على حافة مدن الرخام والحدائق والفيلات الفارهة، يعيشون على قلب رجل واحد من البؤس والمعاناة فى مدن القمامة والتلوث.. طعامهم فيها مخلفات البشر، ولباسهم فيها ما يبلى على أجسامهم.. الإنسان هنا حفنة من المصريين لم تغن عنهم الثورة بعد شيئا.. والمكان هو عشش الزرايب المثوى الأخير لزبالة بيوت أهالى مصر المحروسة. كانت فى استقبالنا صورة بائسة تمثل مشهدا دراميا فريدا، البيوت هى عشش من الخشب، تشبه صناديق القمامة الكبيرة التى تضم ايضا المخلفات المنقولة للمكان تنتشر على مساحة 55 فدانا لتضم اكثر من 120 الف اسرة، امواج من الاطفال متسخى الوجوه والملابس يلعبون فى براءة على اكوام القمامة، فيما تنتشر النساء جالسة القرفصاء لفرز ما جاد عليهم به سكان القاهرة، هنا اكياس بلاستيك، وهنا قطعا من المعدن، واخرى من القماش، وهكذا، هذه الاشياء هى ثروتهم ورأس مالهم الذى يعيشون عليه ويقتاتون منه، المنطقة لم تصل اليها أى ملامح للمدنية او الخدمات والمرافق، وكأنها جزء سقط من وجه مصر، فأهالى المنطقة ممنوعون من تطويرها بأمر حكومات النظام السابق، مياه الشرب من «الطلمبات» وقد اختلطت بمياه الصرف الصحى، أما الإضاءه فلا «بالكلوبات» العتيقة التى تعيدنا الى عهد الستينات، أما مهنة جميع السكان فهى واحدة، جمع القمامة وفرزها وتصنيفها، بما فى ذلك النساء و الشيوخ والاطفال. «رضينا بالهم والهم مش راضى بينا».. كمال زكى أحد سكان الزرايب وقد علته نبرة أسى: ولدت هنا، ولم تر عيناى منذ طفولتى إلا أكوام القمامة، وجمعها مهنتى، ورغم كل ما نعانيه فى حياتنا هنا من صعوبة إلا الحكومة لا تتركنا فى حالنا، فرئاسة الحى تلزمنا بدفع ما يشبه الإتاوه ، 3 جنيهات كرسوم نظافة تتم إضافتها على فاتورة الكهرباء ، أى نظافة هنا فى الحى ونحن نعيش بين «الزبالة» انها نكتة غريبة، وليس هذا فقط، بل يقوم مجلس مدينة الخصوص بمحاربتنا فى لقمة العيش، بالتعاقد مع اشخاص تابعين لهم على انهم من شركات نظافة، فلا نجد عملا نتكسب منه، على الرغم انها مهنة كل سكان المنطقة توارثناها «أبا عن جد». ويضيف زكى: نحن محرومون من الكهرباء، ومحاولة الحصول على عداد مشكلة كبيرة، فعليه ان يدفع إتاوة للوحدة المحلية، بواقع 20 جنيها عن كل متر فى العشة المراد إدخال الكهرباء بها، وتقدمنا بشكاوى عديدة لإعفائنا من هذه التكلفة الغريبة، ولكن دون جدوى، ولا نسلم حتى من دفع الإكراميات لمهندسى الحى، الذين يزوروننا كل يوم وآخر، لتحرير محاضر مخالفات وإشغالات طريق وبيئة، وغيرها، وهناك سكان فوجئوا بمطالبتهم بغرامات تبلغ 10 آلاف جنيه، ومنذ عهد المحافظ عدلى حسين ونحن نحاول الحصول على موافقات لتطوير المنطقة، إلا أن جميع المسئولين بالحى يطبقون مقولة «فوت علينا بكرة يا سيد» رغم اننا نعد مكسبا للحكومة، ويقع علينا عبء جمع قمامة القاهرة، كما أننا لا نعانى من البطالة فالجميع يعمل فى «الزرايب» كما أننا نحول المخلفات إلى ثروة، من خلال عمليات الفرز والتصنيف، وإعادة تدوير واستخدام الورق والصفيح والبلاستيك، كما يتم تصدير زجاجات البلاستيك الفارغة الى الصين لعدم وجود مصانع لها فى مصر، أما باقى مخلفات البلاستيك فيتم اعادة تصنيعها فى عمل مواسير الصرف الصحى والكهرباء، وما لا يتم الاستفادة منه، نحمله الى