شركات «الواجهة» والعقوبات الصارمة أهم الأسباب اختفاء اسم الولاياتالمتحدة من وثائق بنما المسربة التى عمت أرجاء العالم، من الصين إلى روسيا مروراً ببريطانيا، وشملت مجموعة واسعة من المسئولين والشخصيات, لا يعنى سلوكاً ضريبياً سليماً، وقد يكون معناه بالمقام الأول رفض الأمريكيين التوجه إلى بلد بعيد ناطق بالإسبانية، فى ظل وجود إمكانات أكثر سهولة متاحة لهم. تقول مارينا ووكر جيفارا، مساعدة مدير «الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين» الذى نسق التحقيق الصحفى حول مجموعة الوثائق الضخمة, «هناك العديد من الأمريكيين، لكنهم «بمعظمهم أفراد عاديون». ولا يعنى ذلك أن الولاياتالمتحدة نموذج للشفافية المالية أو خارج نظام «الشركات الأوفشور»، بل هى لاعب أساسى فيه. وأوضح نيكولاس شاكسون، صاحب كتاب مرجعى فى هذا بعنوان «الجنات الضريبية» أن الأمريكيين لديهم حيل كثيرة يمكنهم التوجه إليها وأول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر هذه الجنات الضريبية جزر كايمان وجزر فيرجن البريطانية، غير أن الأمريكيين الحريصين على إبقاء أنشطتهم المالية سرية، ليسوا ملزمين حتى بالخروج من بلادهم, فبعض الولايات مثل ديلاوير وويومينع تسمح لهم لقاء بضعة مئات من الدولارات، بإنشاء شركات واجهة، دون أن يضطروا إلى الإفصاح عن أسماء المستفيدين الحقيقيين منها. وما يزيد من خطورة هذا الوضع أن المصارف الأمريكية، وإن كانت ملزمة ب«معرفة زبائنها»، ففى وسعها تخطى هذه القاعدة وفتح حساب باسم شركات الأوفشور، ما يضمن لمالكيها الحقيقيين تكتماً تاماً. وتعهدت الخزانة الأمريكية بسد هذه الثغرات التى غالبا ما يستغلها مهربو الأسلحة والمخدرات والتى حملت على إدراج الولاياتالمتحدة فى المرتبة الثالثة بين الدول الأقل شفافية، متقدمة بفارق كبير عن بنما نفسها، بحسب ترتيب سنوى تضعه مجموعة «شبكة العدالة الضريبية». وقال المتحدث باسم قسم الخزانة المكلف مكافحة الجرائم المالية «إننا نضع اللمسات الأخيرة على تنظيم بهذا الشأن». وهناك سبب آخر يمكن أن يفسر العدد الضئيل للأمريكيين الوارد ذكرهم فى «أوراق بنما», فبعد فضائح مدوية طاولت مصارف سويسرية، عمدت الولاياتالمتحدة فى السنوات الأخيرة الى تعزيز آلياتها لمكافحة التهرب الضريبى والفساد، ولم تعد تتردد فى فرض عقوبات بالغة الشدة على المخالفين, ونتيجة لذلك، فإن «بعض الجنات الضريبية باتت تصاب بالذعر لمجرد فكرة أن يكون لها زبائن أمريكيون، لأنها تعرف أن الولاياتالمتحدة لديها القدرة على إنزال تدابير مؤلمة بها, واستهدفت الولاياتالمتحدة بصورة خاصة المصارف السويسرية التى باتت تتمنع عن قبول زبائن أمريكيين خشية مخالفة التزاماتها والتعرض لعقوبات فادحة.