سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"اصحي يا نايم وحد الدايم وقول نويت".. "المسحراتي" يبدع في ليالي رمضان.. بلال بن رباح أول من طرق الأبواب في عهد الرسول "ص".. والمصريون أول من استخدموا الطبلة.. وكلمات فؤاد حداد محفوظة في الأذهان
بين الأزقة والحارات، يسير مرتديًا جلبابه الأبيض، تعلو رأسه طاقية بيضاء، يحتضن بذراعه اليسرى طبلته، ويمسك بيمنيه عصا صغيرة، يطرق به على طبلته، طرقات خفيفة غير مزعجة، يحفظها الصغار قبل الكبار، لها وقع خاص على قلوب الصائمين، يظل يصدح بصوت متهدج، وحنجرة تتغنى بكلمات فؤاد حداد، التي تغزو الحواس الخمس، وتملأها بنفحات إيمانية، تشعرك بأنك في حضرة رمضان، إنه "المسحراتي". "اصحي يا نايم، وحد الدايم، وقول نويت، بكرة إن حييت، الشهر صايم، والفجر قايم، اصحى يا نايم وحد الرزاق، رمضان كريم"، تلك هي الغنوة التي غناها سيد مكاوي، وما زال ينتفض لسماعها الكبار والصغار حتى الآن. قبيل بزوغ الفجر بساعتين، يبدأ المسحراتي جولته الليلية في الأحياء الشعبية، يطوف الرجل في الطرقات، يشدوا من أجل إيقاظ أهل الحي، من أجل تناول وجبة السحور، استعدادا لصيام نهار جديد، حيث ارتبط الصائمون بفكرة المسحراتي، عبر العصور، حتى إنه بات من الصعب استيعاب استقبال ليل رمضان بدون قدوم المحسراتي. إلا أن التطور والتكنولوجيا التي طغت على كل شيء، وطمست العادات، جعلت المهنة تختفي في بعض الأحياء، حتى كادت تنقرض. تعود بدايات المسحراتي إلى عهد الرسول (صلى الله عليه الصلاة والسلام)، حيث كان بلال بن رباح، أول مؤذن في الإسلام، وابن أم كلثوم، يقومان بمهمة إيقاظ المسلمين للسحور، إذ كان بلال يؤذّن لتناول السحور، بينما كان ابن أم كلثوم يؤذن للإمساك عن الطعام. بعض الروايات التاريخية أشارت إلى أن المصريين أول من استخدموا الطبلة في إيقاظ الصائمين، وأن بعض البلدان العربية، كاليمن والمغرب، كانوا يطرقون الأبواب "بالنبابيت"، أما أهل الشام فكانوا يطوفون على البيوت، ويعزفون على العيدان والطنابير، وينشدون أناشيد خاصة برمضان لإيقاظ المسلمين. و يذكر المؤرخون أن "عتبة بن اسحاق"، والي مصر، هو أول من قام بمهنة المسحراتي بشكلها الحالي، حيث استرعى انتباهه أن بعض الناس لا يستيقظون السحور، ولم يكن هناك من يقوم بهذه المهمة، فقرر أن يقوم بها هو شخصيًا، فكان يطوف شوارع القاهرة سيرًا على قدميه ليلا، لإيقاظ أهلها وقت السحور، بدءًا من مدينة العسكر بالفسطاط، انتهاء بجامع عمرو بن العاص، مناديا: "عباد الله تسحروا.. فإن في السحور بركة". أما في عصر الدولة الفاطمية، فأصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي، أمرًا لجنوده، بأن يمروا على البيوت، ويطرقوا الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور، ومع مرور الوقت تم تخصيص رجل للقيام بهذه المهمة، كان يطرق أبواب المنازل بعصاه طرقًا خفيفًا، ويقول:"يا أهل الله قوموا تسحروا". تطور الأمر بعد ذلك على يد المصريين، فهم أول من ابتكروا الطبلة ليحملها المسحراتي تحت إبطه، ويطرق عليها بيده بدلا من العصا، وكانت الطبلة تسمى "بازة" آنذاك، وكانت عبارة عن طبق دائري صغير الحجم، يطرق عليه المسحراتي طرقات منتظمة. ثم تطورت صناعة الطُبل، وتغير شكلها إلى أن وصل للشكل الحالي، وبدأ الشعراء في كتابة الأناشيد والأغاني التراثية والشعبية الخفيفة، لتلازم طرق المسحراتي، وتبدو السيمفونية مكتملة. ولعل أروع ما كُتب، هو ما خطه قلم الشاعر الرائع فؤاد حداد، وغناه الراحل سيد مكاوي، الذي قام بدور المسحراتي في عام 1964، في الإذاعة المصرية، وبعد ظهور التلفاز أبدع مكاوي صوتًا وصورة، حتى حُفر في ذاكرة المصريين.