لا شك أن تباطؤ الدولة وعدم وجود من يفض الاشتباك أو يخفف الاحتقان بين الدولة والنقابات المهنية بات خطراً جديداً لا يقل خطورة عن خطر الإرهاب.. مشهد ما أطلق عليه جمعة الكرامة للأطباء ردا على تجاوزات عدد من أفراد الشرطة ضد أطباء مستشفى المطرية جاء جرس إنذار وتحذير يحمل العديد من رسائل يجب قراءتها بعناية، فعدم وجود من يطفئ النيران أو من يحتوى مثل هذه المواقف بأسلوب يضمن للجميع حقوقهم تحت مظلة احترام القانون وكرامة المواطن سوف يقودنا إلى طريق محفوف بالمخاطر، فلماذا يغيب عن مثل هذه المشاهد من يقطع الطريق على المتربصين بالوطن؟، ويحرم مثل هؤلاء من إشعال الفتن، فمعظم النيران من مستصغر الشرر، فكم من وقائع حدثت غاب عنها حسن التصرف وهيمن على أبطالها نزعة التحدى والكبرياء، وكادت أن تقود الوطن إلى كوارث لولا تدخل الرئيس السيسى شخصياً لنزع فتيل الأزمة، فهل ننتظر تدخل الرئيس مرة أخرى فى مثل هذه الاشتباكات بين الدولة والمواطنين، خاصة أعضاء النقابات المهنية؟ المحامون أزمات مستمرة صراع أبدي بين رجال الشرطة والمحامين، فلا تكاد تنتهي أزمة إلّا وتبدأ أخرى دون أي تدخل من الجهات المسئولة، وكانت واقعة تعدى ضابط شرطة على محامٍ بالبحيرة أحد هذه الاشتباكات والتى كانت سبباً فى ثورة المحامين وغضبتهم ودخولهم فى اعتصام وإضراب عن العمل وتظاهرات، دون تدخل مقبول ينزع فتيل الأزمة ويهدئ ثورة الثائرين وغضبتهم، حتى فاجأ السيسى الجميع، واعتذر لجموع المحامين عن التصرف الذى صدر من الضابط، وقال «أنا بقول للمحامين كلهم حقكم عليا، وأنا بعتذر لكم يا فندم، وبقول لكل أجهزة الدولة من فضلكم، لازم نخلى بالنا من كل حاجة، رغم الظروف اللى إحنا فيها، أنا بعتذر لكل مواطن مصرى تعرض لأى إساءة، باعتبارى مسئولاً مسئولية مباشرة عن أى شىء يحصل للمواطن المصرى، وبقول لأولادنا فى الشرطة أو فى أى مصلحة حكومية، لازم ينتبهوا أنهم بيتعاملوا مع بشر، والوظيفة تفرض عليهم التحمل، لأن المصريين أهلنا وناسنا، ومافيش حد ينفع يقسو على أهله». كانت هذه الكلمات من رأس الدولة بمثابة المياه التى أطفأت النيران. بعد هذا الاعتذار تبخرت المشكلة وتلاشت وانتهت وكأن شيئاً لم يكن، فض المحامون اعتصامهم وفضوا إضرابهم عن طيب خاطر بعد أن مسحت كلمات الرئيس دمعتهم وردت كرامتهم وعاد الهدوء إلى نقابة المحامين وإلى مصر بأسرها، بل وقامت نقابة المحامين بإحالة محامٍ إلى التحقيق بسبب رفع جذائه على صورة وزير الداخلية أثناء المظاهرات. الصحفيون والدولة العلاقة بين الدولة والصحفيين ومنذ زمن طويل علاقة متوترة تشوبها بين الحين والآخر احتكاكات وتوترات يغيب عنها المنقذ أو تتأخر المعالجات لتستمر حالة التوتر والتى تصل فى الكثير منها إلى التظاهرات حتى يتدخل رأس النظام ليفك الاشتباك، وظهر ذلك جلياً فى قوانين حبس الصحفيين أو القوانين المتعلقة بالحريات أو علاقات العمل بين الصحفيين ومؤسساتهم، وآخر هذه الاشتباكات كان قانون الإرهاب وما جاء به من مواد تمثل قيوداً وسيوفاً مسلطة على حريات وعمل الصحفيين وتجعلهم فى كثير من الأوقات