطلون من الشرفات والنوافذ عند سماع الطبلة ويبدأون بالتهليل والمناداة بأسمائهم التي أصبحت يحفظها المسحراتي كل عام في هذا التوقيت عن ظهر قلب. «المسحراتي» ظهر فى الدولة العباسية.. و«أصحى يا نايم» أشهر النداءات بداية ظهور مهنة المسحراتي، كانت في عصر الدولة العباسية خلال عهد الخليفة المنتصر بالله، ويذكر المؤرخون أن والي مصر، عتبة بن إسحاق، أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ أهلها ودعوتهم إلى تناول طعام السحور في العام 238 هجرية "853 ميلادية"، ليصير «المسحراتي» الأول. «عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة»، كان نداؤه، فكان ينشد، قصائد مقسمة على أربع فترات، يقول في الأولى، "أيها النوام قوموا للفلاح.. وأذكر الله الذي أجرى الرياح.. إن جيش اليل قد ولى وراح.. وتدانى عسكر الصبح ولاح.. أشربوا عجلى فقد جاء الصباح". ويقول في ندائه الثاني: "تسحروا رضى الله عنكم.. كلوا غفر الله لكم.. كلوا من طيبات واعملوا الصالحات"، وفي التذكير الثالث ينشد:"يا مدبر الليالي والأيام، يا خالق النور والظلام.. يا ملجأ الأنام ذا الجود والإكرام"، ويختم: "كلوا وأشربوا وعجلوا.. فقد قرب الصباح.. وأذكروا الله في القعود والقيام.. وأرغبوا إليه.. تعالى بالدعاء والثناء". ومرت السنون ليتطور النداء ويصير أشهره «اصحى يا نايم .. وحد الدايم»، وتضاف أدوات الطبل والمزمار إلى صوته الجهير للمساعدة في تنبيه النائمين ليستعدوا للصيام.. بالماء والطعام. «المسحراتي» في الدول العربية.. تعددت الصور والهدف واحد وبحسب خبراء، فإن المسلمين كانوا منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، يعرفون وقت السحور بأذان بلال بن رباح، ويعرفون المنع بأذان ابن أم مكتوم، فقد كان هناك أذانان للفجر أحدهما لبلال قبيل الوقت الحقيقي للفجر، والثاني لعبد الله بن أم مكتوم، وجاء في الحديث الشريف الذي رواه البخارى ومسلم «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم»، وما كان الناس في المدينة يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور طبقاً لما جاء في دراسة أثرية عن المسحراتي والمفردات الرمضانية. وكان «المسحراتي» في العصر العباسي يحمل طبلة صغيرة يدق عليها مستخدماً قطعة من الجلد أو الخشب ومعه طفل أو طفلة صغيرة مع شمعة أو مصباح لتنير له طريقه، وكانت النساء تترك له على باب منازلهن قطعة نقود معدنية ملفوفة داخل ورقة ثم يشعلن أحد أطرافها ويلقين بها إلى المسحراتي الذي يستدل على مكان وجودها من ضوء النار فيدعو لأصحاب البيت ويقرأ الفاتحة، وكان ابن اسحاق أول من أيقظ الناس على الطبلة بذهابه ماشياً من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص. أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب، فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان، وتطورت بعد ذلك مهنة المسحراتي، فاستخدم المسحر الطبلة الكبيرة منشداً الأشعار والأغاني الشعبية. وهكذا انتشرت المهنة وشهدت أوجها، وفي العديد من أشهر رمضان مضت، لم يخل شارع عربي من «مسحراتي» يقرع طبلته قبل الفجر قبل أن تشيخ مهنة المسحراتي مع مولد الأجهزة التكنولوجية الحديثة ومنبهاتها. وتبدل الحال وتغير الزمان، واختفى المسحراتي من الأحياء الراقية، ولكن تظل مهنة المسحراتي باقية في المناطق الشعبية، تضفي روح رمضان على البيوت.