يدير استاد سان سيرو.. معقل الإنتر والميلان كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية والنصف من ظهر يوم الاثنين الماضى عندما هبطت طائرة مصر للطيران إلى مطار ميلانو، وكنت محظوظاً أن يستقبلنى شخص مرموق خلقاً ووظيفة وعلماً وأدباً، وهو صديقى رئيس المكتب التجارى المصرى بميلانو أحمد مغاورى دياب، وهو بالمناسبة نجل العالم الدكتور مغاورى دياب رئيس جامعة المنوفية الأسبق، اصطحبنى رئيس المكتب التجارى فى سيارته إلى مقر إقامتى بأحد الفنادق القريبة من وسط مدينة ميلانو، وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث فى السيارة حول أوضاع المصريين المقيمين فى ميلانو فى ظل الظروف والعلاقات المتوترة مع إيطاليا بسبب قضية «جوليو ريجينى»، فوجئت برئيس المكتب التجارى يقول لى: سأعرفك على شخصية مصرية يعشقها الإيطاليون قبل المصريين المقيمين هنا ويعد فخراً لمصر، وصورة مشرفة لشاب استطاع بكفاحه وإصراره على النجاح أن يتبوأ مكانة كبيرة فى أحد أهم البلدان الأوروبية وهى إيطاليا.. سألته: ومن هو هذا الشخص؟.. فأجاب: إنه أحمد الشامى الذى تتولى شركاته «آل عطية» صيانة ونظافة ملعب استاد سان سيرو معقل فريقى إنتر ميلان وأيه سى ميلان، الإيطاليين، أقصوصة صديقى أحمد مغاورى عن سنيور عطية أثارت فضولى الصحفى، وطلبت منه أن يتصل ب «الشامى» ويحدد لى ميعاداً لأجرى حواراً معه، وبالفعل اتصل به وقال لى إنه فى انتظارى غداً فى استاد سان سيرو فى تمام الساعة الواحدة ظهراً.. فى اليوم التالى ذهبت إلى «الشامى» ووجدته بانتظارى مرحباً بى.. اصطحبنى فى سيارته قائلاً لى: «تعالي أوريك الاستاد من الخارج الأول»، ثم اصطحبنى بعد ذلك إلى إحدى الكافيتريات الفاخرة داخل الاستاد وتناولنا الإسبرسو الإيطالى الشهير وحكى لى قصته.. بعدها اصطحبنى فى جولة داخل الملعب وغرف ملابس اللاعبين ومتحف العظماء من لاعبى الإنتر وميلان.. ومع سنيور «عطية» كان الحوار التالى: بداية سألت الشامى عن محل ميلاده وكيف جاء إلى إيطاليا؟ - فأجاب: أنا من قرية فقيرة أهلها طيبون تسمى «دهمشا» بمشتول السوق، والدى فلاح بسيط أنجب 8 أبناء «4 صبيان و4 بنات»، وبعد أن حصلت على الثانوية الأزهرية، التحقت بكلية الزراعة جامعة الأزهر، وجاءتنى فكرة السفر إلى أوروبا قبل إتمام عامى الدراسى الأول بالجامعة، وأخذت قراراً بينى وبين نفسى أن أسافر أوروبا، ووقع اختيارى على إيطاليا، واستطعت السفر عام 1999 دون رغبة أبى. وكيف كانت بداية رحلتك هنا؟ - كانت بداياتى قاسية جداً وكنت أتغلب على هذه القسوة بالصبر، والخوف من الفشل وأن تضحك الناس علىّ كان يدفعنى للعمل ليل نهار، وعملت فى البداية كعامل نظافة فى أحد المستشفيات بمبلغ زهيد جداً ثم عملت مع مصريين من الفيوم كانوا يعملون فى السقف المعلق، وعلمونى فنيات هذه المهنة، ثم عملت بعد ذلك فى إحدى الشركات المسئولة عن صيانة وتنظيف استاد سان سيرو، وبعدها فكرت فى تكوين شركة صغيرة بعد أن تحسنت أحوالى المادية كثيراً وزاد راتبى الشهرى، وبالفعل كونت شركة صغيرة أطلقت عليها «آل عطية»، وتركت الشركة التى كنت أعمل بها، وحدث خلاف بين إدارة الاستاد والشركة التى كانت تتولى الصيانة والنظافة، وفكرت فى هذه اللحظة أن أتقدم بطلب لإدارة الاستاد بأن تتولى شركتى صيانة ونظافة الاستاد، ووافقوا مبدئياً شرط أن يتم وضع الشركة تحت الاختبار لمدة أسبوعين دون أى مقابل، ووافقت واجتازت الشركة كل الاختبارات، ومن يومها وشركتى هى المسئول الأول والأخير عن صيانة ونظافة الاستاد. أثناء اصطحابك لى فى سيارتك.. لاحظت شعبيتك الكبيرة بين الإيطاليين الذين ينادونك ب «سنيور عطية».. كما لاحظت أنك تتحدث الإيطالية بطلاقة رهيبة.. ما السر فى هذه الشعبية.. وكيف أتقنت هذه اللغة؟ - الأمانة والإخلاص فى العمل هما سر شعبيتى بين الإيطاليين كما رأيت.. فلا مكان للمجاملات أو الفوضى هنا.. كل شىء يتم إعداده وتنفيذه بمنتهى الدقة.. أما إتقانى للغة الإيطالية فقد تعلمتها من الممارسة.. وقمت بشراء كتاب لتعليم الإيطالية وكنت أحمله معى وأحفظ كلماته فى القطار الذى كان يقلنى من مكان سكنى إلى العمل، وكان يستغرق 4 ساعات ذهاباً وإياباً يومياً. كم يبلغ عدد العمال فى شركتك؟ - بدأت بثلاثة عمال، ثم تصاعد العدد إلى 130 عاملاً وأكثرهم من أبناء بلدى وأقاربى، والحمد لله جميعهم على مستوى المسئولية ويكنون لى كل الحب والاحترام وأحمد الله على ذلك. فاتنى أن أسألك.. كم سنة وأنت مسئول عن صيانة الاستاد؟ - منذ 20 عاماً بالتمام والكمال.. ولعلمك كل مفاتيح الاستاد معى وإدارة الاستاد تثق فى شخصى المتواضع ثقة بلا حدود. نعود إلى استاد سان سيرو.. حدثنى كيف يدار هذا الاستاد.. وهل يعد مشروعا استثماريا اقتصاديا أم رياضيا بالدرجة الأولى؟ - استاد سان سيرو ثالث أكبر استادات العالم وسعته الأساسية 82 ألف متفرج، وهو مزود بأحدث وسائل التكنولوجيا بما فيها غرف تبديل ملابس اللاعبين، والاستاد مملوك لبلدية ميلانو وهى التى تتولى إدارته.. وعندما يلعب الميلان يطلق على الاستاد سان سيرو، وعندما يلعب الإنتر يطلق عليه «شوزى مياتسا»، ونجيلة الملعب مستوردة من هولندا والسويد، وبالمناسبة ليست كلها من النجيل الطبيعى حيث تشكل نسبة النجيل الطبيعى 70٪، والصناعى 30٪ أما فيما يخص سؤالك كيف يدار هذا الاستاد؟ فأحب أن أقول لك إن الاستاد يعد مزاراً سياحياً ويحقق إيرادات شهرية كبيرة جداً حيث تحرص أعداد غفيرة من رواد إيطاليا على زيارة الملعب، وكذا المتحف الملحق به وهو عبارة عن صور مجسمة وتى شيرتات لأعظم لاعبى الإنتر والميلان أمثال باولو مالدينى ورود خوليت وغيرهما.. والاستاد يدار بفكر اقتصادى بحت ولا مجال للمجاملات هنا، بالإضافة إلى ذلك تنظم إدارة الاستاد 10 حفلات لأشهر مطربى ومطربات العالم يحضر الحفلة من 90 إلى 100 ألف متفرج، وهذا يحدث بعد انتهاء الدورى. ما أصعب المواقف التى واجهتك فى معقل الإنتر والميلان؟ - كانت هناك إحدى المباريات المهمة جداً فى الدورى العام، وفجأة هطلت الثلوج وغطت نجيلة الملعب بنحو نصف متر، وكان ذلك عام 2007، وتحدثت معى إدارة الاستاد وقالت لى لا مجال لتأجيل المباراة، وسألتنى: هل تستطيع سنيور عطية إزالة هذه الثلوج الضخمة فى وقت قليل، فقلت لهم: أعطونى 10 دقائق لأفكر وسأرد عليكم.. بعد 10 دقائق ذهبت لهم وأخبرتهم بأننى قادر على إزالة هذه الثلوج، وبالفعل أنجزت المهمة فى وقت قياسى أبهر الإيطاليين. سمعت أن البوليس الإيطالى يستعين بك أحياناً فى عمليات تأمين المباراة.. هل هذا صحيح؟ - نعم.. نظراً لمعرفتنا الكبيرة أنا وأفراد شركتى بوجوه الألتراس من فرق الضيوف التى تتردد على الاستاد. هل تقابلت مع المصرى محمد صلاح نجم روما؟ - نعم.. تقابلت معه مرتين عن طريق كابتن خالد بيومى الذى يتواجد فى فيورنتينا كثيراً لمتابعة عمله الخاص، وصلاح شخصية رائعة وفى منتهى التواضع والأدب الجم، وهو من اللاعبين المحبوبين جداً لدى الجمهور الإيطالى بشكل عام وليس جمهور روما وحده. وهل «صلاح» هو المصرى الوحيد الذى لعب على استاد سان سيرو أم أن هناك مصريين آخرين لعبوا هنا؟ - لعب على هذا الاستاد أحمد حسن لاعب المنتخب الأسبق عندما كان يلعب فى تركيا، وهناك أحمد حسام «ميدو» عندما كان لاعباً فى صفوف إياكس أمستردام. ما الفريق الإيطالى الذى تشجعه.. وهل تتابع الكرة المصرية؟ - أشجع الميلان.. وبالطبع أتابع الكرة المصرية عبر الفضائيات وأشجع الزمالك. أراك تتلقى مكالمات كثيرة عبر تليفونك المحمول باللغة الإيطالية.. هل هناك حدث جلل؟ - معذرة.. فأنا أتابع بشكل لحظى العمال لأنهم يقومون حالياً بالعمل داخل الاستاد لأننا نسابق الزمن، حيث نستعد لاستضافة نهائى أوروبا فى الثامن والعشرين من مايو القادم.