صيداً سهلاً للوقوع تحت طائلة القانون، فى ظل عدم وجود قوانين لتداول المعلومات وإصرار العديد من الجهات على اتباع نفس الأسلوب وذات الطرق فى التعامل مع الصحافة والإعلام، غاضين أبصارهم أو متجاهلين ثورة المعلومات التى نعيشها ووسائل التواصل الاجتماعى. والمعركة الدائرة الآن بين الدولة ونقابة الصحفيين على القانون الموحد للصحافة والإعلام ما هى إلا جولة جديده فى الاشتباكات المستمرة بين الطرفين. ويأتى أيضاً غياب الدولة فى علاقات العمل بين الصحفيين ومؤسساتهم والتخلى عن دورها فى ضبط هذه المنظومة التى يزداد ضحاياها يوماً بعد يوم، خاصة فى ظل الظروف التى نمر بها، وأصبح الكثير من أعضاء النقابة ضحايا لغياب دور المنقذ لمثل هذه الحالات. إنذار دار الحكمة فى المشكلة الحالية بين الشرطة والأطباء بعد الاعتداء الذى وقع من بعض أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية التعليمى قبل أسبوعين، كان يكفى تحويل أمناء الشرطة إلى النيابة فوراً بعد الحادث وتنتهى المشكلة. إلا أن تلكؤ الأجهزة فى التعامل مع الأزمة ومحاولة إقناع الأطباء المعتدى عليهم بالتنازل، وإجبارهم على فتح المستشفى كان وراء اشتعال الأزمة، لكن أمناء الشرطة والتحقيق معهم واحتجازهم لاستكمال إجراءات التحقيق كان إشارة إيجابية رحب بها الجميع وعلى رأس المرحبين كان الأطباء ونقابتهم، وكانت بداية لخطوة جديدة نحو التهدئة وحل المشكلة، إلا أن هذا الأمل تبدد فور إخلاء سبيل أمناء الشرطة، وتطاير ليتحول إلى ثورة غضب لدى الأطباء قبيل انعقاد جمعيتهم العمومية بسويعات قليلة. مع هذه الإشارة السلبية وسياسة عدم الاحتواء واستشعار الطرف المظلوم أن هذه الرسالة مفادها «أعلى ما فى خيلكم اركبوه» كان سبباً فى انتفاضة الأطباء ونقابتهم وتعاطف الكثير معهم ومع قضيتهم. وكانت هذه القضية مدخلاً جديداً للمتربصين بالوطن وهم كثر، وعلى رأى المثل «جاتلهم على الطبطاب» وسنوا سكاكينهم ووجهوا سهامهم هنا وهناك لينفذوا ما يخططون له. ولو طبق القانون من البداية وراعى المسئولون حساسية الموقف وخطورته ما كنا سنشهد ما شهدناه فى دار الحكمة من انتفاضة لعشرات الآلاف من الأطباء من أجل كرامتهم التى استشعروا أنها ضاعت وسلبت منهم، بعد أن نسى الكثيرون أن ثورة شعب مصر كان أحد شعاراتها «كرامة إنسانية» والتى جاءت بعد العيش والحرية. المهندسون البداية نظم مهندسو مصر وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين أوضاعهم وتجميد عضوية رئيس الوزراء بالنقابة. وأرجع طارق النبراوى نقيب المهندسين تنظيم هذه الوقفة الاجتجاجية لتسويف ومماطلة الحكومة فى تنفيذ مطالبنا وشعور المهندسين بالظلم والتهميش. وأوضح «النبراوى» أن قرار المهندسين بتنظيم هذه الوقفة الاحتجاجية جاء بعد مفاوضات استمرت لأكثر من عام ونصف العام مع الحكومة سواء حكومة المهندس إبراهيم محلب واستمرت هذه المفاوضات مع حكومة المهندس شريف إسماعيل، بالإضافة إلى مفاوضات مع الوزراء المعنيين سواء التنمية المحلية أو الرى وكذلك وزير الصحة. وأضاف «النبراوى» أن هذه المفاوضات طالت دون