المدافن للتخلص منه بصورة نهائية. «منهم لله، من ساعة ما منعوا تربية الخنازير فى الزرايب ورزقنا قل» بهذه الكلمات تبدأ فرحة أنيس كلامها، وتقول: أعيش هنا منذ 50 عاما «والزبالة» هى مصدر رزقنا، نعيش حياة غير كل الناس فى مصر، ننام على قطعة «خيش» أو كرتون، لم يزرنا أى مسئول لسماع مشاكلنا أو رعايتنا لكن يزورنا فقط مسئول الحى لإيذائنا، اذا ما قام احدنا ببناء عشة او غرفة، يحضرون لهدمها وتغريمنا، ولو شكونا للمجلس، لا نجد إلا التهديد بالطرد من المنطقه كلها، ونحن لا نعرف إلا هذا المكان، أين سنذهب ومن أين سنأكل. ويلتقط موسى بكير اطراف الحديث قائلا: منذ إعدام الخنازير ونحن نعانى، والناس لا يقدرون عملنا ولا نجد منهم اى احترام او معاملة جدية، لا نجد سوى الإهانة و«البهدلة» على الرغم من أهمية ما نقوم به، فجمع القمامة لا يقل اهمية عن اى عمل آخر كبير، وللمواطنين ان يتصورا حال القاهرة بدون جمع هذه المخلفات، والقمامة تمثل ثورة كبيرة لمن يعرف قيمتها، فالعديد من مصانع الورق والبلاستك والزجاج تعتمد علينا. ويشكو مسعود عبدالمقصود من معاناة أهالى المنطقة من الرشوة، ويقول: الثورة لم تغير شيئا مما كان، الرشوة موجودة، ولا يزال ضباط الشرطة يتعاملون معنا بصورة سيئة لم، ولم يعد لدينا امل فى اى تغيير، ونراهن على ان الرئيس القادم سيعطى الشعب على «قفاه» و»دماغة» مثل مبارك، ويضيف: نحن نعانى من اضطهاد محمد طه نائب رئيس حى الخصوص لنا، فكلما جاء رئيس حى جديد، يتقرب منه ويخفى عنه حقيقة احوالنا، بل ويتم تعويم السيارات التى تقوم بجمع الزبالة بمبلغ 3 آلاف جنيه، فهل هذا معقول؟ ويقول محمد عبدالحميد: إن عشش الزرايب تعانى من عدم وجود المياه النظيفة والكهرباء، فمازلنا نعيش على اضواء «الكلوبات» وليس لنا حق فى بناء دورة مياه، ولأى انسان ان يتصور كيف تتصرف السيدات من سكان العشش بدون صرف صحى او دورات مياه ، يضطر احد من اهلها لحراستها فى الحمام العمومى حتى لا يراها أحد. أما رجب بدر - 63 عاما، فيقول: هذه المنطقة منذ عهد الاتراك ، وسكانها يتوارثون ذات المهنة، ولكننا على مر العهود الماضية نعيش بصورة غير آدمية، وليس لنا اى حق فى المطالبة بحقوقنا، بل يتم معاملتنا بقسوة بمصادرة سياراتنا، وتحرير محاضر مخالفات تبدأ من ألف جنيه، وقد حرروا ضدى غرامة، واضطررت معها لبيع الثلاجة من جهاز ابنتى قبل زفافها بأيام لأسدد الغرامة حتى لا أسجن وأنا فى هذا العمر، ورغم أننا نوفر على الدولة ملايين الجنيهات التى يمكن ان تتكلفها بالتعاقد مع شركات اجنبية للاستعانة بها فى جمع القمامة، إلا أننا محرومون من كل شيء، حتى الارض التى نقيم عليها وضع يد منذ عام 59، الحكومة تتعامل معنا وكأننا دخلاء، نحن لم نشعر بأى تغيير بعد الثورة، لم يعد لدينا أمل فى التغيير. ويصف مرزوق أبوعطوة أوضاع سكان المنطقة بأنهم أموات، أو هكذا تعتبرهم الحكومة، فيغضون بصرهم ويصمون آذانهم عن مطالبنا، فلا يوجد لدينا مستشفى ولا مدرسة وإذا مرض طفل نضطر لنقله الى المرج لعلاجه، والمدرسة الوحيدة فى المنطقة خاصة مصروفاتها تصل إلى 1700 جنيه، واضررت الى عدم تعليم اولادى الثلاثه بسبب مصروفات المدرسة، هذه المنطقة كما هى مصر رزقنا، بمثابة المقبرة لنا، لأننا سنعيش ونموت بين أكوام الزبالة.