الاستجابة لمطالب المهندسين، الأمر الذى دعاهم إلى تنظيم هذه الوقفة لتوصيل صوتهم إلى الجهات المسئولة. ونبه «النبراوى» إلى أن التسويف وعدم النظر بجدية فى هذه المطالب يؤثر على الأمن القومى، فتحقيق العدالة بين فئات الشعب ضرورة ملحة ومهمة للأمن القومى. وأشار «النبراوى» إلى أن المهندسين يدعمون الدولة والنظام السياسى، وأنهم خلال فترة السنوات الخمس الماضية لم يطلبوا أى مطالب فئوية خاصة، ولكن بعد إقرار ميزات والاستجابة لمطالب العاملين فى هذه الوزارات وعمل كوادر خاصة بهم تم تجاهل المهندسين العاملين فى هذه الوزارات، الأمر الذى استشعر معه المهندسون الظلم والتهميش. وأضاف «النبراوى» أن النقابة طرقت كل الأبواب من أجل حقوق مهندسيها فى مختلف القطاعات مثل الرى – الصحة – المحليات.. دون جدوى. وأضاف أن مجلس النقابة المنتخب عليه مسئولية جسيمة تجاه المهندسين، لافتاً النظر إلى أن الترتيب لهذه الوقفة جاء حفاظاً على الأمن الوطنى المصرى حتى لا تتحرك كل فئة منفردة، مشيراً إلى أنها ليست مطالب فئوية بعينها لكننا نطالب بتطبيق الكادر وتعديل قانون النقابة من أجل رفع المعاشات، بالإضافة إلى قضايا المهندسين بالقطاعات المختلفة. وقال المهندس محمد النمر وكيل النقابة رئيس لجنة الكادر إن مجلس الوزراء الحالى يسير بسياسة التسويف والمماطلة، موضحاً أنه اكتشف ذلك من خلال حضوره العديد من الجلسات مع هذه الحكومة. وكشف «النمر» عن تدنى رواتب المهندسين سواء فى المحليات أو الرى أو الصحة.وأوضح أن هذه الوقفة بداية أن جميع الخيارات مفتوحة وأن النقابة ستقف مع أى خيارات يقررها المهندسون. وأضاف أن هذه الوقفة جاءت نتيجة شعور المهندسين بأن الحكومة تتعمد تسويف تطبيق الكادر، مضيفاً إلى أن النقابة عرضت مطالب المهندسين، وهي مطالب عادلة ومشروعة، ولكننا لم نجد استجابة من الأجهزة المعنية في الدولة. الحال لا يختلف نقابة التمريض وصل بها الحال بعد تعرض العديد من أعضائها للضرب والتعدى عليهم إلى تقديم شكوى للرئيس السيسى يتظلمون فيها مما يتعرضون له من إهدار لكرامتهم. الكثير من مطالب أعضاء هذه النقابات ليست مادية أو مطالب فئوية، لكنها مطالب مستحقة كفلها الدستور وحماها القانون من أجل العدالة والمساواة والحفاظ على الكرامة. نقابة المعلمين والتى يتجاوز عدد أعضائها المليون ونصف المليون لها العديد من المطالب وتقدمت بها للحكومة سواء حكومة المهندس إبراهيم محلب أو شريف إسماعيل لكن دون جدوى أو تدخل من الوزير المختص أو رئيس الوزراء لتوضيح الحقائق والمصارحة التى كثيراً ما تكون فعاله ومقنعة. فهل نترك الأمور لتصل إلى ما وصلت إليه فى دار الحكمة وعلى بعد أمتار من ميدان التحرير، هل نلوم الضحايا أم نلوم الأجهزة التى تقاعست وتركت الأمور تصل إلى ما وصلت اليه؟ هل نطالب رئيس الجمهورية بالاعتذار لكل طرف أو نقابة أو مواطن تعرض لظلم؟ أم نلوم الأجهزة والوزارات التى تجاهلت أو تلكأت فى تدارك الأمور قبل أن تتفاقم؟ هل ننتظر إنقاذ الرئيس لمثل هذه الأحداث وأن يقتصر فض الاشتباك وتخفيف الاحتقان على التدخل الرئاسى؟